المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

توتر غير مسبوق بين إيران وآذربيجان بسبب إسرائيل

أحمد الساعدي ـ المعهد العراقي للحوار

بعد نحو عامين على حرب كاراباخ الثانية بين أذربيجان وأرمينيا، ساد التوتر مرة أخرى في جنوب القوقاز، مع ترافق السجال الحاد بين إيران وأذربيجان، ثم تصاعد التوتر بين طهران وباكو على خلفية هجوم استهدف سفارة آذربيجان في طهران في 27 من يناير/كانون الثاني 2023.

وتشترك محافظة أذربيجان الشرقية الإيرانية في 200 كم مع جمهورية أذربيجان و 35 كم مع أرمينيا.

ووصف الرئيس الآذربيجاني إلهام علييف ما تعرضت له سفارة بلاده في طهران بـ”الهجوم الإرهابي” المخطط له مسبقاً، فيما اعتبرت إيران أن الهجوم يحمل دوافع شخصية، ما دفع باكو إلى إغلاق سفارتها في طهران والإبقاء على قنصليتها العامة في مدينة تبريز شمال غرب إيران مفتوحة.

وفي الأيام القليلة الماضية، تصاعدت الحرب الكلامية بين إيران وأذربيجان، وذلك عندما أدانت وزارة الخارجية الإيرانية تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، بالإعلان عن تشكيل تحالف مع آذربيجان ضد إيران.

وكانت إيران قد أشارت في تصريحات سابقة إلى أن إسرائيل تقوم بأنشطة تستهدف أمنها القومي من داخل الأراضي الآذربيجانية، كما أنها اتهمت تل أبيب بالوقوف وراء عملية الاغتيال المعقدة التي للعالم النووي البارز “محسن فخري زاده” الذي جرى استهداف موكبه عند عودته من شمال إيران إلى طهران أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وافتتحت أذربيجان أول سفارة لها في مدينة تل أبيب يوم الأربعاء الماضي، بحضور وزير الخارجية الأذربيجاني جيهون بيرموف، وذلك رغم قيام العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين بشكل رسمي منذ عام 1991.

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إن “افتتاح السفارة الأذربيجانية دليل آخر على تعزيز العلاقات”.

وخلال مراسم افتتاح السفارة، أشار كوهين إلى أنّ كون أذربيجان دولة مسلمة ولها موقع استراتيجي، فإنّ ذلك يجعل العلاقات بين الطرفين ذات أهمية كبيرة.

وتابع كوهين: “تحدثت مع وزير الخارجية جيهون بيرموف عن تشكيل جبهة موحّدة ضد إيران، وتعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والأمن والطاقة والابتكار، وسأذهب قريبًا في زيارة سياسية إلى باكو مع وفد اقتصادي كبير، مما سيزيد من عمق العلاقات التجارية بين إسرائيل وأذربيجان”.

وردًا على ذلك، طالب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني المسؤولين الآذربيجانيين بتقديم إيضاحات بشأن تعاون بلادهم المعادي لإيران مع إسرائيل، كما اعتبره.

وفي تصريح له يوم الجمعة الماضي، رأى كنعاني أنّ تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي بشأن الاتفاق مع وزير خارجية أذربيجان من أجل “تشكيل جبهة موحّدة ضد إيران” تدلّ على النوايا الشريرة لتحويل أراضي جمهورية أذربيجان إلى ساحة لتهديد الأمن القومي لجمهورية إيران الإسلامية، مدينًا هذا الأمر بشدة.

ووصف كنعاني الكلام الإسرائيلي، وما رافقه من تصريحات لوزير خارجية أذربيجان بخصوص مضمون المحادثات و”المرحلة الجديدة من الشراكة الاستراتيجية” مع إسرائيل، تاييدًا ضمنيًا على توجه للتعاون المعادي لإيران.

كنعاني ذكّر بالأواصر التاريخية والدينية التي لا تنفصم بين الشعبين الإيراني والأذربيجاني، مشددًا على أنّ بلاده سعت على الدوام لإفشال محاولات المناوئين لخلق فجوة بين البلدين الجارين، متوقّعًا من الحكومة الأذربيجانية تجنّب الفخ الذي نصبه أعداء العلاقات بين البلدين.

وحذّر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية من أنّ إيران لا يمكنها أن تظل غير مبالية تجاه مؤامرة إسرائيلية ضدها من أراضي أذربيجان.

وجاء في تغريدة لكنعاني: “طلبنا من حكومة أذربيجان توضيحًا بشأن ما قاله وزير خارجية الإسرائيلي عن الاتفاق مع جمهورية أذربيجان على تشكيل جبهة موحدة ضد إيران”.

وسأل كنعاني: “ألا يُعدُّ استمرار الصمت ختم تأييد ضمني لتصريحات الشريك الاستراتيجي لباكو”؟

يُذكر إنّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الأذربيجانية ركّز في تصريحاته الأخيرة على اتهام إيران باغتيال عضو في برلمان بلاده.

وردًا على كلام كنعاني، قال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأذربيجاني آيخان حاجيزاده، وفق وكالة “أذرتاج”: “لا تزال الأخوّة بين إيران وأرمينيا تشكل تهديدًا للمنطقة بأكملها وعلى مدى السنوات الثلاثين الماضية، تجاهلت إيران، في الواقع، بموافقتها الصامتة، احتلال أرمينيا للأراضي الأذربيجانية على مدى السنوات الثلاثين الماضية. ومن المعروف جيداً أن إيران تجاهلت احتلال قره باغ وزنكازور الشرقية ونهب هذه الأراضي وبيع الأحجار المسلوبة من المنازل الموجودة في هذه الأراضي بالأسواق الإيرانية، وتدمير وتدنيس 65 من أصل 67 مسجدًا قائمًا”.

فاضل مصطفى

وأردف: “على خلفية ما سبق، ندين بشدة تصريح ناصر كنعاني المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية. هذا التصريح هو الخطوة التالية نحو تفاقم العلاقات بين أذربيجان وإيران”، مؤكدًا أنً تهديدات إيران هذه لن تخيف أذربيجان بلاده.

وأضاف “هذا العمل هو استمرار للهجوم الإرهابي على سفارة جمهورية أذربيجان في طهران الذي وقع في 27 من يناير/كانون الثاني الماضي”.

وأصيب “فاضل مصطفى”، عضو برلمان جمهورية أذربيجان، برصاصتين وأصيب في هجوم مسلح أمام منزله الشخصي مساء الثلاثاء.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأذربيجانية أنه على الرغم من الدعم العسكري الذي تم إرساله من الأراضي الإيرانية إلى أرمينيا، فقد دمرت القوات المسلّحة الأذربيجانية قوات الاحتلال الأرميني في عام 2020، على حد تعبيره.

إيران تتهم آذربيجان بالخيانة

عضو البرلمان الايراني روح الله متفكر آزاد اعتبر أنّ إقامة الدول الإسلامية والجارة علاقات مع إسرائيل خيانة للعالم الاسلامي، وذلك في معرض تعليقه على افتتاح سفارة جمهورية اذربيجان في تل ابيب.

أما قائد القوة البرية في الجيش الإيراني العميد كيومرث حيدري فقد تحدث عن الجاهزية التامة للقوة البرية للجيش الايراني للتصدي لأي هجوم محتمل.

وقال حيدري: “إنّ القوة البرية للجيش اليوم هي في أفضل ظروفها، ولديها الجاهزية التامة سواء من حيث الكوادر الإنسانية أو المعدّات، وسترد على أي هجوم بشكل مدمّر في جزء من الثانية”.

وفي السياق يُحكى عن أجندة للرئيس الأذربيجاني إلهام علييف يريد عبرها تجاوز إيران وإخراجها من ممرات نقل البضائع والطاقة، حيث شارك علييف في مائدة مستديرة تتعلق بأمن الطاقة في مؤتمر ميونيخ ، وحاول ترسيخ مكانة باكو كمورّد رئيسي للغاز إلى أوروبا ، مما يساعد في الحفاظ على الأمن الأوروبي.

وفي وقت سابق، اعتبرت وسائل إعلام إيرانية مقربة من الحرس الثوري الإيراني، إن طهران ردت على إعلان الخطوة الإسرائيلية الآذربيجانية بتعيين سفيرها السابق في سوريا “مهدي سبحاني” سفيراً جديداً في أرمينيا.

من جانبها، وصفت وسائل إعلام آذربيجانية الخطوة الإيرانية بـ”الاستفزازية التي تحمل رسائل أمنية وعسكرية واضحة”، مشيرة إلى أنها “تعكس نية طهران تأسيس منظومة شبيهة بحزب الله في أرمينيا وتحويل هذا البلد الى مكان آمن للمقاومة الإسلامية الآذربيجانية الشيعية (الحسينيون) المناوئة لنظام الحكم في باكو”.

وعينت إيران يوم الخميس مهدي سبحاني، الدبلوماسي المقرب من الحرس الثوري الذي يشغل حالياً منصب سفير إيران في سوريا، سفيراً جديداً لدى أرمينيا ليحل محل عباس بدخشان.

السفير مهدي سبحاني

وأشار تقارير صحفية إيرانية إلى أنه في عام 2022 عينت إيران مرتضى عابدين فارامين، الذي خدم في اليمن، قنصلاً عامًا لها في مقاطعة سيونيك في أرمينيا.

ووصفت وزارة الدفاع في أذربيجان، أمس، تصريحات قائد القوات البرية للجيش الإيراني، العميد كيومرث حيدري، بشأن استخدام جمهورية أذربيجان لعناصر تنظيم داعش بـ “الافتراء”.

وقالت الوزارة في بيان “هذا التصريح لا أساس له من الصحة وغير مقبول إطلاقا، وبشكل عام لا توجد عناصر أجنبية في أرض أذربيجان”، مضيفاً إن تصريحات القائد العسكري الإيراني “مختلطة بالافتراء والتشهير”.

السفارة الإيرانية في أرمينيا توضح

بدوره، قالت السفارة الإيرانية في أرمينيا، إن ادعاء أن السفير الإيراني الجديد مهدي سبحاني له سجل العسكري لا أساس له من الصحة.

وقالت “سبحاني له  تاريخ مشرف في تمثيل البعثات في جمهورية أذربيجان وباكستان وتركمانستان وأوكرانيا وسوريا”، مضيفة “سبحاني هو مثل السيد ظهوري السفير الحالي لجمهورية إيران الإسلامية في أرمينيا، فهما من المحاربين القدامى وجرحى الحرب العراقية- الإيرانية”.

حوادث أخرى

أفادت صحيفة “هم ميهن” الإيرانية، اليوم السبت، بأن السلطات الأمنية في جمهورية آذربيجان اعتقلت ثمانية أشخاص بتهمة التجسس لصالح إيران.

وقالت الصحيفة نقلاً عن وسائل الإعلام الآذربيجانية، إن “جهاز الأمن في جمهورية آذربيجان اعتقل ثمانية من مواطنيه بتهمة التجسس لصالح إيران”، مضيفة إن “عمليات الاعتقال تمت في مدينة لنكران وبلدة خيردلان وقرية فاطمي”.

وفي 19 من فبراير/شباط الماضي، فُقد مواطن من جمهورية أذربيجان يدعى “فريد صفرلي” بعد سفره إلى إيران، ولم تنجح والدته في البحث عن ابنها.

ومن الواضح أن مستوى التوتر بين إيران وآذربيجان لن يبقى عن هذا الحد في الأيام القادمة، خصوصاً بعدما لم تتمكن روسيا من القيام بوساطة بين طهران وباكو لحل الخلافات القائمة والمتصاعدة.

اترك تعليقا