المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

الخلاف النووي مع إيران.. ماذا حدث.. وما هي التبعات؟

ترجمة خاصة ـ المعهد العراقي للحوار ـ أحمد الساعدي

توسعت في الأيام الأخيرة فجوة الخلافات بين إيران والدول الغربية بشأن الملف النووي وذلك على خلفية قرار اتخذه مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو مشروع تقدمت به الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاثة (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، وهو قرار يدين إيران بذريعة عدم تعاونها الشفاف مع الوكالة.

ويرى متابعون لهذه المستجدات بين إيران والقوى الغربية بشأن البرنامج النووي بأن عملية إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 دخلت نفقاً مُظلماً لم تتضح نهايته بعد منذ توقف المفاوضات في منتصف مارس/آذار الماضي.

وكان رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي قد أعرب في وقت سابق عن قلقه من أن إيران على بعد أسابيع قليلة من امتلاك “كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب”.

ويوم أمس، أعلنت إيران أنه ردا على هذا “السلوك غير اللائق” للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إنها قامت بإغلاق عمل الكاميرات الوكالة الدولية المثبتة في مراكز التخصيب والمنشآت النووية”.

ما هي الكاميرات غير المتصلة؟

ووفقًا لرافائيل غروسي، قال الليلة الماضية إنه “تم قطع 27 كاميرا مثبتة في مراكز التخصيب الإيرانية وستبقى 40 كاميرا تعمل في المنشآت النووية”.

فيما قال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي أن الكاميرات التي تم إزالتها هي كاميرات “مراقبة فائقة”، مضيفاً إن “الكاميرات التي توقفت عن عمل قد وافقت عليها إيران طواعية على تركيبها بهدف حسن النية في التعاون مع الوكالة الدولية”.

ما هي عواقب فصل الكاميرات؟

على الرغم من أن إيران قالت إنها لا تزال ملتزمة بتعهداتها، وأن قطع الكاميرات الإضافية لا ينتهك تلك الالتزامات بموجب الاتفاقيات المبرمة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أنه قد يؤدي إلى عواقب لا رجعة فيها.

وقال غروسي: “اليوم ليس يومًا جيدًا”، مضيفًا أن “إيران قلصت بشدة من سلطات إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأنه إذا استمر الوضع لمدة ثلاثة إلى أربعة أسابيع أخرى، فإن عملية إحياء الاتفاق النووي ستتعرض لضربة “قاتلة”.

هل كان هذا متوقعا؟

على الرغم من أن إيران قد اتخذت في السابق خطوات لتقليص إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتعليق تنفيذ البروتوكول الإضافي والتعاون الطوعي “الذي يتجاوز الضمانات” مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أن “علي رضا نامور حقيقي”، المحلل السياسي الذي يتابع عن كثب التطورات في برنامج إيران النووي، يقول: كان تفاعل إيران مع هذه القضية غير متوقع، لأن هذا الإجراء قد يؤدي إلى تطرف الأجواء بل ويؤثر على الاتفاق النووي.

لماذا سلكت إيران هذا الطريق؟

في حالة إحياء الاتفاق النووي، تخوض إيران صراعًا مستمرًا من أجل المزيد من التنازلات في عملية التفاوض مع الغرب، وخاصة مع واشنطن، والنقطة الأخيرة التي لم يتم الحصول عليها، شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة الجماعات الإرهابية الأمريكية، التي أدت إلى وقف المفاوضات، بالإضافة إلى ذلك، لم تتمكن إيران حتى الآن من استرداد أموالها المحجوبة، والتي تقدر بأكثر من 100 مليار دولار.

وفي مجال الطاقة النووية، يؤكد المسؤولون النوويون في إيران “أنهم تعاونوا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والآن يتعامل مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمثل هذه المعاملة “غير اللائقة” مع إيران.

وبلغ عدم الرضا عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فضلاً عن عملية التفاوض، حد أن عددًا من الشخصيات السياسية الإيرانية، إلى المطالبة بالإنسحاب من معاهدة حظر الانتشار الأسلحة النووي، كما قال عضو لجنة الطاقة النووية في البرلمان “فريدون عباسي”.

هل تصنع إيران قنبلة نووية؟

تؤكد إيران إنها لا تبحث عن قنبلة نووية وإن برنامج النووي سلمي، فيما توجد فتوى من  المرشد الأعلى للبلاد آية الله علي خامنئي بهذا الصدد يحرم فيها انتاج الأسلحة النووية.

فيما يقول “ديفيد أولبرايت”، المفتش السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية ومدير المعهد الدولي للعلوم والأمن، واثنان من زملائه حللوا في تقرير صدر قبل أيام قليلة أن “مسافة إيران من صنع قنبلة نووية قد تقلصت إلى الصفر”.

ووفقًا للسيد أولبرايت، “فإن احتياطيات إيران من اليورانيوم البالغة 60 بالمائة قد عبرت “الحدود الجديدة الخطرة”، وبفضل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، يمكن أن تصل إلى نسبة 90 بالمائة من اليورانيوم اللازم لبناء القنبلة الأولى في غضون أسابيع والثانية في غضون شهر.

وقد يؤدي تقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى زيادة المخاوف الغربية. لكن علي رضا نامور يقول “إنه حتى لو امتلكت إيران ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة، فسوف يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لاختبارها وتثبيتها على الرأس الحربي”.

من ناحية أخرى، وبحسب هذا المحلل في الشؤون الإيرانية “لا يمكن لدولة عضو في معاهدة حظر انتشار الأسلحة أن تصنع قنبلة نووية في ظل عقوبات ورقابة واسعة النطاق”.

هل هناك طريق للعودة؟

يعتقد رافائيل غروسي، رئيس وكالة الطاقة الذرية، أنه لا يزال هناك ثلاثة إلى أربعة أسابيع حتى تعود المراقبة إلى طبيعتها ويتم تشغيل الكاميرات، وإلا فإن استمرار الوضع سيعني “ضربة قاتلة للاتفاق النووي”، حسب قوله.

المعنى الضمني هو أنه في هذه الأسابيع الثلاثة إلى الأربعة، مع انخفاض إشراف الوكالة، قد يصل تخصيب اليورانيوم إلى نقطة لا عودة فيها.

ولكن لم يتم قطع كل الجسور مع إيران، خاصة وأن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أرسل إشارات خلال زيارته إلى الهند يوم الثلاثاء الماضي، قائلاً: “إن الولايات المتحدة والغرب يعلمان أنه في العقيدة الإسلامية لإيران، لا مكان للقنبلة الذرية وإيران لا تبحث عن قنبلة نووية “.

من ناحية أخرى، غرد روبرت مالي، الممثل الخاص لوزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإيرانية: “مخرج إيران من الأزمة النووية التي خلقتها هو التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والعودة إلى التزامات مجلس الوكالة”.

ماذا لو لم تعد إيران؟

وترى إيران إن التهديد بإحالة ملفها النووي إلى مجلس الأمن الدولي قضية لا تُخيفها، بل إن روسيا والصين سوف يستخدمان حق النقض الفيتو.

لكن الدول الأوروبية تقول إنه إذا فشلت محادثات إحياء الاتفاق النووي في الأسابيع المقبلة واستمرت إيران في التخصيب من خلال تقليص إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فمن المرجح أن تقوم الدول الأوروبية بتفعيل آلية الزناد قبل إرسال ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولي.

ماذا لو تم تفعيل آلية الزناد؟

وفي هذه الحالة، فإن آلية فض النزاع أو ما تعرف بآلية “الزناد” هي جزء من الاتفاق النووي المبرم 2015، والتي بموجبها إذا انتهكت إيران التزاماتها، يمكن لأعضاء الاتفاق النووي تفعيل هذه الآلية التي بموجبها تعود جميع العقوبات الدولية المفروضة على إيران.

اترك تعليقا