المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

الدبلوماسية في صراعات آسيا و«الهادئ»

كتاب لـ روبرت ج.باتمان، باتريك كولنر، بالاز كيجليكس

شكلت منطقة آسيا والمحيط الهادئ (غرب المحيط الهادئ) إلى جانب المحيطين الهندي والهادئ مركز ثقل اقتصادي في العالم، بسبب تنافس القوى الكبرى والصاعدة فيها. يناقش هذا الكتاب قضايا جيو-سياسية وجيو-اقتصادية، ويبين كيف تتناقض وتتصارع النماذج القائمة مع الأفكار الليبرالية والعولمية.

يناقش الفصل الأول من هذا العمل بعنوان «الدبلوماسية في فضاء استراتيجي ناشئ» كيفية ظهور منطقة آسيا والمحيط الهادئ (غرب المحيط الهادئ) والمحيطين الهندي والهادئ كمركز ثقل اقتصادي واستراتيجي في العالم، حيث تتعايش المنافسة المتزايدة بين القوى الراسخة والصاعدة مع عملية تعميق العولمة. يناقش الفصل معنى الدبلوماسية، وكيفية ارتباطها بالسياسة الخارجية، ومدى تأثرها بجائحة كورونا.

يرى المؤلفون في الفصل الثاني بعنوان «(عصر عدم اليقين) في آسيا والمحيط الهادئ: منافسة القوى العظمى والعولمة ورابط الأمن الاقتصادي» أننا نعيش في «عصر عدم اليقين». ويقولون: «من ناحية، يبدو أن انتقال السلطة يقع على عاتقنا: نهضت الصين، ولا يبدو أن عزم الولايات المتحدة والتزامها مؤكدان، وعادت قوى إقليمية أخرى ذات أنظمة سياسية مختلفة إلى الظهور. من ناحية أخرى، يؤدي الاعتماد المتبادل المعولم غير المسبوق على الاتصال والضعف بنفس القدر. إلى جانب هذه الاتجاهات، فإن بداية «الثورة الصناعية الرابعة» تعد بتغييرات تكنولوجية سريعة وغير متوقعة يمكن أن تحدث ثورة في المنظمات والعلاقات الدفاعية والاقتصادية والاجتماعية. وسط هذه التحولات السريعة والتي تبدو فوضوية، لم تصبح الترابطات بين الاقتصاد والأمن أكثر تعقيداً فحسب؛ بل أصبحت أيضاً أكثر إلحاحاً وأهمية». يستخلص هذا الفصل ثلاث طرق يجب من خلالها فهم العلاقة الاقتصادية – الأمنية وإدارتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إذا أردنا تجاوز التحول الجاري.

دبلوماسية اقتصادية

يستعرض الفصل الثالث الدبلوماسية الاقتصادية الدولية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. يذكر المؤلفون أنه «بعد الحرب العالمية الثانية، حدث توسع هائل في العولمة الاقتصادية. كانت الدبلوماسية الاقتصادية والدبلوماسية الجيوسياسية في كثير من الأحيان تتقدمان على حد سواء، وكان الاقتصاديون في صعود. ساعدت قواعد اللعبة التي تقودها الولايات المتحدة، سياسات مثل إجماع واشنطن على إحداث تحسن مدفوع بالتجارة في سبل العيش الاقتصادية عبر المنطقة، ووضع ميل خاص للدبلوماسية الاقتصادية. يتضح هذا من خلال مثال منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ ودورها في تحرير التجارة والنمو».

ويشير المؤلفون في الفصل الرابع بعنوان «إعادة التوازن في أمريكا نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ في الماضي والآفاق» إلى أن الولايات المتحدة أعادت التفكير في سياستها الخارجية منذ نهاية الحرب الباردة. فالنموذج الجديد مدفوع بالتركيز المتجدد على كيفية التعاون والمنافسة مع الصين، والذي بدوره يبرز آسيا باعتبارها المسرح الحاسم للسياسة الخارجية الأمريكية. لقد حولت الولايات المتحدة انتباهها إلى آسيا من قبل. فخلال إدارة أوباما، أدى التوجه الأمريكي المحوري نحو آسيا إلى رفع مستوى المنطقة في السياسة الخارجية الأمريكية بعد ما يقرب من عقدين من التركيز على الشرق الأوسط. في الفترة المقبلة، ستحتاج السياسة الأمريكية تجاه آسيا والصين إلى إعادة الاستثمار في نقاط القوة وبناء تحالفات مخصصة مع الحلفاء والشركاء بشأن قضايا مثل معايير المناخ والتكنولوجيا، وتتبع سياسات التجارة والابتكار والتكنولوجيا التي تتوافق مع السياسة الخارجية والمحلية الأمريكية.

 السياق الاستراتيجي

تعد منطقة آسيا والمحيط الهادئ مهمة للغاية بالنسبة للصين لأسباب تاريخية واستراتيجية معاصرة مختلفة. في الفصل الخامس يرى المؤلفون أنه منذ نهاية الحرب الباردة، مارست الصين عدداً من الاستراتيجيات الرئيسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بما في ذلك استراتيجية «الظهور المنخفض» في التسعينات، ونهج «القوة الناعمة» في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وسياسة حازمة في كثير من الأحيان. من 2010، يمكن القول إن سياسة الصين الإقليمية كانت دائماً متأثرة بتصوراتها للسياق الاستراتيجي الإقليمي، ولا سيما الموقف الاستراتيجي تجاه الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. تكثف اليوم بكين جهودها في سياستها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ للتعامل مع التحديات التي تفرضها خطة حرية الملاحة الجوية. يحلل هذا الفصل هذه التغييرات في سياسة الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

تحت عنوان «دبلوماسية اليابان في آسيا والمحيط الهادئ في القرن ال21: خطاب فارغ أم نموذج جديد؟»، يرى المؤلفون في الفصل السادس أنه استجابة للتغير السريع في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، صاغت اليابان عدداً من استراتيجيات السياسة الخارجية على مدى العقدين الماضيين. يتم التركيز بشكل خاص على «دبلوماسية طوكيو الموجهة نحو القيمة» و«النزعة السلمية الاستباقية» التي أصبحت عنصراً مركزياً في استراتيجيات السياسة الخارجية الأولى والثانية لإدارة آبي، على التوالي. في حين أن هذه المبادرات الاستراتيجية تهدف إلى تعزيز نفوذ اليابان من خلال تعزيز التعاون الوثيق القائم على «القيم العالمية» المشتركة مع البلدان ذات التفكير المماثل إلا أنه من الأفضل فهمها في سياق هيكل اقتصادي – أمني معقد بشكل متزايد عبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ.. تتناول خاتمة هذا الفصل احتمالية أن تنطوي استراتيجيات طوكيو على تحول نموذجي في الدبلوماسية اليابانية في الفترة المقبلة.

الدبلوماسية الهندية

يناقش المؤلفون في الفصل السابع بعنوان «ناريندرا مودي وإعادة صياغة الدبلوماسية الهندية» أنه منذ تولي رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي السلطة لأول مرة في مايو/ أيار 2014، اعتنق الدبلوماسية بشغف، وسافر على نطاق واسع وشارك في اجتماعات قمة ثنائية ومتعددة الأطراف مع قادة آخرين. وقد أشاد أنصاره بهذه الدبلوماسية الشخصية النشطة، وأثنوا عليها لإعادة الفخر للهند وتقريب البلاد من كونها «قوة رائدة» في العالم. يحدد هذا الفصل دبلوماسية مودي في سياقها، مشيراً إلى أن أوجه القصور السابقة والمؤسسية ركزت بشكل أكبر على مشاركة رئيس الوزراء في الشؤون الدولية أكثر مما قد يكون عليه الحال في الدول الأخرى. يستكشف الفصل بعض الابتكارات في فترة مودي بصرف النظر عن سفره النشط واجتماعات القمم، بما في ذلك التركيز الجديد على الدبلوماسية الدينية ومشاركة الشتات. ويحلل دبلوماسيته الشخصية في علاقات الهند الثنائية مع الصين وباكستان. ويرى المؤلفون أن تبني مودي للدبلوماسية الشخصية ليس جديداً كلياً ولا إيجابياً تماماً، لأنه يشير إلى نقاط ضعف مؤسسية مستمرة ولم يقدم كل ما وعد به.

في السياق الهندي، يناقش المؤلفون صعود الجيل الجديد من مؤسسات الفكر والرأي الخاصة بالسياسة الخارجية في الهند، ويوضح المؤلفون بالقول: «على مدى السنوات القليلة الماضية، شهدت الهند ظهور مؤسسات بحثية جديدة في السياسة الخارجية. اكتسب قطاع مؤسسات الفكر والرأي في السياسة الخارجية، الذي كان مهمشاً تقليدياً، وضوحاً وحيوية بسبب الطلب الجديد في أعقاب توسيع حصص الهند الدولية. ومن الملاحظ أن مؤسسات الفكر والرأي الخاصة بالسياسة الخارجية، التي تم إنشاء العديد منها في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أكثر نشاطاً وظهوراً في المجال العام من سابقاتها. تعكس الرؤية الأكبر للمراكز البحثية الجديدة مشاركة أكثر كثافة مع الحكومة. ومع ذلك، فإن نمو مؤسسات الفكر والرأي في السياسة الخارجية كان مقيداً في الأغلب بنوعين مختلفين: من ناحية، كان هناك تلك المؤسسات القريبة من الشركات الهندية و / أو المرتبطة بمراكز الفكر الأجنبية. كانت تميل إلى الترويج لرؤية العالم الليبرالية. من ناحية أخرى، هناك المقربون من حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم من حيث الفكر وعلى صعيد شخصي، يسهمون في تعميم الأيديولوجية القومية في السياسة الخارجية، ويعتمدون على صلاتهم الوثيقة بالحكومة الحالية من أجل تأثيرهم».

آفاق السلام

يناقش المؤلفون في الفصل الثامن دبلوماسية أستراليا ونيوزيلندا في جنوب المحيط الهادئ، وكيفية السعي لتحقيق التوازن في المشاركة الإقليمية للصين، ويشيرون إلى أنه في حين أن سياسة المناخ التي تتبعها الحكومة الأسترالية تحد من قدرتها على التأثير الإقليمي، فقد جعلت نيوزيلندا سياسة المناخ جزءاً مهماً من سياستها الإقليمية. يتمتع كلا البلدين بالقدرة على توفير القيادة الإقليمية خلال جائحة كورونا من خلال توسيع منطقة السفر الآمنة إلى جنوب المحيط الهادئ. وفي الفصل التاسع بعنوان «التنقل في الوضع الطبيعي الجديد: دبلوماسية المسار الثاني لنيوزيلندا والديناميكيات المتغيرة في آسيا» يقول المؤلفون: «كبلد صغير يعتمد على التصدير، كان من مصلحة نيوزيلندا الذاتية ومصالحها المشتركة أن تظل ملتزمة، بالتنسيق مع الآخرين، بهيكل إقليمي ودولي قائم على القواعد من أجل النهوض بالاقتصاد والسياسة والدفاع. في الوقت نفسه، كان على نيوزيلندا إدارة هذه الأهداف مع موازنة وإدارة وتخفيف التوترات في سياق ديناميكيات القوة الأكبر. في جميع أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ، كانت التحالفات والولاءات تتغير، وكانت البلدان في جميع أنحاء المنطقة تتطلع بشكل متزايد إلى بعضها للحصول على الدعم في مواجهة تحديات السياسة الخارجية. على هذا النحو، انتقل صانعو السياسة في نيوزيلندا من مناقشة «توازن القوى» إلى «توازن الشركاء»، والتطلع إلى أولئك الذين لديهم «نفس التفكير» في التنقل عبر هذه البيئة المعقدة معاً». كما يقدم الفصل الثالث عشر لمحة عامة عن سياق السياسة التجارية لنيوزيلندا.

ويتطرق الفصل الحادي عشر بعنوان «بناء هوية الآسيان من خلال الدبلوماسية الإقليمية»، إلى تأسيس رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في عام 1967 للحفاظ على السلام في جنوب شرق آسيا. يقول المؤلفون: «كان إطلاق مجموعة الآسيان في عام 2015 استجابة للتكامل الإقليمي المتزايد واحتياجات بناء المجتمع المتطورة، إضافة إلى المستوى المتزايد من الراحة والثقة والنضج السياسي بين الدول الأعضاء في الآسيان على مر السنين. في وقت كانت رابطة دول جنوب شرق آسيا قادرة على تغيير العلاقات بين الجهات الحكومية، كان هناك قلق من أن الدبلوماسية لم يكن لها تأثير على حياة الناس العاديين. ترتبط المرحلة التالية من نجاح الآسيان بشعبها. لقد سمحت لها ال50 سنة الأولى من وجودها بجني ثمار الاستقرار والسلام. على مدى الخمسين سنة القادمة، يجب أن تكون فوائد الآسيان ملموسة وأن تشعر بها شعوبها. إن بناء الشعور بالانتماء إلى المنطقة من خلال مصير مشترك من شأنه أن يغرس إحساساً بهوية الآسيان التي من شأنها أن تعزز مجتمع الآسيان».

تحت عنوان «الثقة والتعاطف: تصور التهديد وآفاق السلام في كوريا وبحر الصين الجنوبي» يشير المؤلفون في الفصل الثاني عشر إلى أن مصطلح «الثقة» مألوف في قاموس أمن آسيا والمحيط الهادئ، إلا أنه من المدهش وجود اتفاق ضئيل حول ما يقصده في الواقع وكيفية ارتباطه بالتحديات العملية لإدارة الصراع. يركز هذا الفصل على كيف يؤدي الفشل في تحقيق التعاطف إلى تعقيد إدارة الصراع وربما تهديدها في أخطر بؤرتين من بؤر التوتر في آسيا والمحيط الهادئ: شبه الجزيرة الكورية وبحر الصين الجنوبي.

وبعنوان «الديمقراطية تحت الضغط في الفلبين: السياسة الشعبية ودبلوماسية الرئيس رودريجو دوتيرتي» يختم المؤلفون هذا العمل البحثي المكثّف، ويشيرون فيه إلى أنه على الرغم من سياسة التهدئة التي يتبعها دوتيرتي رئيس الفلبين، فقد كثفت بكين من اقتحام المياه الإقليمية للفلبين ودول آسيان الأخرى، وهو اتجاه يهدد أمن منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

انتهى 

ترجمة : نضال إبراهيم

روبرت جي باتمان محاضر في جامعة أوتاجو، وتتعلق اهتماماته البحثية بالعلاقات الدولية والسياسة الخارجية للولايات المتحدة والقوى العظمى والقرن الإفريقي.

 باتريك كولنر هو نائب رئيس المعهد الألماني للدراسات العالمية والإقليمية وأستاذ العلوم السياسية بجامعة هامبورج. 

 ‏

 ‏ بالاز كيجليكس فيحمل دكتوراه في برنامج اللغات والثقافات في جامعة أوتاجو بنيوزيلندا. تناولت أطروحته دور القيم في تصورات النخبة اليابانية المعاصرة للعلاقات اليابانية الصينية. تشمل اهتماماته البحثية الدراسات اليابانية والصينية، والعلاقات الدولية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والتواصل بين الثقافات.

اترك تعليقا