المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

حرب أوكرانيا وتداعياتها الاقتصادية في العراق

مع تصاعد حدّة المعارك في أوكرانيا بعد دخول القوات الروسية إليها الخميس الماضي، يبدو أن التداعيات الاقتصادية لن تقف عند حدود هاتين الدولتين أو الاتحاد الأوروبي، بل ستمتد إلى مختلف دول العالم ومنها العراق.

قد لا تكون تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا مباشرة على العراق، إلا أن ارتباط النظام الاقتصادي العالمي بعضه ببعض يجعل من الصعوبة بمكان أن تكون أي دولة بمنأى عما يحدث، فالعراق حاله حال دول العالم سيتأثر اقتصاديا وغذائيا إذا ما استمرت هذه الحرب.

التداعيات الاقتصادية

يعدّ العراق من أكبر دول العالم التي ترعى نظاما غذائيا وطنيا من خلال توزيع المواد الغذائية، لا سيما الدقيق، على السكان منذ تسعينيات القرن الماضي ضمن ما يعرف بالبطاقة التموينية الشهرية، إذ يوزع العراق شهريا الدقيق على المواطنين بما يعادل 9 كيلوغرامات شهريا لكل مواطن، ولأن العراق لن يحقق الاكتفاء الذاتي من زراعة القمح، بسبب الجفاف وقلة الأمطار، فإنه يستورده من دول عدة.

وزير الزراعة العراقي محمد الخفاجي توقع الشهر الماضي أن يبلغ إنتاج القمح المحلي 3 ملايين طن في الموسم الحالي، وهو أقل من الموسم السابق، وفي حديثه لوكالة رويترز عزا ذلك إلى تقليص الخطة الزراعية الشتوية بمقدار النصف.

ويعدّ العراق مستوردا رئيسا للحبوب في الشرق الأوسط، إذ يتطلب الاستهلاك المحلي بين 4.5 إلى 5 ملايين طن سنويا للاستهلاك المحلي وهو ما يضطره إلى الاستيراد الخارجي.

ورغم أن العراق لا يستورد القمح من أوكرانيا أو روسيا، فإن الحرب بين البلدين ستؤثر بكل تأكيد على أسعاره عالميا مع استحواذ كل من روسيا وأوكرانيا على 25% من الإنتاج العالمي وفق آخر الإحصائيات.

وإزاء ذلك، يقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية الدكتور عبد الرحمن المشهداني إن الضرر الاقتصادي على العراق نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية سيكون غير مباشر، لكنه سيؤثر على العراق في ما يتعلق باستيراد القمح والحبوب بصورة عامة.

وأضاف المشهداني أن أسعار الحبوب شهدت ارتفاعا كبيرا منذ العام الماضي نتيجة الجفاف والحرائق وقلة الإنتاجية العالمية، فضلا عن المتغير الجديد في الحرب الروسية الأوكرانية “الذي سيرفع من الأسعار بشكل مؤكد”.

وفي ما يتعلق باستيراد العراق للقمح، أوضح المشهداني -للجزيرة نت- أنه على الرغم من أن العراق لم يتعاقد مع روسيا أو أوكرانيا لاستيراد القمح، وأن الورادات العراقية من هذا المحصول غالبا ما تكون من كندا وأستراليا والولايات المتحدة، فإن الحرب ستزيد الطلب على القمح عالميا نتيجة اتجاه دول أخرى لهذه الدول التي يستورد منها العراق، وذلك سيؤدي على الأغلب إلى رفع أسعار القمح عالميا.

الغاز الطبيعي والطاقة

لا تقف تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية عند القمح، فأسعار النفط والغاز الطبيعي شهدت قفزة كبيرة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية واعتماد أوروبا على الغاز الروسي بنسبة كبيرة.

وفي هذا الصدد، يتابع المشهداني أن العراق يستورد الغاز من إيران، وأن ارتفاع أسعاره في العراق سيعتمد على نوع وطبيعة العقود الموقعة بين بغداد وإيران وإذا كانت قد حددت الأسعار سابقا ولمدة زمنية طويلة أم لا.

عامل آخر سيتأثر به العراق في مجال الطاقة، فالحرب الروسية الأوكرانية أدت إلى ارتفاع أسعار النفط وهو ما سيخدم العراق كونه مصدرا، إلا أن الضرر قد يكمن في أن العراق يستورد مشتقات نفطية بما يقدر بـ12 مليون لتر يوميا، وهو ما سيزيد من التكلفة المفروضة على العراق في هذا الجانب، حسب المشهداني.

ويرى أن هناك كثيرا من المتعلقات الأخرى في هذا الشأن تتمثل بوجود شركات نفط روسية عاملة في العراق، قد تُفرض عقوبات دولية عليها لا تُعلم ماهية آلية تسديدها أو ما قد يترتب عليها، وهذا قد يقود إلى نظام الدفع بالكاش النقدي، فضلا عن مشكلة أخرى تتمثل في احتمال انسحاب هذه الشركات النفطية الروسية من العراق نتيجة الضغط الدولي.

من جهته، بيّن المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد موسى أن عقود استيراد العراق للغاز الإيراني تتضمن استيراد 70 مليون متر مكعب من الغاز يوميا في فصل الصيف و50 مليون متر مكعب في الشتاء، موضحا أن واردات الغاز الإيراني تراجعت إلى 8 ملايين متر مكعب يوميا في الأشهر الأخيرة.

وعن ارتفاع أسعار الغاز عالميا وتأثيرها على العراق، كشف موسى أن العقود بين العراق وإيران دولية وتخضع للبروتوكولات، مبيّنا أن الأزمة الأوكرانية لم تؤثر على العراق تأثيرا مباشرا بسبب قلة الإمدادات الإيرانية من الغاز وبسبب أن العقود دولية ومحددة السعر منذ ما قبل الحرب.

تعادل الضرر والمنفعة

تتعدد الآراء في ما يتعلق بالضرر الذي قد تحدثه الأزمة الأوكرانية، الخبير الاقتصادي مظهر محمد صالح من جانبه يرى أنه في حال استمرت الحرب في أوكرانيا، فإن أزمة طاقة عالمية قادمة لا محالة، إلا أن العراق باعتباره بلدا مصدرا للنفط، فإن ذلك يبدو عاملا إيجابيا من خلال زيادة إيراداته من مبيعات النفط مع وجود أعباء اقتصادية أخرى.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى صالح أن هناك ارتفاعا كبيرا في أسعار المواد الغذائية عالميا وهو ما سيؤثر على العراق، مبيّنا أن الدولة العراقية منتبهة لهذا الوضع المربك، وأن القمح سيكون العامل الأبرز في أزمة الغذاء العالمية التي بدأت العام الماضي وهو ما سيؤثر سلبيا على العراق من خلال استيراده 80% من احتياجاته الغذائية، وفق تعبيره.

ورغم هذه المعادلة الصعبة، يعتقد صالح أن العراق سيكون في نقطة تعادل اقتصادية، من خلال ارتفاع أسعار النفط الذي يصدّره مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميا؛ وبهذا سيكون الضرر في العراق أقل من الدول الأخرى غير المصدرة للنفط.

وعن الموقف العراقي من روسيا واحتمال تعرض العراق لضغط دولي في ما يتعلق بتعاملاته مع شركات النفط الروسية، يختتم صالح بالإشارة إلى أن الموقف ليس واضحا حتى الآن وأن الحرب لا تزال في أيامها الأولى ومن ثم لا يمكن استقراء المشهد بصورة كاملة.

تأثيرات سياسية

على الجانب السياسي، يبدو الموقف أكثر تعقيدا، إذ يؤكد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جيهان بأربيل مهند الجنابي أنه في مسرح السياسة الدولية وصعود صراع القوى نتيجة الحرب في أوكرانيا، فإن الأطراف المؤثرة تلجأ إلى استغلال الأقاليم في الدول الهشة، مبيّنا أن العراق يعدّ منطقة رخوة تتصارع على النفوذ فيها إيران وتركيا إقليميا، والولايات المتحدة والصين دوليا.

وعن التهديدات الجيوستراتيجية، يعتقد الجنابي -في حديثه للجزيرة نت- أن التهديدات قد لا تمتد إلى العراق إذا ما استمرت الحرب في أوكرانيا، إلا أن توسع أطراف الحرب سينعكس بشكل مباشر في تحفيز القوى الطامعة بأقاليم مجاورة لتكرار التجربة الروسية وملء الفراغات الرخوة، مستغلة بذلك انشغال المجتمع الدولي بالحرب الدائرة في أوكرانيا.

ويعلق بالقول “من شأن تطور كهذا أن يصل مداه إلى العراق الذي يعاني من خلل بنيوي في هياكل نظامه السياسي، مما يتطلب تولي حكومة قوية مسؤولية تجنيب العراق التورط في إخلال التوازن الدولي، الذي سينعكس بشكل مباشر على مصالح القوى المتصارعة مما يخلق تهديدا قد لا ينحصر بالمصلحة الوطنية، إنما يمتد إلى تهديد وجود الدولة العراقية”.

المصدر: الجزيرة نت

اترك تعليقا