المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

انفصال دونيتسك ولوغانسك عن أوكرانيا

تقع المنطقتان دونيتسك ولوغانسك في إقليم دونباس، وتعتبران من أكبر مدن أوكرانيا، وتحظيان بأهمية اقتصادية وثقافية، فضلاً عن موقعهما الاستراتيجي على الحدود مع روسيا، إذ يقع إقليم دونيتسك في جنوب شرق أوكرانيا، تحدها روسيا من الشرق وبحر آزوف من الجنوب، بينما تقع منطقتا لوغانسك وخاركيف من الشمال، وإلى الغرب تقع منطقتا زوبوريجيا ودنيبروبيتروفسكا، وتبلغ مساحة دونيتسك نحو (26.5) ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل نحو (4.4%) من إجمالي مساحة أوكرانيا، وهي مقسمة إلى 18 منطقة وتضم 52 مدينة و131 بلدة، ويقدر عدد السكان دونيتسك حسب إحصائية عام 2018 من مليونين و300 ألف نسمة، ويشكل فيها الأوكرانيون نحو (56.8%)، والروس(38.2%) وتتوزع النسبة الباقية على القوميات الأخرى.

وتعتبر دونيتسك منطقة صناعية، بالرغم من مساحاتها الزراعية الواسعة، إذ تشتهر بكثرة مناجم الفحم الحجري ومعامل الحديد والصلب التي يعمل فيها معظم السكان، حيث فيها(13) منجما كبيراً للفحم وعشرات المناجم الصغيرة، و(9) مصانع لإنتاج فحم الكوك، و(10) مصانع لإنتاج القضبان وغيرها من منتجات الصناعات الحديدية، وتشتهر دونيتسك بفريق عمال المناجم لكرة القدم (شاختار) والملعب الدولي المسمى باسم الفريق الذي احتضن عددا من مباريات بطولة كأس الأمم الأوروبية (يورو 2012)، وتتمتع المدينة بحياة ثقافية نشطة، إذ فيها الكثير من المسارح والمعارض والجامعات والمعاهد، لذلك فهي قبلة رئيسية للطلاب من داخل أوكرانيا وخارجها، وتعد مدينة دونيتسك عاصمة (جمهورية دونيتسك الشعبية) التي أعلنها الانفصاليون(1).

 وفي أقصى شرق أوكرانيا يقع إقليم لوغانسك، وتحده روسيا من الشرق والشمال والجنوب، وتبلغ مساحته نحو (26.6) ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل نحو (4.4%) من إجمالي مساحة أوكرانيا، وهي مقسمة إلى 18 منطقة إدارية، وتضم37 مدينة و109 بلدات، ويبلغ عدد سكانه الإجمالي وفق إحصاء عام 2014 نحو (2.2) مليون نسمة، ويشكل فيه الأوكرانيون نحو(57.9%)، والروس (39%)، وتتوزع النسبة الباقية على قوميات أخرى كالمنتسبين إلى روسيا البيضاء والتتر والأرمن والأذريين والمولدافيين وغيرهم، وتتميز لوغانسك بأنها منطقة صناعية، إذ فيها الكثير من مناجم الفحم ومعامله، كما يعتمد اقتصادها على شبكات وطرق ونقاط عبور البضائع من روسيا وإليها، بسبب الشريط الحدودي الطويل معها، ويشتهر الإقليم في الكثير من الجامعات والمعاهد في مختلف المجالات العلمية والأدبية، ومدينة لوغانسك هي عاصمة (جمهورية لوغانسك الشعبية) التي أعلنها الانفصاليون(2).

وتمثل العرقية الروسية في أوكرانيا نحو (17%) من إجمالي السكان البالغ عددهم أكثر من(40) مليوناً، وتنتشر اللغة الروسية في جنوبي وشرقي البلاد وبصورة أقل في الشمال الشرقي، فيما تسود الأوكرانية بوسط وغربي البلاد، وهذا يترجم إلى رغبة الأقاليم الوسطى والغربية بأوكرانيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي، بينما تميل الأقاليم الشرقية والجنوبية لروسيا، ويطلق على مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك بشرق أوكرانيا مصطلح إقليم الدونباس، كما أن هناك منطقة متاخمة يطلق عليها دونباس الروسية، ومن المعروف أن الأوكرانيين والروس والبيلاروس متقاربون ثقافيان وهم يشكلون فرعاً محدداً من العرق السلافي الذي يشمل أغلب شعوب شرق أوروبا يطلق عليه (السلافيون الشماليون)، وتحول هذا العرق إلى شكل الدولة لأول مرة في أوكرانيا وليس روسيا، قبل أن ينتقل المركز الحضاري للسلاف الشماليين إلى موسكو بسبب الغزوات المغولية(3).وبدأت المطالب الانفصالية عندما أندلعت الأزمة الأوكرانية في 21 تشرين الثاني 2013، بعدما علق الرئيس الأوكراني الأسبق (يانوكوفيتش) الموالي لموسكو، الاستعدادات لتنفيذ اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما أدى إلى احتجاجات أطاحت به، ما تسبب في اضطرابات بالمناطق الشرقية والجنوبية الناطقة بالروسية المؤيدة له، فاستغل الرئيس الروسي (بوتين) ذلك وتدخل لضم القرم وأيد انفصال الإقليمين بشرق أوكرانيا، وفي أبريل2014 أعلن الانفصاليون الموالون لروسيا في شرق أوكرانيا استقلال جمهورية كل من لوغانسك ودونيتسك الشعبية ، وأجريت الاستفتاءات في كلا المنطقتين بأكثر من(90%) من الأصوات لصالح الاستقلال عن أوكرانيا وفقاً لقادة انفصاليين، ونتيجة لذلك اعتبر المجتمع الدولي تلك الانفصال غير شرعي(4).

وجرى الاستفتاء بالرغم من أن الغرب وكييف وصفاه بانه غير شرعي، لكنه يؤدي بحكم الامر الواقع الى انفصال جديد في اوكرانيا بعد انضمام جمهورية القرم الى روسيا الاتحادية، ونتيجة لذلك تم تأسيس التشكيلات العسكرية التابعة للمناطق الانفصالية الموالية لروسيا من فصيلين أساسيين، هما ميليشيا دونباس الشعبية وميليشيا لوغانسك الشعبية، واستولى المتمردون المسلحون في المنطقة الشرقية المدعومون من روسيا على المباني الحكومية، وأعلنوا ما سموه جمهوريتين شعبيتين في منطقتي دونيتسك ولوغانسك، واندمجت مليشيات جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية في 16 أيلول 2014 لتشكيل (القوات المسلحة المتحدة لنوفو روسيا)، وأشار الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) إلى مناطق دونباس باعتبارها جزءاً من روسيا تاريخياً، إذ قال (سوف أذكركم، هذه نوفو روسيا (أي روسيا الجديدة)، وأشار إلى منطقة خاركوف وهي ثاني أكبر مدن أوكرانيا وهي خاضعة لسيطرة كييف، واعتبر أن هذه المناطق لم تكن جزءاً من أوكرانيا خلال الحقبة القيصرية، بل منحت الحكومة السوفييتية هذه المناطق لأوكرانيا في عشرينيات القرن الماضي(5).

 واختارت تلك الجمهوريتين الانفصاليتين الروبل الروسي عملة رسمية بديلة عن العملة الأوكرانية، ودخلت في حرب مع الحكومة الأوكرانية وشنت الاخيرة عمليات عسكرية ضدهما، واعتبرت فيه الجمهوريتين على أنهما تنظيمين إرهابيين، ما أدى إلى دمار واسع حتى دخول الصراع إلى مرحلة جديدة بين الطرفين، وقدرت الأمم المتحدة كلفة المعارك التي دارت بين الانفصاليين والقوات الحكومية بحوالي(40) ألف قتيل، وبعد ذلك دخل الأطراف مرحلة من الدبلوماسية استندت على أساس اتفاقية مينسك بمشاركة أوكرانيا وروسيا والانفصالين، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في العام 2014 ثم في العام 2015، لوقف إطلاق النار مع الاحتفاظ بوضع خاص للمدينتين ووضع خارطة طريق لحل الأزمة، إلا أن اتفاقية مينسك لم تنجح عملياً في وقف القتال، وظلت موسكو تقدم دعماً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً ومعنوياً للجمهوريتين، بما فيها بتسهيل حصول سكان المدينتين على الجنسية الروسية(6)، إذ هناك ما يقارب المليون شخص من الانفصالين يحملون جوازات سفر روسية ويحق لهم التصويت في الانتخابات الروسية، كما يحق لهم الحصول على أموال الضمان الاجتماعي والمعاشات الروسية بموجب وضعيتهم القانونية، التي تسهل عليهم أيضا العمل في روسيا.

وفي 15 شباط 2022 صوت البرلمان الروسي على استقلال المنطقتين الانفصاليتين، ودعا الرئيس (فلاديمير بوتين) إلى الاعتراف باستقلال المناطق الانفصالية الأوكرانية، ونتيجة لذلك وقع الرئيس الروسي على مرسومين يقضيان باعتراف روسيا باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين عن أوكرانيا، وعلى ضوء ذلك أمر الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) قواته بدخول المنطقتين الانفصاليتين في شرق أوكرانيا، كما أمر وزارة الدفاع الروسية بأن تتولى القوات المسلحة الروسية مهمة حفظ السلام على أراضي الجمهوريتين، وقال(بوتين) (إنه كان من الضروري اتخاذ قرار، تأخر كثيراً بالاعتراف فوراً باستقلال كل من جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية وسيادتهما)، وجه بوتين سيلا من الانتقادات لأوكرانيا، واصفا إياها بالدولة الفاشلة ومعتبرا أنها ليست إلا دمية في أيدي الغرب، وأثار الاعتراف بالجمهوريتين الانفصاليتين تنديداً دولياً وبفرض حزمة من العقوبات الاقتصادية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ضد موسكو.

وبالرغم من عدم الاعتراف من قبل المجتمع الدولي على انفصال الجمهوريتين دونيتسك ولوغانسك سواء موسكو، إلا أنها تشكل آثار خطيرة على الصعيد الداخلي في أوكرانيا، إذ أنها تفقد (8.8%) من قيمة مساحتها الجغرافية وهذا سينعكس على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فضلاً عن أطماع روسيا بتلك المنطقة التي تعتبرها جزء من أراضيها التاريخية، كما أن هذا الأمر يدفع العديد من الأقاليم في العالم نحو المطالبة بالانفصال وتأسيس دولة ذات سيادة لاسيما إذ تلقت الدعم الخارجي على غرار دونيتسك ولوغانسك، باعتبار أنها تتميز ثقافية ودينيا وغير ذلك من الحجج، وبالتالي نشهد ظاهرة الدول القزمية التي ستكون أدوات بيد الدول الكبرى.

الكاتب: م.م علي سعدي عبدالزهرة جبير

المصادر:

الجزيرة، دونيتسك ولوغانسك.. من التمرد إلى الانفصال وإعلان الجمهورية، على الموقع الالكتروني https://www.aljazeera.net/encyclopedia، 22/2/2022.

المصدر نفسه.

عربي بوست، الجانب المنسي بالأزمة الأوكرانية.. قصة الإقليم المتمرد، وهل يريد سكانه الانضمام لروسيا أم كييف؟، على الموقع الالكتروني https://arabicpost.me، 12/4/2021.

Conflict in Donetsk and luhansk, acsps, 4 November 2019, P2.

عربي بوست، حلفاء أم أتباع؟ قصة متمردي إقليم الدونباس الأوكراني وعلاقتهم ببوتين وهل هم مرتزقة روس أم أصحاب قضية، على الموقع الالكتروني، https://arabicpost.net، 17/2/2022.

محمد خالد، دونيتسك ولوغانسك مدينتان في قلب العاصفة، البيان، على الموقع الالكتروني https://www.albayan.ae/world/reportage/2022-02-26-1.4378686، 26/2/ 2022.

اترك تعليقا