المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

الطفرات البراغماتية :  طالبان  1996 و2021؟


يصعب وضع تقييم لأداء حركة طالبان في حكم أفغانستان، منذ السيطرة على العاصمة كابول في أغسطس الماضي، مقارنة بفترة حكم الحركة (1996 – 2001)، ولكن يمكن تحديد بعض التحولات التي يمكن وصفها بـ”البراجماتية” في ممارسات الحركة، في ضوء محددات رئيسية، منها: اكتساب الحركة قدراً من الشرعية داخلياً، وأزمة التحول من إدارة الجماعة إلى إدارة الدولة، والتحديات الداخلية الكبيرة على المستوى الاقتصادي بشكل خاص، إضافة إلى أن الحركة ليست كتلة واحدة. ويُمكن تحديد بعض التحولات على نسخة طالبان الحالية على أكثر من مستوى، منها شكل وطبيعة نظام الحكم، والتعاطي مع بعض القضايا المجتمعية، وموقع الحلفاء التقليديين في النظام الجديد وعلى رأسهم تنظيم القاعدة، وتعامل طالبان مع المخالفين في ضوء ثنائية “التسامح وإزالة التهديد” سواء مع الأقليات أو المعارضة في بانشير، وأخيراً التعاطي مع المجتمع الدولي ومحاولة إزالة تخوفات بعض دول الجوار من سياسات الحركة.

محددات رئيسية

ترتبط تجربة حركة طالبان في الحكم للمرة الثانية بعد السيطرة على العاصمة في أغسطس 2021، بمحددات رئيسية يمكن أن تُسهم في تفكيك أبعاد المشهد الحالي، وأبرزها كالتالي:

1- سيطرة طالبان على السلطة: تمثل سيطرة الحركة على الحكم عقب توقيع اتفاق سلام مع الولايات المتحدة، انتصاراً؛ إذ إنّها حققت الهدف الأساسي بإخراج القوات الأجنبية من أفغانستان، خاصة وأنها بدأت في ترسيخ هذا الهدف بصورة لافتة خلال عام 2003، بعد ترتيب صفوفها مرة أخرى، أي بعد عامين تقريباً من إزاحتها عن الحكم، وتلاقت أهداف حركة طالبان مع قطاعات من الشعب الأفغاني، وبالتالي فإن خروج القوات الأجنبية يُعطي الحركة نوعاً من الشرعية داخلياً (سواء المدعومة من قطاعات شعبية أو التي فرضتها بقوة السلاح)، بغض النظر عن رفض بعض القطاعات والقوى البارزة في الساحة الأفغانية للحركة أو الخلافات القديمة بينهما.

2- معضلة التحول لإدارة الدولة: تواجه حركة طالبان كغيرها من الجماعات والتنظيمات الإسلاموية -بعض النظر عن التصنيفات- أزمة عميقة، من ناحية عدم القدرة على التحول السريع من إدارة الجماعة إلى إدارة الدولة، خاصة مع عدم الاستعداد في لحظات تحول كبرى تمر بها بعض الدول. وثمة نماذج لجماعات واجهت أزمة في هذا التحول في دول شرق أوسطية، وعلى الرغم من تجربة الحركة عام 1996، إلا أنها فترة قصيرة، ولا يمكن الجزم بتعدد مستويات الخبرة لدى الحركة في إدارة الدولة.

3- فرض السيطرة داخل أفغانستان: تعكس مجريات الأوضاع في الساحة الأفغانية خلال الخمسة أشهر الماضية، أن حركة طالبان هي الطرف الأكبر والأقوى، ويتضح ذلك من السيطرة السريعة على المدن والعاصمة دون مقاومة، إضافة إلى عدم تمكن أطراف مناوئة لها من الصمود في شمال البلاد، بالصورة التي يمكن أن تُخمد أي شكل من أشكال المعارضة “المسلحة” لاحقاً، نظراً لانسداد أي أفق لمناخ ديمقراطي، هذا بخلاف نشاط فرع تنظيم “داعش” المسمى “ولاية خراسان”، لأنه ليس فاعلاً على مستوى ترتيبات المشهد في المرحلة الانتقالية، وإن كان يعمل على استغلالها.

4- وجود أجنحة داخل حركة طالبان: يُمكن القول إن حركة طالبان ليست كتلة واحدة، وبغض النظر عن الأجنحة داخل الحركة وتنوعاتها الفكرية والعرقية، فإن ما يهمنا مستوى الخلاف بين الكتلة السياسية والأخرى العسكرية وانعكاسات ذلك على مسار الحركة السياسي. وتشير بعض التقديرات الغربية إلى أن الكتلة السياسية التي شارك أغلبها في مفاوضات السلام مع أمريكا تميل إلى نهج أقل تشدداً، مقارنة بالكتلة العسكرية. وهنا تميل الترجيحات إلى أن الكتلة العسكرية كان لها الكلمة في تشكيل الحكومة في سبتمبر الماضي، أو على الأقل الميل إلى إرضاء هذه الكتلة نظراً لنفوذها الميداني والسيطرة على العناصر المسلحة، في مقابل كتلة سياسية دفعت باتجاه توسيع دائرة المشاركة مع قوى وأطراف أخرى.

وهنا، فإن ثمة قدراً من عدم التجانس التام بين الطرفين، وتجدر الإشارة إلى تحليل نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، في أغسطس الماضي، يشير إلى أن أهم التحديات التي تواجه طالبان هو عملية ضبط أداء القادة العسكريين، وضمان استمرار الولاء للقيادة العليا، خاصة وأن طالبان شهدت قدراً من اللا مركزية والاستقلال في العمل العسكري بداية من 2002.

5- مواجهة تحديات داخلية كبيرة: تواجه حركة طالبان في الحكم تحديات داخلية كبيرة، وعلى أكثر من مستوى، وإذا لم تتمكن من التعامل مع هذه التحديات فإن شرعيتها التي فرضتها في لحظة تحول، مهددة بالتآكل تدريجياً خلال الفترة المقبلة، وأسفرت سيطرة الحركة على الحكم عن تأثيرات اقتصادية سلبية على الوضع المتأزم بالأساس، في ظل تحذيرات أممية من تأثيرات الوضع الاقتصادي الصعب على زيادة التطرف داخلياً، إضافة إلى استمرار تجميد أموال أفغانستان في الخارج، وسط محاولات من الحركة بالضغط للإفراج عن تلك الأموال.

تحولات أربعة

يمكن تحديد ملامح توجهات حركة طالبان خلال الخمسة أشهر الماضية، مقارنة بفترة الحكم (1996 – 2001)، عبر التطرق إلى أكثر من مستوى، للوقوف على أبعاد التحولات التي شهدتها الحركة، كالتالي:

التحول الأول: إدارة الدولة والتعامل مع قضايا مجتمعية

أ- الميل إلى التشاركية الرمزية: عمدت حركة طالبان منذ السيطرة على العاصمة، إلى إجراء لقاءات متعددة مع قوى وأطراف فاعلة على الساحة الأفغانية، مثل: قلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي، وعبد الله عبد الله رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، وحامد كرزاي الرئيس الأفغاني السابق، وأطراف أخرى، من أجل توسيع دائرة المشاركة في مباحثات تشكيل الحكومة التي أكدت طالبان أنها ستكون تشاركية تمثل أطياف المجتمع، وذلك عقب السيطرة على كابول بأيام قليلة. هذا المشهد مختلف عن تحركات الحركة في تسعينيات القرن المنصرم، إذ سيطرت على الحكم عقب اقتحام العاصمة بالقوة، ولم يكن هناك أفق للمشاورات السياسية، نظراً لطبيعة الخلافات بين القوى الفاعلة آنذاك، سواء مع حكمتيار أو الرئيس الأفغاني آنذاك برهان الدين رباني.

ب- السيطرة على مفاصل الدولة: رغم تأكيدات قيادات حركة طالبان على تشكيل حكومة تشاركية، إلا أن هذه الوعود لم تتحقق، إذ أعلنت الحركة تشكيل حكومة من قياداتها في 7 سبتمبر 2021، ولجأت إلى توصيفها بـ”حكومة تصريف أعمال”، ربما للتملص من وعودها السابقة، وهذا المشهد لم يكن مختلفاً عن طبيعة الحكومة التي شكلتها الحركة فور السيطرة على الحكم في 1996، إذ جاءت أيضاً من قيادات الحركة والموالين لها، بما يعكس أن ثمة رغبة في سيطرة الحركة على مفاصل الدولة، خاصة مع تعيين قياداتها كمسؤولين في ولايات أفغانستان المختلفة، حتى في الولايات التي لا يُشكل البشتون أغلبية فيها.

ج- تحقيق نظام حكم أكثر رسوخاً: خلال تجربة الحكم الأولى لطالبان لم تضع دستوراً ينظم شؤون الحكم، واكتفت فقط بإصدار المراسيم، ولكن ثمة تحول في الاتجاه إلى وضع دستور جديد للبلاد خلال عام 2022، وفقاً لنائب وزير الإعلام في حكومة طالبان، ولجأت إلى إعادة العمل بآخر دستور في العهد الملكي الذي انتهى عام 1973 بعد انقلاب على الحكم الملكي، بما يعكس رغبة الحركة في تأسيس نظام أكثر استقراراً عن تجربة الحكم الأولى، ولا يتضح طبيعة وشكل نظام الحكم ومؤسساته، رغم تأكيدات قيادات الحركة أن النظام السياسي لن يكون ديمقراطياً ولكنه يستند إلى الشريعة الإسلامية، أي إنه لن يختلف كثيراً من حيث جوهره عن فترة 1996.

د- ازدواجية التفاعل مع قضايا المجتمع: خلال تجربة “طالبان” الأولى في الحكم كان التشدد في تطبيق بعض الأحكام التي تقول الحركة إنها مستمدة من الشريعة الإسلامية السمة الأبرز، ولكن تشير بعض الكتابات إلى أنّ ثمة تحولاً طرأ على الحركة عقب إزاحتها عن الحكم 2001، يتعلق بعدم التشدد في التعامل مع الأفغان في المناطق التي كانت في نطاق نفوذها، وربما ظهرت انعكاسات هذا الأمر في ازدواجية بين الخطاب والممارسة، فبينما خرج المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد في أول ظهور إعلامي ليؤكد على أن حقوق المرأة مصونة، ولكن وفقاً للشريعة؛ إلا أن الحركة اتجهت مع الوقت إلى تقييد حرية المرأة في ضوء فرض ارتداء زي معين عند الخروج من المنزل، والفصل بين الرجال والنساء في العمل والتعليم.

التحوّل الثاني: مرونة التعاطي مع الحلفاء التقليديين

أ- ضبط تفاعلات تنظيم القاعدة: وفّرت سيطرة حركة طالبان على الحكم في 1996 مناخاً مناسباً لعودة قيادات “الأفغان العرب” إلى أفغانستان عقب الخروج إلى دول متفرقة، وما تبع ذلك من نشاط للقاعدة وصولاً إلى أحداث 11 سبتمبر 2001، والتي كانت سبباً في الهجوم الأمريكي على أفغانستان. ومع وصول الحركة إلى الحكم مرة ثانية، فإن ثمة تخوفات من استعادة تنظيم “القاعدة” لنشاطه مرة أخرى، في ظل التقديرات الغربية بأن التنظيم في أفغانستان في حالة ضعف إلا أنه لم يمت، وترتبط التخوفات بوجود هامش من حرية الحركة سيحظى به قيادات وعناصر القاعدة، فمثلاً ظهر بشكل علني حارس بن لادن السابق محمد أمين الحق في ننجرهار خلال أغسطس الماضي.

ويأتي ذلك في ضوء الاتفاق الموقَّع بين حركة طالبان وأمريكا بشأن التزام الطرف الأول بعدم استخدام الأراضي الأفغانية في شن هجمات إرهابية؛ إذ من المرجّح أن تعمل طالبان على ضبط علاقاتها بتنظيم القاعدة، بما قد يؤدي إلى ضبط تفاعلات وأنشطة التنظيم، خاصة وأن المتحدث باسم المكتب السياسي لطالبان محمد نعيم، أكد على أن تنظيم القاعدة ليس له وجود على الأراضي الأفغانية.

ب- التراجع عن دعم الجماعات المسلحة: يبدو أن ثمة تحولات على مستوى اتجاه الحركة لعدم دعم الحركات المسلحة في المنطقة، وتحديداً في دول الجوار لأفغانستان. في عام 1997، دعمت “طالبان” تشكيل ما يُعرف بـ”الحركة الإسلامية في أوزبكستان” التي تشكلت للإطاحة برئيس الدولة هناك، وحدث تعاون بين الحركتين، إذ تشير بعض التقديرات الغربية إلى أن الحركة الإسلامية أمدت طالبان بنحو 600 مقاتل، ولكن في التجربة الثانية، بدا أن “طالبان” تتجه إلى خفض التوتر وعدم التدخل في شؤون دول المنطقة، وهنا تبرز محاولات الحركة لإنهاء الصراع بين الحكومة الباكستانية وحركة طالبان باكستان، من خلال استضافة مفاوضات بين الطرفين في كابول، في نوفمبر الماضي، أسفر عن اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار بين الجانبين.

التحول الثالث: ثنائية “التسامح وإزالة التهديد” مع المخالفين

أ- التحلي بـ”مرونة القوة”: سمحت حركة طالبان بإجلاء الآلاف من الأفغان المتعاونين مع الولايات المتحدة منذ 2001، وشاركت في عملية تأمين مطار كابول في سياق نشر قواتها في العاصمة لفرض الأمن، إضافة إلى إعلان العفو الشامل عن كل العاملين في الحكومة والأجهزة الأمنية والعسكرية، وبدا أن هذا المشهد يختلف تماماً عن ملاحقة الحركة لمخالفيها في ظل رغبة انتقامية كبيرة في تجربة الحكم الأولى في التسعينيات، وتشير بعض التقديرات الغربية إلى أن هذا الاتجاه من قبل “طالبان” يعكس نوعاً من المرونة التي تصاحب الطرف القوي، أي لا يُفسَّر في سياق تسامح الحركة.

ب- محاولة احتواء الأقليات: تحظى أفغانستان بتنوع عرقي وديني كبير، ولكن يشكل البشتون الغالبية، والتي ينتمي لها معظم قيادات وعناصر حركة طالبان. وخلال فترة الحكم الأولى نفذت الحركة مجازر بحق الأقليات وتحديداً الهزارة، فوفقاً لتقرير للأمم المتحدة في 2001، فإن “طالبان” مسؤولة عن 13 مجزرة من بين 14 مجزرة شهدتها أفغانستان منذ سيطرتها على الحكم في 1996.

ولكن النسخة الجديدة من طالبان تحاول تقديم نفسها باعتبارها متسامحة مع الأقليات. ولكن على الرغم من تصريحات قيادات الحركة، فإن بعض الممارسات التي بدأت تظهر من عناصر الحركة تمثل خطراً لإمكانية تكرار استهداف الأقليات مثلما حدث في التسعينيات، بعد إزالة عناصر الحركة تمثال زعيم سابق للهزارة هو عبد العلي مزاري الذي قتل في 1995 على يد الحركة. وتتجه بعض التحليلات الغربية إلى أن طبيعة الحياة التي عاشتها تلك العناصر خلال الأعوام التي سبقت الوصول للحكم، تفرض نمطاً يتعلق باعتبار المخالف تهديداً يجب إزالته، وهنا فإن الوضع يبقى مرهوناً بسيطرة طالبان على عناصرها.

ج- إزالة مصادر التهديد في بانشير: لم تتمكن حركة طالبان من السيطرة على ولاية بانشير في فترة الحكم الأولى بفعل تحالف الشمال بقيادة أحمد شاه مسعود، وظل اقتحامها عصياً على الحركة حتى إزاحتها من الحكم، ثم تمكنت الحركة من إخماد المعارضة التي قادها نجل “أحمد شاه”، وبدا أن أولويات الحركة هي فرض السيطرة التامة على كامل الأراضي الأفغانية.

ولكن الملاحظ أن الحركة لجأت خلال شهر يناير الجاري إلى الدخول في مفاوضات مع نجل “أحمد شاه” في إيران، إذ أعلنت الحركة عن لقاء جمعه بوزير خارجيتها أمير خان متقي، وبدا أن الحركة تسعى إلى تسوية الخلافات مع الأطراف التي يمكن أن تشكل تهديداً لحكمها مستقبلاً في إطار الرغبة في “تصفير المشكلات”، خاصة مع استمرار نشاط العمليات ضد الحركة خلال شهر ديسمبر الماضي.

د- تحجيم نشاط تنظيم “داعش”: يبدو أن مواجهة تنظيم “داعش” في أفغانستان لم يكن أولوية لدى حركة طالبان خلال الشهر الأول على الأقل من السيطرة على الحكم، ولكن أمام الهجمات في العاصمة كابول وتحديداً الهجوم على المطار، بدأت الحركة في تكثيف تواجدها في العاصمة لتحجيم نشاط التنظيم، لاعتبارات تتعلق بعدم إظهار ضعف الحركة في ضبط الأمن، واتجه تنظيم “داعش” إلى تكثيف عملياته في ولاية ننجرهار، بالصورة التي دفعت الحركة إلى نقل 1300 من عناصرها إلى الولاية لتحجيم نشاط التنظيم، في شهر نوفمبر الماضي، ولكن هذه الخطوة جاءت في مرحلة لاحقة على إزالة التهديد المتعلق بالمعارضة في بانشير.

التحول الرابع: التعامل مع المجتمع الدولي ودول الجوار

أ- نهج أكثر انفتاحاً وسعياً للانخراط دولياً: تسعى حركة طالبان إلى تجنب العزلة سواء دولياً أو في محيطها الجغرافي، ولذلك فإنها تعمد إلى فتح خطوط اتصال مع مختلف القوى الدولية، بشكل أساسي، للدفع باتجاه الحصول على الاعتراف الدولي والنظام الجديد الذي بدأ يتشكل في أفغانستان، إضافة إلى الرغبة في استمرار تدفق المساعدات لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتردي، في ظل استمرار تجميد أموال أفغانستان في الخارج.

إذ عقد وفدٌ من الحركة اجتماعاً مع مسؤولين أمريكيين في الدوحة في ديسمبر الماضي، في إطار المشاورات المستمرة بين الجانبين، ومع ذلك يتعامل المجتمع الدولي بحذر مع الحكومة الجديدة، إذ دعت مجموعة الدول الصناعية السبع إلى ضرورة عدم اعتراف أي دولة بحكومة طالبان بشكل منفرد، خاصة وأن تعليق الاعتراف الدولي يتصل بقضايا حقوق المرأة، وتوسيع مشاركة الأقليات، وحقوق الإنسان. كما طالبت حركة طالبان في سبتمبر الماضي، بضرورة تمثيل أفغانستان في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ب- إقامة علاقات متوازنة وفق نهج إزالة التخوفات: تتجه أفغانستان إلى إقامة علاقات متوازنة مع مختلف الدول، بعض النظر عن طبيعة العلاقات التي تميل إلى الصراع بين بعض الدول، فبينما تواصل الحوار مع الولايات المتحدة، تسعى الحركة إلى بناء علاقات مع دول أخرى مثل الصين وروسيا وإيران والهند، وذلك في ضوء لقاءات استكشافية بين مسؤولي حكومة الحركة وهذه الدول. واستضافت روسيا في أكتوبر الماضي، محادثات دولية مع مسؤولي الحركة، في حضور ممثلي دول إيران، والصين، والهند، وباكستان، وجمهوريات في آسيا الوسطى هي: طاجكستان، وأوزبكستان، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وتركمانستان.

وثمة تخوفات من احتضان ودعم طالبان لمجموعات مسلحة، تؤثر على استقرار هذه الدول، مثلما فعلت الحركة في التسعينيات من القرن المنصرم، وبدا أن طالبان تراجعت عن تقديم دعم للإيجور، لتحقيق توافق مع الصين، إذ أكد المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين أن أفغانستان لن تستقبل مزيداً من الإيجور، ولكن ثمة تخوفات من إمكانية ترحيل الحركة للإيجور المتواجدين على الأراضي الأفغانية، وهنا فإن ثمة هدفاً للحركة في التقارب مع هذه الدول، إذ إن إزالة التخوفات يؤدي إلى اقتراب الاعتراف بالنظام الجديد، بما قد يُسهل من تتابع الاعتراف من مختلف دول العالم.

ازدواجية واضحة

في المجمل، فإن ثمة بعض المؤشرات التي يمكن أن تشير إلى تحولات في الممارسة العملية لطالبان، وأنها باتت “براجماتية” في التعاطي مع بعض القضايا مقارنة بالنسخة القديمة في حقبة التسعينيات من القرن الماضي، على أكثر من مستوى خلال الأشهر الخمسة الماضية، في سبيل نزع الاعتراف الدولي بالنظام الجديد الآخذ في التشكل، إضافة إلى الدفع باتجاه رفع التجميد على أموال البنك المركزي الأفغاني، ولكن ثمة ازدواجية بين الخطاب الرسمي وبعض الممارسات العملية من ناحية، وبين توجهات الحركة وممارسات عناصرها على أرض الواقعة من ناحية أخرى، في ظل تخوفات من صعوبة السيطرة على عناصر الحركة التي تأتي بممارسات يمكن تصنيفها بـ”المتشددة”.

المصدر انترنجينال للتحليلات الاستراتيجية
كتب:  محمد الفقي

اترك تعليقا