المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

كتاب “الشر”.. ماهيته وأسبابه

يطرح كتاب “الشر” للباحث لوك راسل، التساؤلات الفلسفية للبشر عن ماهيته وأسبابه، وكيف يتجاوز فهمنا وتحديدنا له من حيث كونه “سيئا” أو “خاطئا”.

وبحسب صحيفة “الشرق الأوسط”، يقول أستاذ الفلسفة بجامعة سيدني لوك راسل، إن الكتاب محاولة اقتراب من معنى الشر في الخيال الجمعي، وبما يفكر به المرء حين يسمع مصطلح “الشر”.

يتساءل راسل إن كان الناس يرون الشر كقصص الدراما والشاشات، مثل شخصية “فولدمورت” بسلسلة هاري بوتر، أو “رامزي بولتون” في “لعبة العروش”، ويمتلكون مثل هذه الرؤية النمطية عنه.

ويرى أن الناس حين تنظر إلى الشر من سياق هذه الأنماط، فالشر يصبح مخيفا وسيئا وبشكل مبالغ فيه، كما يبدو أن هناك شيء غير واقعي في الشر، بل ومضحك!.

يقول لوك راسل: “إن شخصية الشرير (دكتور إيفل) في سلسلة أفلام أوستن باورز تَبرز في هذا السياق نموذجاً قد يجعلنا نهتف: يا للطفولية، ما أسخف أن يرعبنا الشر!، وإذا بقينا نحصر تركيزنا في أمثلة كهذه فقد نخلص إلى أنه لا مجال لمفهوم الشر في التفكير الجاد بشأن الأخلاق”.

وبدورهم، يقوم الساسة المعاصرون دائما باتهام “أشرار” آخرين، في وقت يتهمون أنها محاولة لـ”شيطنة” خصومهم عبر تهييج العامة. ويخلص الفلاسفة إلى وجوب التشكك في وجود الشر، الذي يبدو وفق نظرتهم “مفهوما باليا”، ومع ذلك هو خطر.

الشر “سيئ” أم يتجاوزه؟

يعتبر راسل أن كلمة “الشر” ترادف في اللغة الإنجليزية لكلمة “سيئ”، وحين ننظر إلى معنى الشر من هذه الزاوية، تنتفي حدّية “الشر”، إذ يمكن للأمور السيئة أن تكون مجرد أمور تافهة، لذا يجوز أيضا أن توجد شرور طفيفة أو تافهة.

يوضح أستاذ الفلسفة هذا المعنى، بالقول: “افترضوا أنكم تواجهون موقفاً يمثل معضلة وتعيَّن عليكم الاختيار من بين خيارين سيئين، من الجائز أن تبرروا قراركم النهائي قائلين إنكم اخترتم أقل الشيئين سوءاً”.

وإذا رجعنا إلى قاموس “أكسفورد” للغة الإنجليزية للكشف عن أصل كلمة evil بمعنى (شر) أو (شرير)، سوف نرى أنها تطورت من الكلمة الإنجليزية yfel بمعنى “فوق” أو “زائد” أو “ما بعد”، كما تفيد التجاوز والتعدي، أي أن كلمة شرير كانت تستعمل ببساطة طوال قرون طويلة مرادفة لكلمات “سيئ ومزعج ومؤلم”.

ما هو “الفعل الشرير”؟

يستذكر لوك راسل في مؤلفه، ما حدث في عيد الفصح عام 2019 في سريلانكا، حين نفذ إرهابيون سلسلة تفجيرات في كنائس وفنادق أودت بحياة 259 شخصا. فغردت السياسية الأمريكية إليزابيث وارن في حينها، قائلة: “إن ذبح المصلين في كنيسة في أثناء شعائر الفصح لهو من كبائر الشر”.

يتساءل أستاذ الفلسفة عن مقصد وارن بهذه العبارة، لماذا لم تقل مثلا أن “القتل الجماعي خطأ”. اختارت وارن “الحديث بلغة الشر والخير لكي تدين التفجيرات بأشد لهجة ممكنة. المؤكد أن الشر ليس عادياً ولا من ضمن الإيقاع الرتيب للأمور ولا حدثاً يمر مرور الكرام، فهو مختلف ومميز، ولكن فيما بالضبط تختلف الأفعال الشريرة، هل من سمات خاصة تمتلكها تلك الأفعال تميزها عن زمرة الأفعال العادية غير الشريرة”.

يقدم لنا هذا، رؤية فلسفية مبدئية جدا عن الفعل الشرير، وفق راسل، فندما يفجر إرهابي مكانا مليئا بالأبرياء، قد يكون الفعل أسوأ بكثير من مجرد سرقة متجر أو الكذب.

وقد يكون تعريف الأفعال الشريرة أنها ببساطة أفعال بالغة الخطأ أو أفعال أسوأ بكثير من الأخطاء اليومية العادية. إذ يمثل الفعل الشرير أقصى رؤية متطرفة لـ”ارتكاب الخطأ”، ما يعني أنه ليس أكثر من فعل خاطئ جدا.

ويتطرق المؤلف إلى أن التعقيد ينشأ حين نُسأل عما يعنيه أن يكون فعل بعينه أشد خطأ من فعل آخر، أو حين نسأل من أي ناحية تكون الأفعال الشريرة حدية؟.

الشر مرتبط برعب أخلاقي

يصنف بعض الفلاسفة الشر على أنه أكثر من مجرد ارتكاب الخطأ العادي، فهو لا يختلف “كمّا” فحسب، بل يختلف “كيفاً” كذلك. ومن هنا ينشأ تعريف آخر مهم للشر، فالفعل الشرير لا يستحق وصفه بذلك، إلا إذا كان موضوعاً للرعب الأخلاقي.

يصل لوك راسل إلى نتيجة أن هذا التعريف للفعل الشرير يبدو دقيقا، إذ يسمح بتمييز الأفعال الشرير حقا عن الأفعال التي لا تعدو أن تكون مقززة أو منفرة أو مخيفة، من خلال أشكال غير ذات صلة بالأخلاق، كالتعذيب والإبادة، وغيرهما من الأخطاء الشنيعة المرعبة، وينسجم هذا التعريف كذلك مع الرؤية القائلة إن سرقة المتاجر ليست شراً، وفي المجمل فإن تعريف الفعل الشرير بأنه “الخليق بأن يرعب” يبدو مقنعاً بشدة.

اترك تعليقا