المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

“السفيرة الأمريكية نتفتهم القلق العراقي حول تراجع مناسيب المياه” و السفير التركي في بغداد “يتهم العراق بسوء إدارة ملف المياه” و  الموارد المائية ترد”

يشتكي العراق منذ سنوات من أن تركيا وإيران تتعديان على حصصه المائية، من خلال بناء السدود على منابع نهري دجلة والفرات كما في الحالة التركية، أو عبر حرف مجاري الأنهر التي تصب في أراضيه كما في حالة إيران، ما أثر بشكل كبير على العراق وتسبب بتراجع مواسمه الزراعية وجفاف مساحات واسعة من أراضيه. وسبق أن لوّحت السلطات العراقية باللجوء إلى المحاكم الدولية لإيقاف التجاوزات التركية الإيرانية على حصصه المائية.

 أعربت السفيرة الأميركية لدى بغداد، “ألينا رومانوسكي”، أول من أمس، عن دهشتها من قلق المسؤولين العراقيين بشأنِ أزمة شح المياه وآثار الجفاف على البلاد. وقالت “رومانوسكي” في مقال مطول: “تزامن وصولي الشهر الماضي، مع بداية صيف آخر طويلٍ حارٍ وجاف. وفي مستهل لقاءاتي مع المسؤولين العراقيين، أدهشني قلقهم بشأنِ أزمة شح المياه وآثار الجفاف على البلاد”. وأضافت: “لقد وصلت إلى هنا أحمل معي تفويضاً لمواصلة دعم إدارة الموارد المائية في العراق وتعزيز اكتفائه الذاتي. لطالما دعمت الولايات المتحدة وزارة الموارد المائية العراقية، التي تلقت أقل من واحد في المائة من ميزانية الحكومة لعام 2021”.

ورأت “رومانوسكي” أن “تقليل حصة المياه المستخدمة في الزراعة من خلال استخدام تقنيات ري حديثة وفعّالة والاستثمار في البنية التحتية للمياه، من الأمور الأساسية لمستقبل المياه في العراق”. ولم تشر في مقالها إلى مشكلة العراق المائية مع تركيا وإيران.

وبالتزامن مع حديث السفيرة “رومانوسكي” السفير التركي في بغداد “علي رضا غوناي” في  تغريدات أطلقها بشأن إدارة العراق لملف المياه. يتهم العراق بسوء إدارة ملف المياه.

كان السفير التركي علي رضا غوناي أطلق سلسلة تغريدات عبر «تويتر» تتعلق بمشكلة المياه بشكل عام، وطرق إدارة العراق لحصته منها.  “الجفاف ليس مشكلة العراق فقط إنما مشكلة تركيا ومنطقتنا بأكملها، ونتيجة للاحتباس الحراري، سيكون هناك المزيد من حالات الجفاف في السنوات المقبلة”. ورأى أن  “الطريقة الأكثر فاعلية لمكافحة هذه المشكلة ليست طلب المزيد من المياه من تركيا، بل استخدام المياه المتاحة بأكثر الطرق كفاءة، وبهدف ترشيد استهلاك المياه، يجب تحديث أنظمة الري والتخلي عن الري البدائي المسبب لإهدار المياه، ولهذا الغرض يجب القيام باستثمارات في البنية التحتية، والشركات التركية مستعدة لذلك”.

و اضاف “المياه تُهدر بشكل كبير في العراق، ويجب اتخاذ تدابير فورية للحد من هذا الإهدار، وأن تركيا وبطبيعتها تستخدم المياه بما يتطلب لتلبية متطلباتها في الزراعة والطاقة، لكنها لا تقوم أبداً بتغيير مجرى الأنهر ولا تقطع مياهها”. وأشار إلى أن “تركيا ليست دولة غنية بالمياه، ومن الضروري قيام العراق بواجبه بشكل صحيح”.

بينما كانت ردة فعل وزارة الموارد المائية جاءت على لسان  الوزير  “مهدي رشيد الحمداني” إذ وجه وزير الموارد المائية العراقي ، اول أمس، انتقادات لاذعة إلى السفير التركي في بغداد “علي رضا غوناي”، على خلفية تغريدات السفير التركي بشأن إدارة العراق لملف المياه.

في بيان له، إن “تصريحات السفير التركي في بغداد حول هدر المياه غير صحيحة، وتثير الرأي العام وتهدد السلم المجتمعي في العراق وعلى وزارة الخارجية استدعاء السفير التركي وتقديم مذكرة احتجاج على تصريحاته المتكررة بهذا الخصوص” وأضاف أن “تركيا دائماً تتحجج بموضوع هدر المياه في محاولة لخلط الأوراق لكي تعطي لنفسها الحق بتقليل حصة العراق المائية، وهذا ما يحصل حالياً، علماً بأن الخزن في سدودهم واصل لمناسيب تعتبر جيدة جداً”. وختم بأن “تركيا ليست وصية على العراق، وعليها إطلاق حصة العراق العادلة والمنصفة حسب المواثيق الدولية، دون التدخل بسياسة العراق المائية”.

تركيا وسلاح المياه:

يبدو أن حرب تركيا الحالية ضد سوريا والعراق سيطول أمدها حتى لو أنهت الهجمات العسكرية التي تشنها منذ سنوات على أراضي كلا البلدين بذريعة حماية أمنها القومي، رغم أن كل المناطق التي تستهدفها أنقرة تقع خارج حدودها البرّية، فما هو السلاح التالي الذي ستلجأ لاستخدامه ضد الدولتين الجارتين؟.

إن المعطيات الميدانية على الأرض في سوريا والعراق تشير إلى نيّة الجيش التركي في فرض سياسة أمر واقعٍ جديد، من خلال التغيير الديمغرافي للتركيبة السكانية في المناطق التي يحتلها، لكنه يفشل في تحقيق هذا الهدف بالشكل المطلوب، ولا يختلف الوضع كثيراً في شمال العراق وإقليم كردستان عن الحال في سوريا، فالجيش التركي يحاول أيضاً تغيير ديمغرافية المناطق التي تمكّن من الانتشار فيها، لكنه رغم ذلك لم يستطع التقدّم أكثر أو تهجير السكان بالحجم المطلوب من بيوتهم في قراهم وبلداتهم المأهولة والواقعة على الحدود العراقية ـ التركية. ولذلك تلجأ أنقرة لاستخدام سلاحها الجديد ضد سوريا والعراق وهو المياه.

لقد بنت أنقرة سدّ إليسو العملاق على نهر دجلة داخل أراضيها وقد ملأته السلطات المختصة دون أي اعتبارٍ لآثاره الداخلية أو الخارجية الكارثية. فعلى الصعيد التركي غُمِرت مدينة “حسن كيف” الكردية التاريخية وهُجِر منها سكانها، ومن ناحية أخرى أدى هذا الأمر إلى انخفاض منسوب مياه النهر في كلّ من سوريا والعراق.

ولا تقتصر المشاريع التركية المائية على نهر دجلة وحده، فعشرات السدود بُنيت على نهر الفرات أيضاً والهدف الدائم لأنقرة هو استخدام الثروة المائية كسلاحٍ ضد سوريا والعراق، خاصة وأن كلا البلدين يعتمدان على النهرين لتوليد الكهرباء وري الأراضي الزراعية وكذلك استخدام مياههما للشرب.

وكذلك تتهرب أنقرة من الاتفاقيات الدولية التي تُرغمها على مدّ سوريا والعراق بالمياه من نهري دجلة والفرات وتتخطى الاتفاقيات الثنائية المبرمة معهما. ولهذا كله قد نكون أمام كارثة كبيرة في حال استمرار هذا الوضع الذي ربما قد يرغم سكان الشمالين السوري والعراقي على الهجرة من مناطقهم دون هجماتٍ عسكرية تركية مباشرة، خاصة وأن معظمهم يعتمدون على الزراعة.

والحرب التركية وصلت إلى حدّ قيام الجيش التركي ومعه الجماعات المسلحة المؤيدة له بقطع المياه عن أكثر من مليون شخصٍ الأسبوع الماضي في محافظة الحسكة السورية ،علماً أنها لا تُستخدم للري أو توليد الكهرباء وإنما تغذي بيوت سكان المحافظة من منطقةٍ فيها تضم محطة مياه رئيسية، وقعت تحت سيطرة أنقرة بعد هجومها على سوريا أوائل اكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.

وبالتالي تستخدم أنقرة سلاح المياه ضد سوريا والعراق دون أي تردد، وسيكون لذلك آثاره المدمّرة أكثر من الحرب التي تشنها عسكرياً على كلا البلدين، لذا من الضروري أن تلجأ السلطات السورية والعراقية إلى البحث عن بديلٍ مائي جديد قد يكون بحفر الآبار بشكلٍ كثيف في المناطق المتضررة من سياسات أنقرة العدوانية، أو اللجوء إلى مجلس الأمن والمنظمات العربية والدولية كالأمم المتحدة للضغط عليها وإجبارها على الالتزام بالمعاهدات الدولية، لمنح سوريا والعراق حصتهما المشروعة من المياه.

اترك تعليقا