فريد ياسين في حوار مع مجلة "حوار الفكر": أزمة المناخ ليست بيئية فقط بل تهديد شامل للتنمية في العراق
في ضوء تصاعد التهديدات البيئية الناجمة عن تغيّر المناخ، وتنامي انعكاساتها الكارثية على العراق، أجرى مركز "حوار الفكر" مقابلة خاصة مع السفير الدكتور فريد ياسين، أحد أبرز الشخصيات العراقية التي انخرطت مبكرًا في العمل المناخي على الصعيدين الدولي والمحلي، منذ تسعينات القرن الماضي وحتى تولّيه مهام المبعوث العراقي لشؤون المناخ في السنوات الأخيرة.
تنقّل الدكتور ياسين بين عوالم البحث العلمي والدبلوماسية الدولية، ممثلًا العراق في محافل كبرى، من باريس إلى نيويورك، ومن قمة الأرض إلى مؤتمرات الأطراف في اتفاقية المناخ، جامعًا بين التجربة السياسية والخبرة العلمية.
في هذا الحوار، يضعنا ياسين أمام الصورة الكاملة لمأزق المناخ في العراق: تأخّر مؤسسي، عزلة دبلوماسية، هشاشة في البنية المؤسسية، وتحديات وجودية تهدد المدن الزراعية والمناطق الساحلية. لكنه، في الوقت ذاته، يرسم ملامح طريق للخروج: من التكيّف مع المناخ إلى التخفيف من الانبعاثات، ومن ضرورة الانخراط العلمي الدولي إلى إصلاح السياسة الوطنية للطاقة.
ويؤكد ياسين أنّ التغيّر المناخي في العراق لم يعد مجرّد ملف بيئي، بل بات قضية تنموية شاملة تمسّ الاقتصاد، الأمن الغذائي، التحوّل السكاني، وحتى بقاء مدن كاملة على الخريطة. ويرى أن العراق، رغم تأخّره، لا يزال يمتلك فرصة للانخراط في المسار العالمي، شرط أن تكون هناك إرادة سياسية، تنسيق مؤسسي فعّال، وتخطيط استراتيجي طويل الأمد.
في ما يلي، ننشر النص الكامل لهذا الحوار المعمّق، الذي يكشف خفايا العقبات التي واجهها العراق في ملف المناخ، ويقدّم رؤية دقيقة وصريحة لما يجب فعله، قبل فوات الأوان.
حوار الفكر: سعادة السفير، نرحب بحضرتك، وممتنين لتخصيص مساحة من وقتك للحوار، اسمح لي أن اسالك بشكل مباشر، ما هي طبيعة التحديات المناخية التي تواجه العراق؟ بحكم اضطلاعك بمسؤوليات مباشرة وبمختلف المستويات حول الموضوع منذ تسعينات القرن الماضي.
الدكتور فريد ياسين: في الحقيقة ان الحديث عن مشكلة التغير المناخي وآثاره في العراق يتطلب الرجوع الى الوراء قليلا للوقوف على أصل المشكلة، لأن تراكم المشاكل دون حلول يقود الى تعقدها وزيادة آثارها الضارة.
يرتبط التغير المناخي بالدرجة الاساس بارتفاع مناسيب ثنائي اوكسيد الكاربون في الجو، والمؤشر الاهم لهذا الارتفاع هو عبر قياس تغير مستوياته عبر الفصول والسنوات، وتمت ملاحظة ان منسوب الغاز يتراكم عبر السنوات، وتزداد كثافته بطريقة متسارعة.
هذا الارتفاع اصطلح على تسميته بارتفاع نسبة الغازات الدفيئة في الجو، وما سببه اساساً هو التدخل الإنساني من خلال حرق الوقود الأحفوري، وما يجب الاشارة له هنا ان الغازات الدفيئة ليست عنصرا سيئا في الغلاف الجوي للأرض بحد ذاتها، إذ لولا الغازات الدفيئة لانخفضت حرارة الارض الى (-16) مئوية، وهي درجة لا تصلح للعيش، ان الغازات الدفيئة في وضعها الطبيعي تحافظ على نسبة الحرارة الصالحة للمعيشة وهي (+16) مئوية، ولكن الخطر يكمن في ارتفاع منسوب الغازات الدفيئة عن الحد الطبيعي وبسبب النشاط الإنساني، وبدا هذا الارتفاع يخل بالتوازن الدقيق في الغلاف الجوي الذي ساد خلال فترات طويلة.
حوار الفكر: هل ترتفع غازات الدفيئة بمنسوب واحد في مختلف الاقاليم؟
الدكتور فريد ياسين: هذه الغازات تنتشر حول الأرض في الغلاف الجوي لكن هناك تباين بتأثيرات ازديادها بين منطقة واخرى في الارض، فنرى جفاف في منطقة أو فيضانات في أخرى، ومن بين اوائل الذين تنبئوا بأثر ارتفاع غاز ثنائي أوكسيد الكاربون في الغلاف الجوي على ارتفاع درجات الحرارة كان عالم سويدي اسمه (سفانت ارينيوس) نهاية القرن التاسع عشر، وباختصار في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وصولا الى قمة الارض في ريو 1992 والاتفاقيات الثلاثة (المناخ، التنوع الأحيائي، مكافحة التصحر) التي ترتبت عليها، مما يطول شرحه هنا.
ولقد كان العراق ممثلا وقتها في قمة الأرض التي انعقدت في ريو دي جانيرو سنة 1992 و التي افتتحها الامين العام الاسبق للامم المتحدة كوفي عنان، وناب عنه في ادارة اعمالها الدبلوماسي العراقي المرموق عصمت كتاني، وما يذكر هنا ان العراق كان ممثلا بوفد ترأسه طارق عزيز، وكل دول الجوار العراقي وقعت الاتفاقية وقتها باستثناء العراق الذي لم يوقع لسبب لم أتمكن أنا شخصيا ان أتاكد منه.
ما سمعته ان الوفد العراقي تحفظ في وقتها عن متابعة أعمال قمة الأرض (والتي أدت إلى ثلاث اتفاقيات دولية مهمة تخص التغير المناخي والتنوع الأحيائي ومكافحة التصحر) تخوفا من ردود الفعل لفعاليات قام بها ناشطي حقوق الإنسان ضد النظام الديكتاتوري في القمة، ويا حبذا إذا قام احد طلاب الدراسات العليا بالتحري عن الموضوع للتأكد من صحة الرواية، لكن ما يمكنني ان أوكده هو ان احد مسؤولي الأمانة العامة لإحدى تلك الاتفاقيات (مكافحة التصحر) وهو جزائري الجنسية كتب إلى وزارة الخارجية مستفسرا عن عدم مشاركة العراق ومؤكدا ان المشاركة ستجلب معونات للعراق ولن تكلفه أي شيء، فحسب ما قال لي مسؤول الملف انذاك والذي رفع الرسالة مع التوصية بالانضمام إلى الوزير الذي اكد عليها ورفعها بدوره للسلطة العليا انذاك ان قرار السلطة العليا نزل عليهم بالخط الأحمر الذي لا يقبل نقاش: لا تصحر في العراق، نتيجة كل ذلك تأخرنا بما يقارب العشرين سنة عن دول جوارنا.
حوار الفكر: متى انضم العراق للاتفاقية؟
الدكتور فريد ياسين: ادارة الولايات المتحدة الجمهورية سنة 2003 كانت متحفظة على ما يتعلق بشؤون التغير المناخي، لكنها سنة 2003 تحت إشراف الاحتلال أرسلت وفدا من العراق ليشارك في الموتمر السنوي وبعد عودة السلطة للعراق سنة 2004 استمرينا بالمشاركة لكن كمراقبين حيث ترأست الوفد العراقي إلى مؤتمر المناخ سنة 2004، ما سمح لنا بالمضي قدما فيما يخص الانتماء إلى هذه الاتفاقيات هو العهد الدولي مع العراق وهو مشروع اممي اشرف عليه د. برهم صالح نائب رئيس الوزراء انذاك وابراهيم كامبري معاون الأمين العام للأمم المتحدة هدفه إنجاز خطة عمل تطويرية للعراق، طلب السيد عادل عبد المهدي مني التفرغ لهذا المشروع وكنت انذاك منسبا إلى مكتبه كمستشاره الدبلوماسي فعملت مع زملاء عراقيين وكذلك ممثلين عن الأمم المتحدة والبنك الدولي (اذكر من بينهم بسبب تفانيه معنا في ظروف صعبة جدا السيد سيمون ستولب وهو خبير استرالي وهو مسؤول الآن عن ملف الطاقة في شبه القارة الهندية ويشرف عن موازنه سنوية تفوق عشرة مليار دولار)، وما يحزنني حقا انني كنت عند عملي في الامانة العامة لمنظمة المناخ (1996-1998) متابعاً لوثائق انضمام عدد من الدول العربية كالاردن، دون انضمام بلدي العراق.
حوار الفكر: تضمنت الاتفاقية استراتيجيتين رئيستين لتدارك التغير المناخي، هل يمكن لكم سعادة السفير التطرق لهاتين الاستراتيجيتين؟ ضمن ملاحظة انضمام العراق المتأخر للاتفاقية.
الدكتور فريد ياسين: على الرغم من الانضمام المتأخر للعراق لاتفاقية المناخ، لكن ليس امامنا سوى العمل العاجل في إطار الاستراتيجيتين اللتين تضمنتهما الاتفاقية، وهما:
أولا: التكيف، تنطلق هذه الاستراتيجية من التسليم بقدوم التغير، والاثار الكارثية المترتبة عليه، مما يعني انه ليس امام الإنسانية سوى التكيف للتغيرات المناخية القادمة والتحضير والعمل الإستباقي للتقليل من الآثار السلبية لهذا التغير المناخي، كما هو الحال في الشأن الإنساني المستمر، التكيف مع الظروف المحيطة به.
ثانيا: التخفيف، تهدف الاستراتيجية الى التخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة، عبر إجراءات مختلفة، يتم تطويرها واضافة المزيد لها في قمم المناخ المستمرة، وخلال مؤتمر الأطراف 21 لسنه 2015 تم خلاله اعلان اتفاق باريس والذي يعتبر الدستور لتنفيذ بنود اتفاقية التغيرات المناخية، ويتضمن الاتفاق عدد من البنود تخص التخفيف من الانبعاثات للوصول الى الدرجة ونصف وكذلك التكيف للتغير المناخي القادم والتقليل من اثاره بالإضافة إلى آليات التمويل الدولية وحساب الخسائر والإصرار الناتجة من التغير المناخي وغيرها من المواضيع ذات الصلة.
ولنا هنا ان نسأل، من المسؤول عن ارتفاع نسبة غازات الدفيئة؟ كيف وصلنا الى هذه النقطة الحرجة؟
طيب، فيما يخص العراق وحصته من غازات الدفيئة، يذكر ان حصة العراق والدول النفطية مجتمعة لا تقارب حتى حصة العالم الغربي والدول الصناعية الاخرى ومسؤوليتها إتجاه الانبعاثات، تحتل الصين اليوم النسبة الأعلى من الانبعاثات، ولكن هناك معادلة لقياس نسبة الانبعاث على أساس عدد السكان، من المفهوم ان الصين تحتل هذه المرتبة المتقدمة في الانبعاثات، نسبة الى عدد سكانها الكبير، لكن دولة صغيرة مثل قطر تعد الأعلى نسبة في ارتفاع الانبعاثات قياسا بعدد سكانها الضئيل، وفق المعادلة ذاتها تفوق الانبعاثات من سويسرا بعدد سكانها القليل نسبة الولايات المتحدة قياسا بعدد السكان.
النقطة الأساس هنا ان الدول المتقدمة وصلت إلى ما وصلت اليه من خلال استخدام الوقود الأحفوري مما ادى إلى كونها تمتلك حصة الأسد في المنسوب التراكمي لغازات الدفيئة، والحوار هنا هو حول حق الدول النامية في التقدم الاقتصادي، الدول النامية ترى ان لها حق في التقدم الاقتصادي ولا ينبغي ان تمنع من استخدام السبل التي استندت عليها الدول الصناعية للتطور (بمعنى الوقود الأحفوري) من دون بديل أو تعويض عادل.
على هذا الأساس، فإن مفاوضات التخفيف من إنبعاثات الغازات الدفيئة ينبغي ان تراعي العدالة في هذا الموضوع، على أساس المسؤولية عن الانبعاثات، العراق الذي يطلب منه ان يخفض الانبعاثات عبر سياسات متعددة لابد ان يحصل على تعويض عادل مقابل عرقلة قطاعات متعددة سيؤدي توقفها الى آثار اقتصادية سيئة على العراق، وهو ما ينبغي الالتفات له في هذا المسار.
والحقيقة ان هذه الملاحظة المهمة تتناغم مع بنود الاتفاقية الدقيقة، التي احتوت على بند ينظر الى الظروف الخاصة لكل دولة على حدة في تنفيذ متطلبات الاتفاقية، هناك مراعاة للظروف الخاصة للدول التي تواجه التصحر، والدول التي لديها سواحل قد تغمرها المياه نتيجة الاحترار، بشكل عام الدول التي ستتأثر بشكل مباشر بالتغير المناخي وبالاجراءات المتخذة للتكيف والتخفيف، والعراق في طليعتها، إذ يواجه التصحر من جهة، وخطر ارتفاع مناسيب المياه على مدنه الساحلية من جهة أخرى.
يمكن لي القول أن الاتفاقية جيدة، لكن آليات تطبيقها معقدة، بحكم كونها تتخذ القرارات بالاجماع، كما هو الحال في اتفاق باريس للمناخ (الأهداف والاثا).
حوار الفكر: ما هي نسبة الحرارة التي يهدف اتفاق باريس الى الحفاظ عليها؟
الدكتور فريد ياسين: تضع الاتفاقية رقما ينبغي ان نكون حذرين تجاهه، هو درجة (1.5) أي ان لا تزيد درجة الحرارة كمعدل عالمي عن واحد ونصف عما سجلت عليه سنة 1880، والخطر في الموضوع فيما يخص العراق أن هنالك تباين كبير عن المعدل حسب الموقع الجغرافي. في ما يخص منطقتنا فان التوقعات تشير الزيادة ستكون أكثر بكثير من درجة ونصف مئوية، إذ أن العالم وصل حاليا الى ارتفاع بدرجة (1.4)، مع ملاحظة ان العراق وصل الى مرحلة مقلقة في ارتفاع درجة الحرارة، التي ارتفعت بشكل خاص بسبب أمور أخرى لها تاثير مباشر على الجو في المنطقة - ولا علاقة لها باستخدام الوقود الأحفوري - أو بسبب انخفاض مناسيب المياه الواردة إلى العراق موخرا، هناك تراكم وتسارع في المشكلة، ونرى ذلك جليا في التصحر وانكماش المناطق الصالحة للزراعة في العراق وهذا شيئ كارثي، ولكي نسيطر عليها ونعدل مسارها فنحن بحاجة الى جهود أكبر، والعمل على أرض الواقع بشكل افضل.
حوار الفكر: طيب سعادة السفير، بشكل صريح، اين يقف العراق من آثار التغير؟
الدكتور فريد ياسين: فيما يخص العراق، فان الأفق غير مطمئن، هناك دراسات تضم تنبؤات قد تتحقق، بل ان بعضها تحقق بالفعل، هذه الدراسات تميل الى توقع الأسوأ، وفي السياسات العامة نميل الى توقع الخيار الأسوأ لنكون مستعدين لمواجهته وعلاجه، على هذا الأساس كلما مر الوقت دون إجراءات عاجلة فإن هذه التوقعات السيئة قد تتحقق.
لاضرب لك مثلا حيا، (الفاتح الطاهر) هو أستاذ المناخ في (MIT) معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، المؤسسة العلمية الأهم عالميا كما هو معروف، سنة 2019 تنبأ الفاتح الطاهر بآثار ظاهرة الدفيئة على حجاج بيت الله الحرام، وبدأت توقعاته تتحقق فعلا، هذا العام سجل عدد كبير من الوفيات بين الحجاج بسبب الاحترار وظاهرة الدفيئة للإحتباس الحراري، ولديه مقال آخر يتناول الزيارة في اربعينية الامام الحسين عليه السلام، وتأثير الاحترار على الزائرين، وهي لا تقل خطرا عن توقعاته بشأن الحجيج في مكة المكرمة.
حوار الفكر: كيف تؤثر ظاهرة الدفيئة على جسد الانسان سعادة السفير؟
الدكتور فريد ياسين: هنالك مفهوم مهم يجب تعريفه وهو درجة الحرارة الرطبة، درجة الحرارة الرطبة هي درجة الحرارة التي يمكن أن يصل إليها جسم الإنسان في بيئة معينة من خلال التبريد التبخيري، إنها مقياس لقدرة الجسم على تبريد نفسه من خلال التعرق، إذا كانت درجة الحرارة الرطبة مرتفعة جدًا، فقد يصبح من الصعب على الجسم التبريد بشكل فعال، مما قد يؤدي إلى الإجهاد الحراري أو حتى الموت، يعتبر الحد الأعلى لدرجة الحرارة الرطبة التي يمكن للإنسان تحملها حوالي 35 درجة مئوية، ولكن هذا يمكن أن يختلف من شخص لآخر. و توقعات الباحثين تشير أن درجة الحرارة الرطوبة في المناطق الساحلية في الخليج قد تفوق هذا الحد لفترات قد تتجاوز مئات الساعات سنويا على أفق يقاس بالعقود، بما معناه لن يمكن للشخص أن يتواجد بأمان في مكان مكشوف في تلك المناطق في منتصف النهار لعدة أشهر كل سنة من دون أجهزة وقائية، وهذا طبعا يخص المناطق العراقية القريبة من الخليج ومنها مدينة البصرة.
على هذا الأساس بدأت بعض الدول بإتخاذ إجراءات للتكييف مع هذا الوضع، على سبيل المثال السعودية منعت عمال البلديات من العمل بين الساعة11:00 صباحا إلى الساعة 4:00 عصرا أثناء فصل الصيف، والعراق سيتأثر بهذه الدرجة من ارتفاع مناسيب الرطوبة في المناطق التي تشترك مع الدول الخليجية في ذات المناخ وفي مدينة البصرة تحديدا.
وفيما يخص البصرة نفسها هنالك دراسات عالمية تشير إلى أن بعض مناطقها ستغطيها مياه الخليج المرتفعة تدريجيا، وضعها وضع مدن ساحلية أو قريبة كالاسكندرية، وشانغهاي ونيو يورك وغيرها.
أما المناطق الباقية في العراق مثلا الشمال والشمال الغربي سيكون هناك مناخ جاف، في المناخ الجاف يمكن أن يتحمل الإنسان وصول درجة الحرارة إلى 50 مئوية، ولكن في الوقت ذاته ستعاني هذه المناطق من انخفاض في منسوب الأمطار، على هذا الأساس فإن العراق يواجه استحقاق عاجل من الآن ليتكيف مع هذا التغير، وهذا يعني أننا يجب أن نتخذ إجراءات في بناء المؤسسات طويلة الأمد.،مثلا إذا اردنا بناء مستشفى كبير جديد في البصرة ينبغي أن لا يكون على الشاطئ
ويتخذ التكيف انماطا متعددة، منها على سبيل المثال العمل على إعادة النظر بأساليب البناء والمواد المستخدمه ومراعاة العزل الحراري، والاعتماد على تقنيات حديثة في الزراعة والري وما شابه من الأمور.
وينبغي على العراق ان يبذل مجهود علمي قوي لكي يشاطر العالم ويساهم في الدراسات التي تقود المسار في مكافحة التغيرات المناخية من خلال تعزيز مشاركته في النشاطات العلمية للمؤسسات الدولية المعنية لهذا الموضوع وعلى رأسهاIPCC، وان المشاركة العراقية في نشاطات IPCC تقام حالياً دون المستوى المطلوب وبغياب ممثلين عن المؤسسات الأساسية في هذا العمل، كالمؤسسات الجامعية العراقية.
حوار الفكر: سعادة السفير، ما دمت تطرقت الى اشتراكنا في الازمة المناخية مع الدول الخليجية، كيف يمكن ان تقيم تجارب هذه الدول وكيف نستفيد منها؟
الدكتور فريد ياسين: قبل ان نذكر هذه التجربة، بعبارة ادق، كيف طورت هذه الدول سياساتها بهذا الشأن، دعني اذكر النقاش الحاد الذي دار حول التكيف في المؤتمر الأخير في دبي للمناخ، في النص النهائي ظهرت فيه فقرة تتحدث عن التخلص من الوقود الأحفوري بشكل نهائي، السعودية اعترضت فتم تغيير الفقرة بحيث اضيفت اليها كلمات تأخذ بالنظر الاحتياجات المشروعة للدول النامية.
فيما يخص سؤالك، بطبيعة الحال فيما يخص العراق فقد بدأ بإجراءات التكيف ولكن ببطء، ولكن لو نظرنا إلى التجارب المحيطة بنا فسجد أن السعودية هي البلد العربي المتقدم في هذا المجال، (المغرب كبلد عربي متقدم في مجال المناخ لكن ظروفه تختلف وهو ليس في جوارنا).
في بدايات الحديث عن التغير المناخي وفي القمم الأولى التي عقدت بهذا الشأن، كانت السعودية كبلد نفطي تتوجس خيفة من هذا الحديث، وتتخذ موقف المعارض بشكل مستمر، ولكن مع استمرار تطور الموقف بشأن الاحترار والقوة المتزايدة للأدلة العلمية التي تشير إليه، تطور الموقف السعودي، الى درجة أنه في مؤتمر باريس سنة 2015 لاحظت أن السعودية هي الدولة المفاوضة بإسم المجموعة العربية فيما يخص التغير المناخي وآثاره.
دمجت السعودية كل المؤسسات المعنية بالطاقة فيها في وزارة واحدة هي وزارة الطاقة، وبدعم من شركة أرامكو توجهت هذه المؤسسات لمعالجة ما يتعلق بالوقود الاحفوري، والسعودية ـ مثلا ـ توقفت عن حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط منذ سبعينات القرن الماضي، عبر استثمار الغاز المصاحب لتوليد الكهرباء، وتصدير الفائض النفطي المستخدم سابقا في التوليد، مما يعني منفعة مزدوجة، الامر الذي قاد الى توفر فائض كبير في الغاز لدى السعودية، فعملت على فتح باب الاستثمار لإنشاء مدن صناعية أو صناعات تعتمد على الغاز المصاحب، وزودت هذه الاستثمارات بغاز مجاني لعدد معين من السنوات، على هذا الأساس تم إنشاء مدينة ينبع الصناعية، وهناك مشاريع أخرى لاستثمار الكربون نفسه، مثل حقن الكربون بعد تحويله إلى غاز في مكامن إنتاج النفط بدلا عن المياه.
أشير هنا الى قياس البصمة الكاربونية للنشاطات الاقتصادية، ووضع ضرائب على هذه البصمة، وضرائب الكربون قد تفرض على الشركات، بعد السماح لها بإنتاج الكاربون إلى حد معين، أي بمعنى أنها تسمح للشركات بحد معين من الانبعاثات، وحين يزيد عن هذا الحد تضاف عليها ضريبة، وهناك أيضا ضرائب على استخدام السيارات، بالمقابل فإن العراق يدعم الوقود والكهرباء، ولا يفرض عليها ضرائب، هذه الضرائب المستوفاة يفترض ان تستخدم ضمن إجراءات التكيف عبر تطوير التكنولوجيا وغيرها، لكن أغلب الدول تضيف هذه الضرائب لموازناتها بما فيها دول الاتحاد الأوروبي.
حوار الفكر: طيب، أين العراق من هذه الإجراءات سعادة السفير؟
الدكتور فريد ياسين: فيما يخص العراق نحن متأخرون كثيرا، سياساتنا كانت تركز على الآني وليس على المستقبل فالعراق لحد الآن يحرق الغاز، لكن الحمد لله أخيرا اتخذ القرار بأنهاء حرق الغاز على أفق قريب (2028). بعد إنضمامهِ الى مبادرة تصفير حرق الغاز والعهد الدولي الخاص بالميثان، من المؤسف القول أن العراق اهمل 20 عام من العمل في إجراءات التكيف والتخفيف، ولكن للإنصاف فإن وزارة النفط بدأت بالتفكير بالموضوع بشكل جدي، وهناك خطة أن يتوقف العراق تماما عن حرق الغاز سنة 2028.
حوار الفكر: سعادة السفير، هذه المقدمة كلها استبقت لتفسير لماذا استحدث العراق منصب مبعوث المناخ، كيف نجيب على هذا السؤال؟
الدكتور فريد ياسين: في الحقيقة إن التغير المناخي ليست قضية متعلقة بالبيئة وحسب بل هي تخص كل الفعاليات الإنسانية ولا تقف عند وزارة البيئة، إن التغيرات المناخية هي قصة التنمية المستدامة بشكل عام، وأول من تولى هذا المنصب في العراق كان الوكيل جاسم الفلاحي وكان مبعوث المناخ السابق قبل ان يتم تكليفي بالمنصب، والحقيقة ان الفكرة كانت من اقتراحي، لأن سعة القضايا المتعلقة بالتغير كما ذكرت لك تجعل من غير الممكن ان ترتبط بوزارة البيئة فحسب، التغير المناخي قضية تنموية، تتبعها تغيرات سكانية واقتصادية واجتماعية، وتبدلات في أنماط العيش وسواها مما لا يدخل ضمن قدرات او صلاحيات وزارة البيئة بمفردها.
على هذا الأساس وجدنا أن المكان الأفضل لكي يرتبط به مبعوث المناخ إما أن يكون في رئاسة مجلس الوزراء، أو في وزارة الخارجية لمنحه القدرة على الاشتراك في كل القطاعات التي ستطالها آثار التغير المناخي، والوصول إلى كل الوزارات المعنية الأخرى دون وجود حساسيات قد يولدها منح المسؤولية الى وزارة بعينها دون أخرى، وأيضا تتوفر المركزية اللازمة لعمل مبعوث المناخ، ولكن يتطلب عمل المبعوث أن يكون ضمن لجنة عليا فعاله تدار من قبل رئاسة الوزراء بحيث تكون لها فعالية وقدرة على اتخاذ القرارات والتنسيق بين مختلف الوزارات.
حوار الفكر: شكراً جزيلاً سعادة السفير لوقتك الثمين، هل يمكن ان ندون كلمة أخيرة، لما تجده تحديات ملحة توجهها كنصيحة لمن خلفك في المسؤولية عقب طلبك انهاء مهمتك.
الدكتور فريد ياسين: الحقيقة أني كما قلت كنت اشعر بالحزن عندما شاركت في قمم المناخ الثانية والثالثة والرابعة كمسؤول في المنظومة الأممية المعنية بترتيب هذه اللقاءات بسبب غياب العراق عنها كليا، لكن الحمد لله الأمر يختلف الآن، يوجد فهم وإدراك شعبي وحكومي واسع عن أهمية هذا الموضوع، ونشير إلى ذلك منها الإستراتيجيات وخطط العمل الوطنية والمشاريع التي تهدف الى تحقيق التنمية المستدامة والعمل المناخي، كذلك الوفد التفاوضي الدائمي والجناح العراقي الذي أقيم في قمة المناخ الثامنة والعشرين في دبي والذي ستعاد إقامته في القمة التاسعة والعشرين هذه السنة في آذربايجان.
المعهد العراقي للحوار الراعي اللوجستي لمعرض بغداد الدولي للكتاب يفتتح جناحه الخاص في المعرض
المعهد العراقي للحوار يصدر "الحقيبة الدبلوماسية" للدكتور كرار البديري
Official agreement between Iraqi Institute for Dialogue and the Iraqi Media Network to sponsor The Seventh Annual International Conference of “Baghdad Dialogue” 2025
استكتاب خاص بمؤتمر حوار بغداد الدولي السابع لكتابة أوراق بحثية
دعوة استكتاب في العدد (79) من مجلة "حوار الفكر"
إشادات بحوار بغداد الدولي: تعزيز دور العراق المحوري ونقطة التقاء للرؤى
رئيس الوزراء: طريق التنمية سيجعل العراق قوة اقليمية سياسة واقتصادية
تعليقات الزوار