المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

كلمة السيد علاء الدين بروجردي:

تحية إجلال وإكبار واحترام للحضور الكريم..

يسرني ان أتقدم بالشكر الجزيل للأخ العزيز الدكتور همام حمودي نائب رئيس مجلس النواب العراقي، ورئيس المعهد العراقي لحوار الفكر، وجامعة بغداد لمبادرتهم الطيبة بانعقاد هذا المؤتمر المبارك.

وبعد فان العراق يعتبر بلداً متألقاً على الصعيدين الإقليمي والدولي لارتكازه على المعطيات التاريخية العريقة وامتلاكه شعبا لعب دورا تاريخيا بارزا في صناعة الحضارة البشرية، شعبا يتمتع بثقافة سامية عريقة.

كانت فترة حكم البعث في تاريخ العراق خلال العهد الحاضر فترة عصيبة وشاذة أدت إلى انحراف بوصلة المسيرة التاريخية للشعب، حيث قام حزب البعث بتبديد ثروات البلد المادية والروحية ليكون الناس ضحية أطماعه بغية تدويل سياساته الداخلية والإقليمية وذلك من منطلق استقوائه بأطراف دولية وإقليمية.

في هذا السياق يمكننا التطرق إلى الحركة الشعبية الحديثة التي ظهرت بعد سقوط نظام البعث البائد في العراق حيث تركت بصماتها البائنة على تطور الحركة السياسية العراقية على المدى البعيد بالرغم من التحديات المختلفة التي واجهتها ولذلك يجب على المجتمع الدولي الاعتناء بهذه الحركة المتألقة بغية حمايتها.

انه لمن المؤسف أن لا يعتني المجتمع الدولي والإقليمي ولا كبار اللاعبين في الساحتين الإقليمية والدولية بما يجري من تطورات بناءة على الساحة السياسية للعراق لتؤدي مهامها لاستكمال وتطوير الحركة السياسية الديمقراطية بل لاحظنا ان بعض الأطراف بادرت بحركة مضادة لوقف التطورات البناءة الأنفة الذكر ساعية إلى تهميشها من حين لآخر.

أنه من العجب العجاب ان نلاحظ ظهور الفئات التكفيرية الإرهابية على ارض العراق لتصبح أداة يستخدمها المتلاعبون بغية انجاز مخططاتهم السياسية مما جعل المنطقة تعاني المحن والويلات.

كما نلاحظ أن الأمم المتحدة لم تقم بما يجب عليها في الدفاع عن العراق حكومة وشعبا لصد الهجمات التكفيرية الإرهابية الداعشية بسبب مصالح الدول اللاعبة فيها والمصالح المتضاربة للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لكن بالرغم من كل هذه المشاكل وكل هذا الجفاء يمكن التنويه بان العراق بادر باتخاذ خطوات بناءة لتطوير المسار السياسي للبلد.

انه من دواعي سرورنا ان يبادر العراق حكومة وشعبا في ظل الوحدة الوطنية بصد ما قامت به الجماعات التكفيرية الإرهابية والوقوف بوجه داعش حيث يبادر اليوم هذا الشعب الأبي بتطهير أراضيه التي احتلتها الفئات الإرهابية الشيطانية والجماعات المقيتة. لقد حاول الإرهابيون وحماتهم إشعال نار الصراعات عبر تضخيم اختلافات الرؤى الدينية والسياسية لتحقيق أهدافهم المشؤومة لكننا لاحظنا بان الشعب العراقي تمكن من كشف حقيقة الإرهاب الذي يتمدد عبر الحدود ويستهدف كل الأديان والمذاهب. فالإرهابيون لم يقيموا وزنا لا للدين ولا للقيم الإسلامية والإنسانية ولا للقوميات ويتعاملون مع معارضيهم بمنطق السيف والقتل لذلك يعتبر كفاح الشعب العراقي ضد الإرهاب رأسمال وطني يجب على الجميع مواكبته والدفاع عنه.

لقد تمكن الشعب العراقي من صد الإرهاب في ظل دور المرجعية الدينية الرشيدة وإتباع إرشاداتها لإزاحة الفئات التكفيرية الإرهابية، لكن في نفس الوقت نرى ان عملية تحرير الموصل واكبتها المبادرات السياسية من قبل بعض الجهات الأجنبية حينما اشترطت تقديم مساعداتها بتنفيذ رؤاها السياسية فلا يمكن لأحد ان يرسم مستقبل العراق وفقا لمزاجه ورؤيته بعيدا عن إرادة حكومة وشعب العراق. ولا يفوتنا القول هنا ان الجماعات الإرهابية التكفيرية أوجدتها القوى العظمى حيث ظهرت تلك الجماعات بغرض توفير الأمن للكيان الصهيوني الذي أسس منذ بدايات القرن العشرين وهي لا زالت تمارس نفس المنحى لتبقى ما تسمى بإسرائيل آمنة مستقرة بالرغم من اغتصابها لفلسطين أرض الأنبياء ومهبط الرسالات السماوية.

لقد عزمت الحكومة العراقية على تطهير الموصل من أنجاس الإرهاب والتكفير وبعد ذلك يجب إعطاء فرصة للشعب العراقي ليبادر بعلاج المشاكل عبر الحوار البناء، والجمهورية الإسلامية الإيرانية تدعم مثل هذا الحوار بين الأطراف العراقية. وعليه يستلزم وضع النقاط على الحروف بتقديم المقترحات التالية لحكومة وشعب العراق:

أولاً- تؤكد الجمهورية الإسلامية الإيرانية على ضرورة إتباع المسار السياسي عقب تحرير الموصل وفقا لرؤى الشعب والحكومة حيث لم يكن العراق دولة تحت إشراف الجهات الدولية  ووصايتها إذ يمتلك دولة مستقلة تأسست عبر الانتخابات. وبالنظر الى التاريخ الطويل للدولة في العراق والتعايش السلمي الذي ساد بين الطوائف ومعتنقي مختلف الديانات والمذاهب في هذا البلد، تتواجد أرضية لاجتياز الظروف الراهنة عبر حوار داخلي سليم.

ثانياً- بما ان العراق يمتلك خلفية ترتكز على الوفاق الوطني حيث تؤدي العشائر فيه دورا مهماً  يستلزمنا التأكيد على الحفاظ على الوحدة الوطنية وسلامة أراضي القطر ضمن الحدود المعترف بها دوليا ومن منطلق العناية بسلامة كيان الدولة من منظور التركيز على الطاقات التي يجسدها الحشد الشعبي والالتفاف حول المرجعية الدينية الرشيدة التي أنقذت العراق من الويلات في مناسبات عديدة حسبما نستلهمه ونستسقيه من التاريخ في العهد الراهن.

ثالثاً- بالنظر إلى الثروات الطائلة في العراق مثل البترول ومشتقاته يمكن تحقيق التطور الاقتصادي والرفاه الاجتماعي عبر استغلال هذه الثروات. وهنا تعلن الجمهورية الإسلامية الإيرانية استعدادها لتقديم تجاربها التي اكتسبتها خلال الأربعة عقود الماضية في مختلف المجالات للعراق حكومة وشعباً.

رابعاً- يعلن مجلس الشورى الإسلامي الإيراني كامل استعداده لبلورة المبادرات الأخوية في كافة المجالات المتاحة للطرفين في إطار قوانين البلدين الشقيقين عبر رحابة الصدر وتعزيز الإخوة الإسلامية.

خامساً- نعتقد أنه لا يمكن القبول بانتهاك شرعية الدولة وسيادتها على ارض البلاد عبر المبادرات العسكرية بذريعة محاربة الجماعات الإرهابية حيث يمتلك القطر العراقي طاقات شعبية لصيانة أرضه والحفاظ على سيادته. يسعدنا ببالغ البهجة والسرور ان نلاحظ ان الشعب العراقي بادر في تأسيس قوة في ظل هداية المرجعية الدينية الرشيدة والمبادرات الحكيمة من جانب الحكومة والبرلمان في دعم إرادته وعزيمته في الحفاظ على كيانه لبلورة قوة هائلة تساند وتدعم القوات العسكرية والأمنية العراقية.

يدل التقرير الذي نشرته لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة وما ادعته بعض الأوساط حول انتهاك حقوق الإنسان من قبل أفراد من الحشد الشعبي هذه الادعاءات الباطلة لها خلفيات تتصل بالمواقف السياسية لبعض الأطراف المعروفة للجميع.

 ان البرلمان العراقي عبارة عن مركز مهم لاتخاذ القرار وكذلك التقنين، في ضوء ذلك فان القرار المتخذ في البرلمان العراقي للتعريف بقوات الحشد الشعبي وشرعيتها بقيادة رئاسة الوزراء له صداه الواضح، لذلك فان انتقاد قرار البرلمان والحكومة بخصوص الحشد الشعبي هدفه تسميم الأجواء ويشير إلى وجود غايات سياسية غير سليمة يرسمها الأعداء استهانة بالشعب العراقي وبرلمانه.

نحن نعتبر وجود عراق مستقل حر وموحد إنما يخدم مصالح الشعب العراقي بكافة مكوناته وطوائفه الدينية والقومية إذ يكون ذلك ضمانا لتطوير وتعزيز دور العراق في المجتمع الدولي.

نؤكد هنا بان الاتكاء على الدستور باعتباره وثيقة وطنية والتمسك بالحوار الوطني هما آلية حضارية يجب العمل على أساسها في المرحلة التي تعرف بما بعد داعش. ان التركيز والاتكاء على الدستور وتمسك قطاعات الشعب العراقي به وبمبدأ الحوار الوطني من منطلق المصالح المشتركة سوف يمهد الدرب لتحقيق الاستقرار في العراق وتعزيز مكانته الإقليمية والدولية حيث يكون البرلمان هو مركز لصناعة القرار والتقنين ليلزم الجميع على إتباع قراراته.

يمكن اعتبار أطروحة الوفاق الشعبي (التسوية) التي طرحت مؤخراً من قبل السيد عمار الحكيم باعتباره رئيس التحالف الوطني منطلقا ملائماً لترسيخ الوفاق الشعبي وتجسيد وحدة الأراضي العراقية. نعتقد ان العراق يملك طاقة هائلة وحكمة متألقة لقيادة حركة جديدة عبر ارتكازه على أسس مستقاة من المصالح الشعبية والوفاق السياسي.

ونحن هنا إذ ندعم وحدة العراق وسيادة حكومته على كافة الأراضي التي تقع ضمن حدوده الدولية بكل الطاقات والإمكانيات التي تمتلكها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، نرجو من العلي القدير أن يوفقنا وإياكم في دعم الإنسانية وبلورة المعتقدات السليمة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اترك تعليقا