المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

بايدن لمواطنيه: التضخم بسبب “القيصر”

تشهد أسعار البنزين إرتفاعاً ملحوظاً يوماً بعد يوم منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث سجلت الولايات المتحدة أعلى معدلاً للتضخم ما أدى إلى زيادة السخط بين المواطنين الأمريكيين، وهوالأمر الذي دفع الرئيس جو بايدن لإلقاء اللوم على نظيره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فيما يحصل داخل أمريكا.

وقال بايدن: ستكون هناك تكاليف في الداخل نتيجة لفرضنا عقوبات شديدة رداً على حرب بوتين غير المبررة.

وراهن الرئيس الأمريكي على صبر الأمريكيين في تحمل الآلام الاقتصادية التي جاءت جراء الحرب الاقتصادية مع روسيا، ألا أنّ أخبار الخميس الماضي جاءت لتذكّر الأمريكيين بأقسى تضخم اقتصادي يمر على البلاد منذ أربعين عاماً، ما يعني أنّ على الأمريكيين مواصلة الصبر على المعاناة الاقتصادية خلال هذا العام.

ومع اقتراب موعد الانتخابات النصفية الأمريكية خلال هذه السنة، فالسؤال السياسي الملح للرئيس بايدن هو: هل سيستجيب الأمريكيون له وينتقدون روسيا فيما يحدث لهم أم أنهم سيلقون باللوم مباشرة على بايدن نتيجة ارتفاع الأسعار. وعلل الخبراء بأنّ الأسعار قد ارتفعت عن الماضي بشكل أساسي نتيجة تزايد الإنفاق الحكومي على الإغاثة، وعلى الإمدادات الخاصة التي تعطلت بسبب  الوباء. ثم جاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليزيد الطين بلّة.

وقد قال جوش شيفرين؛ محلل استراتيجي ديمقراطي حول فرض العقوبات المالية على روسيا:” بالطبع إنه تحدٍ، لكنه تحدٍ ليس لدينا الحق في اختياره، هنالك دعم واسع للوقف في وجه بوتين وتطبيق العقوبات بما فيها تلك التي ستزيد من تكلفة الغاز”.

وتراجعت شعبية بايدن بنسبة كبيرة خلال هذه الأشهر نتيجة استياء العديد من الأمريكيين جراء ما ألحقه التضخم والوباء بالحالة الاقتصادية للبلد. ومع هذا فإنّ الدراسات الاستقصائية الأخيرة تشير إلى أنّ العديد من مواقف الناخبين سواء كانوا ديمقراطيين أو جمهوريين أظهرت دعماً لعقوبات الإدارة الأمريكية على روسيا، ولو كانت العقوبات سيئة بالنسبة لأموالهم.

وتباينت نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته بعض الصحف الأمريكية، فقد ذكرت مجلة إيكونومست ويوجوف انّ 66% من الأمريكيين وافقوا على العقوبات التي فُرضت على روسيا لردعها عن الغزو. بينما أظهرت النتائج في الوول ستريت جورنال أنّ 79% من الناخبين أيدوا فرض حظر على النفط الروسي حتى لو كلفهم ذلك أرتفاع أسعار الطاقة نتيجة تلك العقوبات.

ومع ما تحمله هذه النتائج من أخبار مفرحة للرئيس الأمريكي جو بايدن، ألا أنها لم تشفع له للنجاة من حملة الانتقادات الواسعة التي شنها الجمهوريين لفشله في إبقاء التضخم تحت السيطرة، ولومهم المستمر له بسبب ارتفاع أسعار الغاز، رغم دعمهم لقراره بفرض الحظر على النفط الروسي.

ورأى مسؤولون مطلعون على قرارات بايدن أنه يشقّ طريقه بصعوبة نحو اتخاذ قرار قطع النفط الروسي وسط مخاوف من أن هذا القرار قد يعجل من وتيرة الارتفاع السريع بالفعل في أسعار البنزين. إلى جانب ذلك، اتهمت رونا مكدانيل؛ رئيسة اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، إدارة بايدن برفض تحمل مسؤولية ارتفاع التكاليف. وأضافت: ” الأسعار مستمرة بالارتفاع في ظل سياسات بايدن والديمقراطيين المتهورة، وأن محاولة بايدن إلقاء الللوم على الرئيس الروسي ما هي إلا إهانة لكل أمريكي وصاحب شركة صغيرة يكافح من أجل تحمل تكلفة السلع اليومية

أما جين بساكي؛ السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، فقد صرحت بأنه: لا يوجد شك في أنّ التضخم سيبلغ درجات أعلى  مما هو عليه الآن خلال الأشهر القليلة المقبلة. دون تأثير من الحرب الروسية الأوكرانيةن وأنّ تركيز الإدارة سيصب على تخفيف تبعات الآثار طويلة المدى لارتفاع الأسعار.

وأشار الاستراتيجيون الديمقراطيون إلى أنّ الكثير من الانتقادات الموجهة إلى بايدن تمثل في أنه لم يبذل كل ما بوسعه لمجابهة روسيا، وقد صرّح الرئيس مراراً وتكراراً أنه غير مستعد لإرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا،  حيث رفضت الولايات المتحدة هذا الأسبوع أخذ طائرات مقاتلة من بولندا ووضعها في القاعدة الجوية الأمريكية لاستخدامها في نهاية المطاف في أوكرانيا.

وانتقل الجدل إلى أوساط حزب بايدن، فيرى الخبراء: أنّ كل قرار يتخذه بايدن نابع من صناعة القرار الاستراتيجي، ولا أثر للحسابات السياسية فيه.

وصرّح ديفيد أكسلرود؛ أحد كبار مستشاري الرئيس باراك أوباما السابق: ” التواجد في هكذا موقف يحمل نوعاً من الحرية السياسية”. “عملياً كل المؤشرات تعمل ضده إذا أشرنا إلى الانتخابات النصفية، إضافة إلى انه فقد التأثير على العديد من الناخبين،  فأفضل خدمة يمكن أن يؤديها لنفسه، وللديمقراطيين، أن يكون مقداماً وقوياً وصادقاً قدر الإمكان في التعامل مع الموقف الذي نحن فيه “.

وحاول مسؤولو إدارة بايدن التأكيد على المكاسب الاقتصادية بما في ذلك سلسلة النمو القوي للوظائف التي استمرت حتى خلال الموجة الأخيرة من حالات الإصابة بفيروس كورونا. ففي الأسبوع الماضي، كرّس بايدن خطابه للتعبيرعن حالة الاتحاد لمحاولة إعادة تركيز الأمة على المدى الذي وصل إليه الاقتصاد منذ الركود الناجم عن الوباء، ووصف مكافحة التضخم بأنه “أولوية قصوى”.

وقد ذكرت وزارة العمل الأسبوع الماضي أن أرباب العمل الأمريكيين أضافوا 678 ألف وظيفة في فبراير وأن معدل البطالة انخفض إلى 3.8 في المائة، وهو أدنى مستوى له منذ بداية الوباء. ومع ذلك، أقرت وزيرة الخزانة جانيت يلين أنه على الرغم من التقدم الاقتصادي في الولايات المتحدة، ألا أنه لا يزال التضخم يمثل تحدياً. وأضافت:” لا أود القول أنّ التضخم ليس مشكلة” ” التضخم مشكلة”. وأشارت يلين إلى أن الحرب الروسية في أوكرانيا أدت إلى ارتفاع أسعار النفط وتسببت في ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة بشكل حاد. وقالت إن إدارة بايدن كانت تعمل على عزل المستهلكين الأمريكيين عن تأثير العقوبات، لكنها لم توضح أي إجراءات جديدة لخفض أسعار الغاز.

وأشارت يلين إلى سياسات إدارة بايدن لتقليل تكلفة رعاية الأطفال والمسنين كعلاجات طويلة الأجل لارتفاع الأسعار. وقالت إنه في المدى القريب، سيكون من مسؤولية مجلس الاحتياطي الفيدرالي مكافحة التضخم. وأضافت “التضخم هو أولاً وقبل كل شيء وظيفة الاحتياطي الفيدرالي”. “وعلينا أن ننظر إلى الاحتياطي الفيدرالي لاتخاذ خطوات لخفض التضخم وأنا على ثقة من أن الاحتياطي الفيدرالي سيتخذ الإجراءات اللازمة”.

المصدر: صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

المؤلف:  Katie Rogers ، Michael D. Shear

ترجمة وتحرير: المعهد العراقي للحوار/ رغد غالي.

اترك تعليقا