المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

خطوتان لإحياء الاتفاق النووي الإيراني واستدامته

تناول المفاوض النووي الإيراني السابق السفير سيد حسين موسويان في مقالة له نشرت في موقع “نشرة العلماء النووين” موضوع المحادثات النووية في فيينا بين إيران والمجموعة الدولية بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، المعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.

وقال موسويان إن كبير المفاوضين الايرانيين علي باقري كني كان متفائلاً في الأسبوع الأول من المحادثات. لكن مثل هذا التفاؤل يقف في تناقض صارخ مع تشاؤم الغرب. فقد قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للصحافيين في دبي “أعتقد أنه من المرجح أن هذه الجولة من المفاوضات … لن تنجح”.

وأشار موسويان إلى أن إيران كانت ملتزمة كلياً ببنود وشروط الاتفاق النووي حتى انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق وأعاد فرض العقوبات الاقتصادية. ورداً على ذلك، خفضت إيران تدريجياً التزاماتها بالاتفاق.

وقال إنه من المنظور الإيراني، فإن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة يعني أنه يجب رفع جميع العقوبات التي فرضها ترامب، بطريقة يمكن التحقق منها، بحيث تحصل على أموال – وليس فقط على الورق. في المقابل، ستفي إيران بجميع التزاماتها بموجب الاتفاق.

وأضاف أن طهران تسعى للحصول على تأكيدات بأن الولايات المتحدة لن تنتهك التزامها مرة أخرى. ومع ذلك، لا يمكن للمسؤولين الأميركيين ضمان ذلك لأنهم لا يملكون القوة للحد من قرارات رئيسهم المقبل. وأوضح أن ما نحتاجه الآن ليس فقط إحياء اتفاق نووي ولكن خطة لكي يستمر الاتفاق.

فقد قال باقري كني إن الأطراف غير الأميركية تؤيد بالدرجة الأولى الحاجة إلى ضمانات وتحقق وأن “الأميركيين يجب أن يقبلوا أيضا”. وشدد على أن إيران وضعت الخطوط العريضة لمقترح لتقديم الضمانات وآلية التحقق لرفع العقوبات وتقديم التعويضات.

وأوضح موسويان أن جزءاً من المشكلة هو أن الطرفين اللذين يحتاجان إلى حل وسط – الولايات المتحدة وإيران – لا يتواصلان مباشرة مع بعضها البعض. بدلاً من ذلك، هما يتواصلان عبر الأوروبيين المشاركين في خطة العمل الشاملة المشتركة، مما يعني أن بعض المراسلات غير دقيقة.

يستخدم الإيرانيون مثلاً يقول إنه عندما يلقي رجل مجنون بحجر في بئر، فلن يتمكن مائة رجل حكيم من سحب الحجر. فقد ألقى ترامب مثل هذا “الحجر” مع انسحابه غير المسبوق وغير المريح من الاتفاق النووي الامر الذي أدى إلى المأزق الحالي الصعب. وعندما انسحب ترامب وانتهك قرار الأمم المتحدة رقم 2231 – الاتفاق الرسمي لخطة العمل المشتركة الشاملة – فرض أكثر من 1500 عقوبة على إيران، نصفها ذات طبيعة نووية، في حين أن الباقي يتعلق بالإرهاب وحقوق الإنسان ومخاوف أخرى.

ورداً على ذلك، خفضت إيران التزاماتها بالاتفاق النووي. أولاً، زادت تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة ثم إلى 60 في المائة. بعد ذلك، أنتجت معدن اليورانيوم – أحد مكونات تطوير الأسلحة النووية – وبعد ذلك قامت بتنشيط أجهزة طرد مركزي متقدمة جعلتها أقرب إلى حالة العتبة النووية. واستنتج العديد من الأميركيين والإسرائيليين منذ ذلك الحين أن خروج ترامب من الاتفاق النووي كان خطأً كارثياً.

ورأى الكاتب أن أجندة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للنمو الاقتصادي والتنمية  ستتعثر إذا استمرت العقوبات الاقتصادية التي فرضها ترامب. فبينما أشار فريق التفاوض للرئيس الأميركي جو بايدن إلى أنه منفتح على رفع العديد من العقوبات، فمن غير المرجح أن يرفع جميع العقوبات المفروضة خلال عهد ترامب.

وأضاف: إضافة إلى ذلك، تواجه إدارة بايدن نفس المشكلة التي واجهتها إدارة أوباما عندما حاولت رفع العقوبات الاقتصادية “بشكل صحيح”. فخلال إدارة أوباما، لم تجنِ إيران الفوائد الاقتصادية الكاملة للاتفاق النووي التي كانت من حقها بسبب العقوبات الأولية التي فرضتها الولايات المتحدة. وبالمثل، فإن دعوات الولايات المتحدة للشركات العالمية لاستعادة العلاقات مع إيران في أعقاب الاتفاق النووي الحالي قد تتراجع مرة أخرى إذا كانت الشركات التي تعاني من المخاطر تخشى فرض عقوبات أميركية أولية.

وأضاف: يجب على إدارة بايدن أن تأخذ في الاعتبار أن الاقتصاد الإيراني عانى من خسارة قدرها تريليون دولار نتيجة انسحاب ترامب من الاتفاق النووي. هذا يرقى إلى الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد ناشئ مثل المكسيك. فقد تعلمت إدارة الرئيس رئيسي بالطريقة الصعبة – من خلال التجربة – بشأن هذا النوع من الخسائر الاقتصادية الهائلة. وهي ستفعل الآن كل ما في وسعها لمنع مثل هذه الخسارة في المستقبل.

ورأى موسويان أنه يجب على القوى العالمية وإيران صياغة خطة تنفيذ مستدامة للاتفاق النووي – خطة تسمح لكلا الجانبين بالوفاء بالتزاماتهما للمضي قدماً من دون انقطاع لإحياء الاتفاق النووي الإيراني والحفاظ عليه. واقترح أن يفكر المفاوضون في خطوتين واضحتين (إن لم تكن بسيطتين) هما:

أولاً، يجب على جميع الأطراف الوفاء بالتزاماتهم في خطة العمل الشاملة المشتركة. وهذا يعني أنه يجب على الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى رفع جميع العقوبات المفروضة على إيران بناءً على معايير الاتفاق النووي، ويجب على إيران مواصلة الوفاء بالتزاماتها الكاملة بخطة العمل الشاملة المشتركة.

ثانياً، يجب أن يتبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً جديداً يفرض على جميع أطراف الاتفاق النووي وجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 2231 – الاتفاق الرسمي لخطة العمل المشتركة الشاملة – بشكل كامل وصحيح ومن دون تمييز. يمكن للقرار الجديد إنشاء محكمة دولية خاصة لمعالجة الخلافات بين إيران والولايات المتحدة في تنفيذ الاتفاق النووي. علاوة على ذلك، يمكن للقرار إنشاء صندوق ضمان للتعويض عن الأضرار المحتملة الناجمة عن خرق طرف أو أكثر للاتفاق.

وختم الكاتب بالقول: قد يتفق 100 من الحكماء على أن إحياء اتفاق نووي محكوم عليه بالفشل لن يكون اتفاقاً مهماً على الإطلاق. لكن الاتفاق النووي الذي تم إحياؤه وتم إنشاؤه ليصمد، سيكون مدعاة للتفاؤل.

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم

اترك تعليقا