المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

كيف تصنف المعلومات السرية في أميركا وما درجاتها؟

كان أحد أسباب تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي لمقر إقامة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في فلوريدا، هو البحث عن وثائق سرية استحوذ عليها الرئيس السابق الذي أعلن حينها أنه رفع السرية عنها. فكيف تُصنف المعلومات السرية في الولايات المتحدة؟ ومن الذي يُصنفها؟ وما درجة حساسيتها؟ ومن يحق له رفع السرية عنها؟

قد تحتوي الوثائق التي طلبتها وزارة العدل الأميركية من الرئيس السابق دونالد ترمب، على مواد تتعلق بما وصفته صحيفة “نيويورك تايمز” بأنها تشمل بعض البرامج الأكثر سرية التي تديرها الولايات المتحدة، فيما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن وثائق سرية تتعلق بالأسلحة النووية، كانت من بين الأشياء التي طلبها عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي أثناء تفتيش منزل ترمب في بالم بيتش بولاية فلوريدا في 8 أغسطس (آب) الحالي.

ولأن حكومة الولايات المتحدة تمتلك كميات هائلة من البيانات المهمة، كان من الضروري في عصر الهجمات الإلكترونية المتزايدة وتفاقم الصراع المعلوماتي والاستخباراتي العالمي، اتخاذ إجراءات استثنائية في التعامل معها، والسبب في ذلك أن حكومة الولايات المتحدة ووكالاتها الفيدرالية، تعتبر هذه المعلومات حساسة بدرجة كافية بالنسبة للأمن القومي الأميركي، بحيث ينبغي حمايتها عبر تقييد الوصول إليها وتحديد من يطلع عليها ممن يمتلك تصاريح أمنية خاصة، تختلف درجاتها بحسب أهمية وحساسية المعلومات.

ما هي المعلومات السرية؟

المعلومات السرية هي المعلومات التي تتلقاها أو تنشئها وكالة حكومية أميركية أو متعاقدون معها، ويكون تسريبها أو الكشف عنها خطراً يُلحق أضراراً بالأمن القومي. وبحسب موقع “لوإنسايدر” القانوني، فإن المقصود بالمعلومات المصنفة سرية أي معلومات أو مواد، بغض النظر عن الشكل المادي لها أو خصائصها، وتكون مملوكة أو منتجة أو تحت سيطرة حكومة الولايات المتحدة.

وفي الواقع العملي، غالباً ما تشير المعلومات السرية إلى المستندات والسجلات التي تعتبرها الحكومة حساسة. ووفقاً للأرشيف الوطني الأميركي، يمكن للمعلومات السرية أن تتخذ أي شكل، فقد تكون المستندات الورقية هي الأكثر شيوعاً، ومع ذلك تُصنف كمعلومات سرية أيضاً، كل من الصور الفوتوغرافية، والخرائط، والصور المتحركة، وأشرطة الفيديو، وقواعد البيانات، والميكروفيلم والأقراص الصلبة والأقراص المدمجة، ولكن بغض النظر عن الشكل الذي تتخذه، يجب حماية المعلومات السرية إلى أن يتم رفع السرية عنها رسمياً.

من يصنف الوثائق؟

لا يمكن اعتبار المعلومات سرية إلا إذا تم اتخاذ قرار رسمي بأن نشرها سيعرض الأمن القومي للخطر. ومن الناحية النظرية، يقرر الرئيس المعلومات التي يتم تصنيفها سرية وأيها ليست كذلك، لكن في الممارسة العملية، يفوض الرئيس المسؤولية إلى وزرائه ورؤساء الوكالات، الذين قد يمنحون المسؤولية بعد ذلك لآخرين يعملون لديهم، لكن الرئيس هو المسؤول في النهاية عن هذا النظام، وهو الذي يوافق عليه ويصدره من خلال أمر تنفيذي رئاسي، حيث كان الرئيس السابق باراك أوباما هو من أصدر أحدث أمر تنفيذي رقم 13526 لعام 2009، والذي أضاف وعدل أوامر تنفيذية سابقة أصدرها كل من الرئيسين جورج دبليو بوش وبيل كلينتون.

ومنذ عام 1940، أدار الرئيس الأميركي نظام تصنيف المعلومات السرية بأمر تنفيذي، إذ يرجع تاريخ الحكومة في وضع العلامات والتحكم في المعلومات السرية الأمنية إلى الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك لا تزال هناك معلومات قليلة جداً تفي بمعايير التصنيف السري المستمر والتي تعود إلى ما قبل الحرب، ومنها ما تسيطر عليها وكالة الأمن القومي فيما يتعلق باستخبارات الإشارات، وما تسيطر عليه الخدمة السرية فيما يتعلق بحماية الرئيس، ومعلومات دار سك العملة الأميركية فيما يتعلق بمستودع السبائك الذهبية في فورت نوكس.

ثلاثة مستويات للسرية

تتوافق مستويات التصنيف السري مع مستويات الضرر المفترض في حالة تسريبها أو الكشف عنها، وهناك ثلاثة مستويات واسعة من المعلومات السرية. فالمعلومات التي يمكن أن تسبب ضرراً أقل بالأمن القومي إذا تم نشرها، تصنف على أنها “سرية في المستوى الأدنى”، ويشار إليها بعلامة حرف (سي) باللغة الإنجليزية. ووفقاً لستيفن أفرغود، خبير الأمن في اتحاد العلماء الأميركيين، فإن الآلاف من العاملين الحكوميين والمتعاقدين يمكنهم الوصول إلى هذه المعلومات، التي قد تشمل البرقيات الأساسية لوزارة الخارجية والمعلومات التي تقدمها حكومة أجنبية، وحتى لو لم تتضمن أسراراً شديدة الحساسية، فسيتم تصنيفها على أنها سرية لأن الإفراج عنها، من شأنه أن يعقد العلاقات الدبلوماسية مع الحكومة الأجنبية المعنية.

أما المستوى الثاني من التصنيف، فهي تلك المعلومات التي يمكن أن تسبب ضرراً خطيراً بالأمن القومي الأميركي، وتحصل على تصنيف “سري في المستوى الأعلى”، ويشار إليها بعلامة حرف (إس) باللغة الإنجليزية، ويمكن أن تدخل المعلومات حول ميزانية وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في هذا التصنيف، حسب ما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست”.

غير أن أعلى مستويات التصنيف السرية، تتعلق بالمعلومات التي يمكن أن تُحدث ضرراً جسيماً بشكل استثنائي بالأمن القومي، وتحصل على تصنيف “سري للغاية” ويشار إليها بعلامة حرفي (تي إس) في اللغة الإنجليزية. ويندرج تحت هذا التصنيف، عدد من التصنيفات الفرعية التي غالباً ما تتعامل مع الأجزاء التي تحتاج حماية أكبر للمعلومات الاستخباراتية الأميركية، وعلى سبيل المثال يمكن أن تتضمن المعلومات السرية للغاية، تصميم الأسلحة وخطط الحرب، والمعلومات المجزأة الحساسة، وهي فئة تشمل المعلومات المستمدة من المصادر والاستخبارات، والتي قد تكون معلومات تم استخلاصها عبر اعتراض إلكتروني أو معلومات جلبها مخبر بشري في بلد أجنبي.

ويقول جيفري فيلدز، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنوب كاليفورنيا، والمحلل الأمني السابق في وزارتي الدفاع والخارجية، إن الوثائق المتعلقة بالأسلحة النووية وتصميمها ومواقعها، لها مستويات تصنيف مختلفة تبعاً لحساسية المعلومات الواردة. وقد تظل المعلومات الأخرى مصنفة بدرجة عالية، ولكنها لا تعتبر حساسة، فعلى سبيل المثال، رفع الرئيس أوباما عام 2010 رفع السرية عن عدد الأسلحة النووية في مخزون الولايات المتحدة.

من يمكنه الوصول إلى المعلومات السرية؟

يخضع موظفو الحكومة والشركات الأمنية المتعاقدة معها لفحوصات خلفية للحصول على التصريح اللازم للوصول إلى المعلومات السرية، وكلما زادت حساسية المعلومات، تزايدت صعوبة عملية التحقق وفحص الخلفية التي يحتاجها الشخص للحصول على تصريح. وفي حين يوجد آلاف الأشخاص الذين يمكنهم الوصول إلى المعلومات السرية الأدنى (سي)، فإن عدداً قليلاً فقط من الأشخاص لديهم مستويات التصريح اللازمة للوصول إلى مستوى سري للغاية، ولا شك أن للرئيس حق الوصول إلى كل وثيقة وجميع المعلومات الاستخباراتية.

ويوقع الموظفون والمتعاقدون اتفاقيات عدم إفشاء أسرار حين تعيينهم، وعندما يغادرون عملهم للتأكد من أنهم لن يناقشوا المعلومات السرية التي تمكنوا من الوصول إليها أثناء العمل، وبمجرد توظيفهم من قبل مسؤول لديه سلطة تصنيف، يحصلون على تصريح أمني من خلال ضابط أمن من المكتب التنفيذي للرئيس، بعد اجتيازهم فحصاً شاملاً للخلفية يتعمق في التاريخ الشخصي لجميع المتقدمين للوظيفة، وبعضهم يختبر عبر جهاز كشف الكذب حسب درجة التصنيف المطلوبة.

ما أنواع الوثائق السرية؟

تحدد لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ أنواع الوثائق التي يمكن تصنيفها، وتشمل الخطط العسكرية والأسلحة والعمليات، ونقاط ضعف أو قدرات الأنظمة والمنشآت والمشاريع، والخطط المتعلقة بالأمن القومي، وتشمل كذلك المعلومات عن الحكومات الأجنبية، وأنشطة الاستخبارات ومصادرها وأساليبها، فضلاً عن العلاقات والأنشطة الخارجية للولايات المتحدة.

وتتضمن الوثائق والمستندات السرية أيضاً الشؤون العلمية أو التكنولوجية أو الاقتصادية المتعلقة بالأمن القومي، وبرامج حكومة الولايات المتحدة لحماية المواد أو المنشآت النووية، علاوة على علم التشفير والمصادر السرية.

مثال على وثيقة سرية؟

من الأمثلة الشهيرة لوثيقة سرية أو مجموعة من الوثائق التي تم تسريبها، ما يسمى “أوراق البنتاغون”، والتي أدى الكشف غير المصرح به في أوائل السبعينات من قبل دانيال إلسبيرغ، الذي كان يعمل محللاً في وزارة الدفاع، إلى قلب المناخ السياسي الأميركي، حيث كشفت الأوراق التي نشرتها صحيفتا “واشنطن بوست” و”نيويورك تايمز”، عن دراسة سرية عن الحرب في فيتنام، وهو ما يندرج ضمن تصنيف الخطط العسكرية أو الأسلحة أو العمليات.

إلى متى تظل المستندات سرية؟

تختلف المدة الزمنية لبقاء الوثائق والمستندات سرية حسب أهمية كل وثيقة، إذ تحدد سلطة التصنيف الأصلية موعداً لرفع السرية، عندما تشعر أن حساسية تهديد الأمن القومي قد انقضت، وفي هذا التاريخ يتم رفع السرية عن السجل تلقائياً. ومع ذلك هناك استثناء للإطار الزمني، إذا كان التصنيف سيكشف عن مصدر بشري سري أو مصدر استخبارات بشري أو مفاهيم تتعلق بتصاميم رئيسية لأسلحة الدمار الشامل.

وإذا لم يتمكن الشخص الذي صنف الوثيقة أو المستند من تحديد التاريخ المناسب لرفع السرية تلقائياً، فسيتم رفع السرية بعد 10 سنوات، أو 25 عاماً إذا كانت الوثيقة حساسة بشكل خاص، وبحسب صحيفة “يو إس أيه توداي”، لا يمكن تصنيف أي معلومات إلى أجل غير مسمى.

هل يمكن للرئيس رفع السرية عن المعلومات؟

للرئيس سلطة رفع السرية عن المعلومات، ولكن هناك عادة عملية إجرائية للقيام بذلك، تشمل التواصل مع الوزراء المعنيين أو رئيس الوكالة التي نشأت منها المعلومات، للتأكد من أن رفع السرية عنها لا يشكل أي خطر على الأمن القومي.

ووفقاً لفريق ترمب، فقد رفع الرئيس السابق السرية عن جميع الوثائق التي عُثر عليها في فلوريدا قبل مغادرته البيت الأبيض، ولكن من غير الواضح ما إذا كان ترمب قد عمل مع الوكالة الفيدرالية ذات الصلة بكل وثيقة، حسب “واشنطن بوست”.

هل يستطيع الرئيس إزالة المعلومات السرية من البيت الأبيض؟

بحسب خبراء الأمن، لا يستطيع الرئيس إزالة المعلومات السرية من البيت الأبيض، لأن هناك قوانين أخرى تحمي أسرار الدولة الأكثر حساسية بخلاف كيفية تصنيفها. على سبيل المثال، لا يمكن للرئيس رفع السرية عن بعض المعلومات الاستخباراتية والوثائق المتعلقة بالأسلحة النووية، لأن هذه المعلومات محمية بقانون مختلف، هو قانون الطاقة الذرية، فيما ينص قانون آخر، يسمى قانون “جمع المعلومات الدفاعية أو نقلها أو فقدها”، على أنه من غير القانوني إزالة الوثائق المتعلقة بالأمن القومي من مكانها الصحيح، بغض النظر عن مستوى تصنيف المعلومات الخاصة بها.

ويشير خبراء أمنيون إلى أن إزالة بعض الوثائق من البيت الأبيض من شأنه أن ينتهك أيضاً قانون السجلات الرئاسية، الذي يتطلب من الرؤساء الاحتفاظ بالسجلات الرسمية خلال فترة وجودهم في مناصبهم، والذي ينص على أن السجلات الرئاسية هي ملكية عامة ولا تخص الرئيس أو فريق البيت الأبيض.

وفي حين يعد انتهاك قانون السجلات جريمة مدنية وليست جنائية، فإن الذين يسربون معلومات سرية إما يتعرضون لغرامة أو حكم بالسجن لمدة عشر سنوات. ومع ذلك يستبعد فقهاء القانون توجيه اتهامات إلى الرئيس السابق، إلا في حالة توافر قرائن موثقة وقوية للغاية مع شهادات شهود، حيث تكشف القضايا المشابهة أن قانون التجسس الذي قد يجري التحقيق مع ترمب وفقاً له، يمكن أن يشكل منحدراً زلقاً للمدعين العامين.

ويشير موقع “القانون والجريمة” إلى أن القضاة يميلون إلى تخفيف العقوبة مع مسؤولين في درجات أدنى خلال محاكمات سابقة، حيث اكتفى القضاة بالغرامات المالية مع كبار المسؤولين الذين حوكموا بناء على انتهاكهم قانون التجسس. إذ حصل ديفيد بيتريوس الجنرال السابق ومدير وكالة الاستخبارات المركزية، على عامين تحت المراقبة وغرامة 100 ألف دولار لمشاركة معلومات سرية مع كاتب سيرته، بينما دفع مستشار الأمن القومي السابق ساندي بيرغر غرامة قدرها 50 ألف دولار لتسلل وثائق سرية من الأرشيف الوطني.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن كيفية تعامل ترمب مع الوثائق السرية تبدو أكثر تعقيداً، لأنه كرئيس كانت لديه سلطة رفع السرية عن الوثائق الحكومية، وقد أعلن أنه رفع السرية عن الوثائق التي كانت بحوزته قبل مغادرته منصبه، كما تشير المدعية الفيدرالية السابقة جينيفر رودجرز لموقع “بلومبيرغ”، إلى أنه ليس من المؤكد إذا ما كان ترمب في مأزق قانوني، لأن ما يعرقل توجيه الاتهام في قضايا المعلومات السرية مرتفع للغاية، ومن غير المرجح حدوث انتهاك جنائي لقانون السجلات الرئاسية لأسباب مختلفة، تتعلق باللغة القانونية للجرائم ذات الصلة والعقوبات المحتملة.

منقول من صحيفة إندبندنت عربية ـ طارق الشامي صحافي متخصص في الشؤون الأميركية والعربية

اترك تعليقا