المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

أبعاد الصراع الروسي الأوكراني

الباحث – امير صباح

أطلقت روسيا عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا بناءً على تقدير استراتيجي يرى في أداء القيادة الحالية في كييف وفي المشروع اليميني القائم فيها خطراً داهماً يهدد أمن البلاد. لقد أضحت كييف في منظور الكرملين ساحة تحضير لحرب لا مفر منها على روسيا. وقوام هذا المنطق يتأسس على معطيات كثيرة منها تنمية مجال التسلح  في أوكرانيا وصولاً إلى الحديث عن نية كييف امتلاك أسلحةٍ نووية بالإضافة إلى التجهيز التقني والعسكري للدول الأطلسية عند حدود روسيا الغربية.

من جملة هذه المعطيات يرى الكرملين أن الصدام الروسي مع هذه القوات أمر قائمٌ لا محال، وأنها مسألة وقتٍ فقط قبل أن تعاجم الولايات المتحدة الداخل الروسي عبر “الناتو”، أو عبر انقلابٍ شبيه بانقلاب عام 2014 في أوكرانيا ذلك بأن وجود الحلف في أوكرانيا لا يعني تطويق روسيا بقدر ما يعني الدخول لقلبها الأمر الذي يُطلق تيارات تغييرية غربية داخل المجتمع الروسي. باختصار فإن بوتين يرى المسألة على النحو التالي: إمّا أن يفكك المشروع الأطلسي في أوكرانيا وإمّا أن يواجه خطر تفكك روسيا نفسها.

ووفق هذه القاعدة يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أنه لا يمكن لروسيا أن تشعر بالأمان والتطور والبقاء مع وجود تهديد مستمر ينبع من أراضي أوكرانيا الحديثة لقد بنى بوتين إعلانه العملية العسكرية في أوكرانيا على هذا التقدير الاستراتيجي الأمني  بالإضافة إلى معاهدات الصداقة والمساعدة المتبادلة والموقعة مع جمهوريتي دوينتسك ولوغانسك بعد الاعتراف بهما.

 أطلقت موسكو عمليتها تحت عنوان عدم التحول إلى قوة احتلال يمكن فيما لو حدث وثبتت مواقع في الأراضي الأوكرانية أن تنقلب جهودها وتزيد الكلفة الامر الذي يُنتج استنزافاً يومياً في المستويات العسكرية والاقتصادية والسياسية. وهذا ما اختبره الاتحاد السوفياتي قبلاً في أفغانستان

وبدلاً من ذلك فإن القوات الروسية استعاضت عن اجتياحٍ شاملٍ عالي التكلفة بنَظم هلالٍ حول النصف الشرقي من الخريطة الأوكرانية تكون جمهوريتا دوينتسك ولوغانسك الشعبيتان عمقه بينما تمتد أطرافه من ساحل أوديسا في الجنوب حتى خاركيف وكييف  في الشمال. وقيمة هذا الهلال تكمن في احتوائه المدن الرئيسة في أوكرانيا، وخصوصاً أوديسا وخيرسون وماريوبول في الجنوب، والمدينتين الكبريين كييف وخاركيف في الشمال، مع شمول القصف المركّز المدن الباقية، وأهمها لفيف في أقصى الغرب.

وفي حين سيطرت القوات الروسية وحلفاؤها على مناطق شديدة الأهمية في البر الأوكراني، وحاصرت كييف وخاركيف، فإن المعطى الميداني الأكثر إلحاحاً، بالنسبة إلى الروس، كان تسريع السيطرة على سواحل البحرين الأسود وآزوف، في صورةٍ تجعل أوكرانيا دولةً حبيسة منقطعة عن المسطّحات المائية التي تتفاعل من خلالها مع العالم. 

وربما تكون هذه النقطة تحديداً هي التي رُسمت على أساسها خطة العملية الخاصة على شكل الهلال. وبها، تحققت منذ اللحظة الأولى نتائج استراتيجية بالغة الأهمية بالنسبة إلى بوتين. لقد تمت السيطرة على بحر آزوف بصورةٍ تامة، ليتحول إلى بحيرة روسية خالصة، على الرغم من بقاء القوات الأوكرانية منتشرة في مدن ساحلية تطل عليه لكنها محاصَرةٌ من البحر والبر عبر الأسطول الروسي ومقاتلي الجمهوريتين. وفي البحر الأسود، فإن السيطرة الروسية على شواطئه الشمالية تحولت، في الساعات الأولى للعملية، إلى سيطرة متينة، مع محاصرة أسطول البحر الأسود الروسية سواحلَ أوديسا. إنها وضعية ملائمة لفرض خلاصات الحروب على طاولة المفاوضات. 

أوكرانيا والدعم الأمريكي الأوربي المشترك

التعاون الأمني ​​بين الولايات المتحدة وأوكرانيا جديد نسبياً، فهو لم يبدأ بشكل جدي إلا بعد أن أطاحت الاحتجاجات الشعبية الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، واستعادت روسيا شبه جزيرة القرم في العام 2014.

ومنذ ذلك الوقت، قامت الولايات المتحدة بتوسيع مساعدتها الأمنية لكييف بشكل كبير، والتي بلغت أكثر من 2.7 مليار دولار منذ العام 2014.

وشملت المساعدات أموراً عدّة، بما في ذلك التعليم والتدريب العسكري، فضلاً عن الأسلحة والذخائر والمعدات اللوجستية، حتى باتت أوكرانيا من بين أهم متلقي المساعدات العسكرية الأميركية، واحتلت المرتبة السابعة عالمياً بين العامين 2016 و2020، وعُدّت أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية في أوروبا

وعملت الولايات المتحدة على تدريب ما لا يقل عن 10 آلاف جندي أوكراني بين العامين 2015 و2019. 

وساهمت التطورات الأخيرة، والهواجس الروسية من تجزئة الأمن في أوروبا، ورفض “الناتو” والولايات المتحدة تقديم الضمانات الامنية  المتمثلة بامتناع “الناتو” عن مواصلة توسعه نحو حدودها، في زيادة التوتر على طرفي الحدود الروسية الأوكرانية.

قدمت امريكا لاوكرانيا ماقيمته 6.4 مليار دولار كمعدات عسكرية ولوجستية تراوحت المعدات العسكرية بين دروع واقية وخوذ وبنادق وقاذفات القنابل بالاضافة الى مختلف الذخائر والاسلحة المضادة للدبابات بالاضافة الى الانظمة

المضادة للطيران كستينغر وصواريخ جافلين وطائرات بدون طيار بالاضافة الى طائرات بدون طيار من طراز بيرقدار التركية

  • استخدام المسيرات 

الوافد الجديد للحروب الحديثة.. محاولات اوكرانية لتكرار التكتيكات الاذربيجانية

بشكل متصاعد، قامت اوكرانيا  باستخدام الطائرات بدون طيار التركية  المعروفة ببيرقدار لقصف القطعات الروسية. ما تم ملاحظته بشكل لافت انها تحاول تركيز ضرباتها على منظومات الدفاع الجوي الروسية، وهو ما طبقته اذربيجان بنجاح في توضيفها لسلاح الدرونات في استهداف الجيش الارميني في حرب كارباخ. حققت الاستراتيجية نجاحا ملحوظا مع الاذريين.

من ما نشر من قبل وزارة الدفاع الاوكرانية، فقد استهدفت البيرقدار  الدفاعات الجوية الروسية تركزت الاستهدافات بشكل عام على منصات اطلاق صورايخ وانظمة رادارات ومنصات بانتسير

  • من التكتيكات التي استخدمها الجيش الاوكراني

اتبع الجيش الاوكراني نوع جديد من عمليات الاستهداف للأرتال الروسية وخصوصا ارتال الدعم اللوجستي التي اصبحت هدف القوات الاوكرانية الاول.

يتركز التكتيك في تسديد ضربات مدفعية دقيقة يتم تصحيحها وتوجيهه بواسطة قوات ارضية مزودة بتجهيزات استطلاع وتصوير بمحددات مدى ليزرية، اذ تصنع اوكرانيا

انواعا من قذائف المدفعية الموجهة بالليزر عالية الدقة، والتي على ما يبدو تم استئناف استخدامها للتغطية على القوة الجوية الاوكرانية التي تكبدت خسائر ثقيلة ولا جدوى من استخدام ما تبقى منها في ظل وجود الدفاع الجوي الروسي.

من القذائف التي تم استخدامها هي القذيفة الاوكرانية الموجهة بالليزر Kvitnik-E. تتوفر القذيفة بعياري 152ملم و155ملم وتعمل بمدى 3-20كم بهامش خطأ يبلغ 2متر مربع. من غير المعروف كمية القذائف التي صنعتها اوكرانيا قبل الحرب.

في الغالب فأن العمليات تجري بواسطة طواقم مدربة من القوات الخاصة الاوكرانية المجهزة بمحددات المدى الليزرية LPC-1 التي تعمل بالتنسيق مع المدفعية الأوكرانية ذاتية الحركة من نوع Msta-S و Dana M2 و2S3، التي تتمتع بالتكنلوجيا والعيار المناسب وإمكانية المناورة لهكذا عمليات، ويقدر مجموع ما تملكه أوكرانيا من هذه المدافع بالمئات قبل الحرب وفي حال كان من الممكن استخدام المدفعية المقطورة من الأنواع 2A65 و 2A36 و D-20

التي تتمتع بالعيار المناسب وتقدر اعدادها بالمئات أيضا، فان الحد من هذا الاستهداف سيكون امرا صعبا على القوات الروسية.

يذكر ان المصانع التي ورثتها اوكرانيا اعطتها امكانات تصنيعية جيدة في صناعة الدبابات والمدرعات والمدفعية الشرقية وعتادها.

  • هل فعلا وفت امريكا بوعودها لاوكرانيا ؟

نجحت امريكا والغرب بادارة حرب الوكالة عن طريق التمويل والتسليح لاوكرانيا بمساعي مطمئنة لاوكرانيا من خلال التسويق لسياسة الدفاع عن الحلفاء التي انتهجتها وكذلك سياسات حلف الناتو ، انشأ حلف الناتو قوة قتالية متعددة الجنسيات في دول البلطيق مصممة لتكون بمثابة عامل طمئنة للحلفاء بشأن ضمانات الدفاع الجماعي كذلك مضاعفة حجم القوة الى ثلاثة اضعاف كذلك سعي امريكا لتقديم معدات عسكرية تقدر بين 4.5 الى 6.5 مليار دولار جاهزة للاستخدام في بولندا مع كل هذه الجهود لاتزال روسيا تتمتع بتفوق عسكري في المنطقة كما ظهر خلال المناورات الحربية التي أجرتها مؤسسة RAND والتي خلصت إلى أن روسيا ستكون قادرة على اجتياح دول البلطيق في غضون أيام قليلة ما لم ينشر الناتو المزيد من القوات علاوة على ذلك، فإن القوات القتالية لحلف الناتو ليست مدربة ولا منظمة للمساعدة في العمليات الرمادية “حروب العصابات والحروب منخفضة الكثافة”، التي قد تميل روسيا إلى اختبارها مرة أخرى في شرق أوكرانيا، على غرار الوضع في عام 2014.

امريكا انتهجت الاكاذيب في رغبتها الحقيقية في الدفاع عن الحلفاء حتى أبان الحرب الباردة لم تشأ امريكا ولا الغرب الدخول في حرب مباشرة مع روسيا لطالما كان الخيار المتاح والمفضل لامريكا والغرب هو فرض عقوبات اقتصادية على روسيا قد يظهر الضعف الامريكي من خلال تصريح وزير الخارجية الامريكي بلينكن حيث قال هذه هي الطريقة التي يمكننا بها العودة عن أزمة ستكون لها عواقب بعيدة المدى وطويلة الأمد على علاقاتنا الثنائية مع موسكو، وعلى علاقات روسيا مع أوروبا وعلى السلام والأمن الدوليين اي الاخذ بخيار فرض العقوبات وترك خيار المواجهة المباشرة كذلك

من الصعب تخيل أن الولايات المتحدة ستكون على استعداد لدعم التزامها بالدفاع عن أوكرانيا، من خلال نشر عشرات الآلاف من القوات الإضافية في أوروبا في وقت توجه فيه تركيزها إلى مواجهة الصين في المحيط الهادئ.

ان الحساب الحقيقي للنجاح العسكري لا يمكن أن يُجرى إلا بعد بدء صدام بالأسلحة . وإضافة إلى ذلك هناك العديد من الأشياء غير الملموسة مثل الطقس والمعارك الحضرية والقيادة والسيطرة والخدمات اللوجستية  والروح المعنوية  التي قد تلعب كلها دورًا مهمًا في المراحل الأولى من أي حرب .

  • من حيث المبدأ

اولاً العقيدة العسكرية الروسية

بعد تفكك الإتحاد السوڤياتي وضعت روسيا عام 1995 عقيدة عسكرية جديدة وكانت تستند على خطرين أساسييّن على إثرهما يجب على روسيا التصدي لهما

الخطر الأول هوَّ تمدد حلف الناتو في شرق أوروبا تحديدًا الدول التي كانت ضمن الإتحاد السوڤياتي

الخطر الثاني هوَّ مخاوف تعرض الأقليات الروسية للخطر في تلك الجمهوريات

تَّمت الموافقة على تحديث العقيدة الروسية عام 2008 ثُمَّ وقعت من جديد عام 2010  لكن في عام 2014 وقع بوتن على وثيقة مراجعة العقيدة العسكرية والتي جعلت من حلف الناتو خطرًا أساسيًا للروس بسبب برنامج الدفاع الصاروخي الأمريكي أيضًا بسبب نظام الضربة الفورية الأمريكية “PGS” الذي يتيح للأمريكان بتوجيه ضربة عسكرية بالأسلحة التقليدية فائقة الدقة بظرف ساعة واحدة من دون إستخدام الأسلحة النووية بالإضافة إلى نشر الأسلحة الأمريكية في الفضاء وذلك يشكل خطرًا مُحدقًا بالروس بسبب الهيمنة الجيوستراتيجية الأمريكية 

ثانيا: العقيدة العسكرية ألاوكرانـيـة

عام 2015، وقع الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو على قانون العقيدة العسكرية و الأمن القومي ونصّت العقيدة الجديدة على إعتبار الهجوم الروسي على الأراضي الأوكرانية خطرًا مُلحًا التي تشمل شبه جزيرة القرم، وبعض مناطق مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك

ايضًا تستند العقيدة الأوكرانية على عدة أخطار فيما يخص روسيا منها التحشيد الروسي على الحدود وإحتمالية نشر أسلحة نووية وتواجد القوات الروسية في إقليم ترانسنيستريا بمولدافيا وتنامي النشاط الاستخباراتي والتخريبي للأجهزة الخاصة الروسية في أوكرانيا بهدف زعزعة استقرار ‏الأمن الداخلي.

ايضًا خطر المجاميع المسلحة الروسية غير النظامية التي تعتبرها أوكرانيا خطرًا على السلم المجتمعي وتهديدًا داخليًا، وحددت العقيدة الأوكرانية بعض النقاط لتطوير المنظومة العسكرية تمهيدًا للإنضمام لحلف الناتو.

ان الهدف الأساسي للكرملين هو ضمان ألا تنتمي بيلاروسيا وأوكرانيا وجورجيا أبدًا إلى كتلة عسكرية أو اقتصادية غير تلك التي تسيطر عليها موسكو وأن تكون روسيا الحكم النهائي في السياسة الخارجية والأمنية للدول الثلاث.

في جوهره يدور هذا الصراع حول ما إذا كان يمكن للجمهوريات العرقية السابقة بعد 30 عامًا من انهيار الاتحاد السوفياتي أن تعيش كدول مستقلة وذات سيادة أو إذا كان ما يزال يتعين عليها الاعتراف بموسكو باعتبارها صاحبة السيادة بحكم الأمر الواقع.

ظاهريًا يأتي طلب منطقة نفوذ حصرية في أوروبا الشرقية وجنوب القوقاز لتلبية المصالح الأمنية الروسية وقد صور الكرملين توسع الناتو إلى الشرق على أنه الخطيئة الأصلية للعلاقات الدولية مع الغرب في حقبة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والتي يجب تصحيحها الآن، وعلى الرغم من الحقائق والتفسيرات البديلة والمخاوف الأمنية للدول التي تتمتع بسيادة متساوية تدعي موسكو أنها ستعمد من دون مثل هذه الضمانات إلى استخدام القوة العسكرية لحماية مصالحها الأمنية.

  • ما هي أسباب  الانسحاب الروسي 

وجهة نظر

أولاً: يمكن تفسير الانسحاب الروسي من الأراضي الأوكرانية إلى ما يلي:

اولاً: الاستيلاء على أراض أوكرانية تصل غرباً إلى نهر الدنيبر لاستخدامها كورقة مساومة أو دمج هذه الأراضي الجديدة بالكامل في الاتحاد الروسي.

 ثانياً: الاستيلاء على الأراضي الأوكرانية حتى نهر دنيبر والاستيلاء على حزام إضافي من الأرض يشمل أوديسا والذي يربط الأراضي الروسية بجمهورية ترانسدنيستريا الانفصالية ويفصل أوكرانيا عن أي منفذ إلى البحر الأسود وسوف يدمج الكرملين هذه الأراضي الجديدة في روسيا ويضمن بقاء الدويلة الأوكرانية المتبقية غير قابلة للحياة اقتصاديًا.

 ثالثاً: الاستيلاء فقط على حزام من الأرض بين روسيا وترانسدنيستريا بما في ذلك ماريوبول وخيرسون وأوديسا لتأمين إمدادات المياه العذبة لشبه جزيرة القرم ومنع وصول أوكرانيا إلى البحر مع تجنب القتال الرئيسي حول كييف وخاركيف.

يمكن أن تحقق هذه الخيارات هدفًا آخر وهو تدمير إمكانية وجود أوكرانيا مستقلة التي أصبح تحولها نحو دولة ديمقراطية ليبرالية مصدرًا رئيسيًا للخلاف بين النخب الأمنية في الكرملين.

ثانياً:  الخسائر الروسية

تكبدت القوات الروسية  خسائر فادحة ويومية بعملياتها في اوكرانيا، واللافت في ذلك ان 40% من الخسائر الموثقة فقط تم تدميرها خلال معارك قاتل بها الروس ضد الاوكرانيين، بينما تتوزع باقي النسبة بين ما تركه الجنود الروس خلفهم والذي احيانًا يتم اغتنامه من قبل الاوكرانيين واحيانًا اخرى يتم اكتشافه من قبل المزارعين. وفق دراسة على الخسائر الروسية لحوالي 515 قطعة اجراها Oryx، فان الاسلحة المغتنمة تمثل 298 من مجموع الخسائر. بينما سجل سلاح الدروع الموثق له 67 دبابة كخسائر النسبة الاعلى بحوالي 46 دبابة تركت اثناء او دون القتال.

هناك عدة رؤى ونظريات تحاول الوقوف على هذه الظاهرة التي لا تليق حتمًا بجيش دولة عظمى. قد تكون احداها او بعضها او كلها صحيحة في تفسير ما يجري!

اولاً – الفقر اللوجستي، إذ نوهت وشددت اطراف عسكرية عدة الى ان الجيش الروسي منذ بداية العمليات وحتى الان يعاني من قصور لوجستي كبير في دعم عملياته، لا يصل الوقود والعتاد بشكل مضمون وسلس الى القوات، كما وتواجه القوات الروسية معضلة في تامين وحماية خطوط امدادها ونقل جرحاها، وقد تم توثيق عدد من الاليات العسكرية الروسية التي تركت جراء نفاذ الوقود وسط هجوم مضاد او كمين من قبل الاوكرانيين اجبر الجنود على التراجع دون تلك المعدات.

ثانيًاالجغرافية الاوكرانية تزيد من تعقيد العمليات الروسية

خلال فترة التصعيد، خسر الروس وقتًا ثمينًا في عدم التقدم على اوكرانيا خلال الشتاء، تتكون الاراضي الاوكرانية من سهول منبسطة ذات تربة هشة، اذ تتحول خلال فصل الصيف الى مسطحات من الطين اللزج او المستنقعات، كان جزء كبير من الخطة الروسية يعتمد على التقدم خلال الفترة التي تكون الارض فيها متجمدة وصلبة نسبيًا، لكن الحرارة قد تكون جائت مبكرة، والربيع الاوكراني لا يناسب العجلات الثقيلة الوزن في مرورها فوق الطين الهش. من جهة اخرى، فان الاضطرار للالتزام بالطرق المعبدة فقط سيحد من حركة الروس كثيرا، ويجعلهم اكثر عرضة للكمائن.

حتى الان، رصدت اعداد غير قليلة من الاليات الروسية التي تركها الروس بعد ان علقت في الاراضي الطينية الاوكرانية، من ضمنها منضومتي البانتسير التان استحوذ عليهما الاوكرانيون بعد ان تركت في العراء.

ثالثًاالحالة المعنوية

لم يتم اثبات هذه النظرية بشكل كبير، لكن تسريبات واخبار وتحليلات تشير الى معارضة واسعة من الجنود الروس للانخراط في المعارك مع الاوكران، خصوصا كقوة غازية، وهو ما يمكن استنباطه من سلوك كثير من الجنود الروس وتفاعلهم مع المظاهرات والاحتجاجات التي تنتشر حيثما حلوا في المدن والبلدات الاوكرانية، في الوقت الحالي فان القوات الشيشانية التي لا قرابة في الدم والثقافة لها مع الاوكران هي الوحيدة التي ابدت حماسة ومعنويات عالية للقتال.

منحى آخر يشير الى ان القوات الروسية لم تكن مهيئة نفسيًا لغزو عسكري واسع النطاق ضد مقاومة اوكرانيا، وان القرار بالغزو فعليًا كان مستبعدًا لآخر لحظة كما ان المقاومة الاوكرانية الشرسة كانت مستبعدة اكثر.

رابعاالفساد، رجح خبراء عدة الى وجود فساد لم تتمكن وزارة الدفاع الروسية من معالجته منذ التسعينات في سرقة عقود الصيانة والمستلزمات الجانبية للجيش، من توفير قطع الغيار والوقود والارزاق للمقاتلين الروس، اذ ظهرت مشاهد توضح انتهاء صلاحية بعض الارزاق، ومشاهد اخرى لعدم توافر سبل الراحة داخل كثير من المدرعات الروسية التي بدا عليها انها لم تحصل على صيانة لائقة، الامر الذي جعل تاثير هذا الفساد “يطفو الى السطح” في الحرب الشاملة الاولى التي تخوضها روسيا منذ مدة طويلة.

مهما كانت الاسباب، فان النزيف الحاد في المعدات لم يكن متوقعا، واستمراره ليس بصالح القوات الروسية على كل الاصعدة، خصوصا في تسرب تكنولوجيا سلاحهم الحديث للمعسكر الغربي.

اترك تعليقا