المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

ماكرون وأصدقائه الديكتاتوريين!

يخطط الاتحاد الأوروبي، برئاسة فرنسا، لتقديم ملف الرئاسة المشتركة للاتحاد ومصر لقيادة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، وهو ما يثير تساؤلات بشأن سعي ماكرون لمساعدة نظام متهم دولياً بانتهاك حقوق الإنسان تحت ذريعة محاربة “الإرهاب”.

وبحسب موقع Middle East Eye البريطاني، تقدّمت فرنسا، التي ترأس حالياً مجلس الاتحاد الأوروبي، بالملف الذي يقترح رئاسة مشتركة بين أوروبا ومصر للمنظمة الدولية النافذة في مجال صياغة سياسات مكافحة الإرهاب العالمية.

ونشر موقع منظمة Statewatch البريطانية نسخةً من مذكرة مجلس الاتحاد الأوروبي بتاريخ الـ11 من يناير/كانون الثاني. وبحسب المذكرة، فقد طُرِحَت فكرة الملف المشترك المقترح لأول مرة بواسطة أعضاء الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية، وذلك أثناء اجتماعات مجموعة عمل بالاتحاد الأوروبي حول الإرهاب بين شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني.

ونصّت المذكرة على التالي: “يستطيع الاتحاد الأوروبي المساعدة في صياغة أجندة سياسة وممارسات مكافحة الإرهاب الدولي، وترويج قيم الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة الإرهاب، باعتباره رئيساً مشاركاً للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب”.

كما أردفت المذكرة أنّ مصر قد أعربت عن اهتمامها بتقديم ملفٍ مشترك، كما أنها “شريكٌ قديم للاتحاد الأوروبي، ورئيسٌ مشارك لمجموعة عمل المنتدى المختصة ببناء قدرات شرق إفريقيا”.

مكافحة “الإرهاب” حصان طروادة لنظام السيسي
تقديم ملف الرئاسة المشتركة مع مصر من جانب فرنسا لا يعني بالضرورة أن مجلس الاتحاد الأوروبي في بروكسل سوف يوافق على ذلك المخطط، الذي يراه خبراء حقوق الإنسان “غريباً” من حيث الشكل والمضمون والتوقيت أيضاً.

فالنظام المصري يواجه اتهامات عنيفة في مجال حقوق الإنسان، وفي القلب من تلك الاتهامات توظيف قوانين “مكافحة الإرهاب” لاستهداف المعارضين السياسيين، وكانت الهيئة المستقلة لخبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قد ناشدت السلطات المصرية، في فبراير/شباط من العام الماضي، رفع رامي شعث وزياد العليمي -معارضين سياسيين- من قائمة “الإرهابيين” لدى القاهرة، كمثال على هذا التوظيف سيئ السمعة.

ورامي شعث تحديداً كان حديث الأخبار في فرنسا وأوروبا بالتزامن مع الكشف عن تقدم فرنسا لملف الرئاسة المشتركة مع مصر للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، إذ أفرجت القاهرة مؤخراً عن الناشط السياسي بعد أن أجبرته على التنازل عن جنسيته المصرية، وبتدخل مباشر من السلطات الفرنسية نفسها، فماذا قال شعث؟ الناشط المصري-الفلسطيني قال إنه اتهم “بالانخراط في منظمة إرهابية”، من دون أن يتم تحديد المنظمة، ومؤكداً أنه سُجن بسبب “نضاله السياسي”.
وأضاف أن “فرنسا لعبت دوراً رئيسياً” في إطلاق سراحه، لكن “يمكنها ويجب عليها أن تفعل أكثر” من تسليم قوائم شخصيات مسجونة إلى السلطات المصرية. وتابع “هناك آلاف المعتقلين الآخرين الأقل شهرة… لكنهم يستحقون بالقدر نفسه الخروج من السجن، بغض النظر عن ميولهم السياسية”.

وكان آخر تقرير حول الإرهاب لوزارة الخارجية الأمريكية قد أدرج مصر ضمن الدول التي “تُؤثر فيها قضايا حقوق الإنسان المهمة على حالة النشاط الإرهابي في البلاد، وربما كان لها دورها في إعاقة سياسات مكافحة الإرهاب الفعالة”.

وفي سبتمبر/أيلول، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استغلت سياق مكافحة الإرهاب لمنح قوات الأمن “حرية التصرف في قمع كافة أشكال المعارضة، بحصانةٍ شبه مطلقة من العقاب على الانتهاكات الجسيمة”.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، مرّر البرلمان الأوروبي مشروع قانون يدعو إلى “مراجعةٍ عميقة وشاملة” لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر، كما استنكر استخدام السلطات المصرية تشريعات مكافحة الإرهاب ضد نشطاء حقوق الإنسان ومعارضي السيسي السياسيين.

وأدانت أوزليم ديميريل، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب اليسار الألماني، ملف الاتحاد الأوروبي المشترك مع مصر لرئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، مشيرة إلى واقعةٍ أخيرة للناشط المصري حسام منوفي محمود سلام، الذي تم اعتقاله أثناء رحلته من السودان إلى إسطنبول، بعد إجبار الطائرة التي كان يستقلها على الهبوط اضطرارياً في مطار الأقصر.

وصرحت أوزليم لموقع ميدل إيست آي قائلة: “نظام السيسي معروفٌ بانتهاك حقوق الإنسان. والتعاون مع زعيم الانقلاب الأوليغارشي، السيسي، بمثابة خيانة لكل أولئك الذين يُكافحون من أجل الحقوق الاجتماعية والديمقراطية في مصر”.

ماكرون ودعم الرئيس المصري
لكن هذه ليست المرة الأولى التي يقدم فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لنظيره المصري هدايا تستفز خبراء حقوق الإنسان والمدافعين عن الديمقراطية وحرية التعبير في فرنسا وأوروبا والعالم الغربي بشكل عام. فخلال زيارة السيسي لباريس أواخر 2020، تعرض ماكرون لانتقادات عنيفة وتم تنظيم تظاهرات رافضة للزيارة وطريقة تعامل ماكرون مع “ديكتاتور” متهم بتوظيف “مكافحة الإرهاب لأغراض سياسية”.

ونددت المنظمات الحقوقية في فرنسا بالسلطات المصرية لـ”استخدامها المسرف لتشريعات مكافحة الإرهاب للقضاء على العمل المشروع من أجل حقوق الإنسان وإلغاء أي معارضة سلمية”.

وقال أنطوان مادلين، المسؤول في الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، إحدى المنظمات الداعية إلى المظاهرة، “إننا مذهولون لرؤية فرنسا تمد البساط الأحمر لديكتاتور، في حين هناك اليوم أكثر من 60 ألف معتقل رأي في مصر”، لافتاً إلى أنه بعدما طلب ماكرون من السيسي خلال زيارة إلى القاهرة في مطلع 2019 “حماية حقوق الإنسان”، حصل منذ ذلك الحين “تصعيد في القمع” أفضى إلى “أخطر وضع في تاريخ مصر الحديث”. وقال إن “محامين وصحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان يتعرضون لملاحقات ومضايقات وقمع” في البلاد.

وأوضح أن “الانتقال من الأقوال إلى الأفعال” يعني “وقف صفقات بيع الأسلحة ومعدات المراقبة الإلكترونية من شركات فرنسية في الظروف الحالية، وإلا فستكون متواطئة في القمع”.

وبعد عام تقريباً من تلك الزيارة لباريس، تكشفت تفاصيل قيام شركات فرنسية متخصصة في الأسلحة والتكنولوجيا بتقديم أنظمة مراقبة شاملة للنظام المصري، في إطار التعاون الأمني والعسكري بين باريس والقاهرة في مجال مكافحة الإرهاب، لكن تلك الأدوات استخدمتها السلطات المصرية في مراقبة الجميع.

وكشف موقع استقصائي فرنسي عن تفاصيل صادمة تتعلق باستخدام “مصر معلومات استخباراتية زوّدتها بها فرنسا مخصصة لمكافحة الإرهاب، في قصف المهربين على الحدود مع ليبيا، ما أدى إلى سقوط مدنيين يحتمل أنهم أبرياء”.

وحصل الموقع الفرنسي على مئات من وثائق “الدفاع السرية” تتعلق بمهمة تسمى “سيرلي”، هدفها التعاون بين باريس والقاهرة في مكافحة “الإرهاب” في المنطقة الحدودية بين مصر وليبيا، لكن تلك الوثائق كشفت عن انتهاكات خطيرة شهدتها العملية العسكرية السرية التي تنفذها فرنسا في مصر، إضافة إلى ما قال الموقع إنه تواطؤ من الدولة الفرنسية في قصف المدنيين بالمهمة السرية التي بدأت قبل سنوات بين البلدين.

ومرة أخرى أثارت تلك التفاصيل حول الدعم الفرنسي للنظام المصري في التجسس على مواطنيه، بموافقة ماكرون وليس علمه فقط بحسب الوثائق السرية التي تم الكشف عنها، موجة من الانتقادات العنيفة للرئيس الفرنسي، لكن يبدو أن الرجل لا يبالي ويواصل تحالفاته المثيرة للجدل مع رؤساء وزعماء متهمين بانتهاك حقوق الإنسان.

وكان ماكرون الزعيم الغربي الوحيد الذي التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال زيارة الأول إلى جدة قبل شهرين، منذ اغتيال جمال خاشقجي الصحفي السعودي المعارض، مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018، وهي الجريمة التي اتهم الحاكم الفعلي للمملكة بالمسؤولية عنها.

توظيف ماكرون رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي
تتضمن مسؤوليات الرئيس المشارك للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب “توفير التوجيه والإدارة الاستراتيجية الشاملة لأنشطة المنتدى”. وتمت الموافقة على الملف في الـ12 من يناير/كانون الثاني، بواسطة لجنة الممثلين الدائمين في مجلس الاتحاد الأوروبي، التي تُمثل الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة.

وأكّد بيتر ستانو، المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، لموقع ميدل إيست آي، أن الاتحاد الأوروبي تقدّم مع مصر بملفٍ مشترك لرئاسة المنتدى العالمي، ومن المقرر أن يُسجل المرشحون المحتملون للرئاسة المشتركة اهتمامهم، بحلول نهاية الأسبوع الجاري.

لكن أحمد مفرح، المحامي الحقوقي المصري ومدير منظمة Committee for Justice بجنيف، قال لموقع Middle East Eye البريطاني، إن الملف الذي تم التقدُّم به يبدو محاولةً من الاتحاد الأوروبي “لمساعدة نظام السيسي على تجميل صورته، وأضاف أن الخطوة تُشير إلى استعدادٍ من جانب بعض مؤسسات الاتحاد الأوروبي لغضّ الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان، رغم المخاوف التي أُثيرت في الأمم المتحدة حول انتهاك مصر قوانين مكافحة الإرهاب.

ويبدو واضحاً أن الرئيس الفرنسي يقوم بتوظيف رئاسة بلاده الاتحاد الأوروبي سواء داخلياً استعداداً للانتخابات الرئاسية، أو خارجياً لدعم أصدقائه من الزعماء المتهمين بالديكتاتورية وانتهاك حقوق الإنسان.

وكان ماكرون قد عقد مؤتمراً صحفياً مطولاً خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، تحدث فيه عن رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي، وأسهب في شرح “رؤيته لدور القارة العجوز”، قائلاً إنه يريد لأوروبا أن تكون “قوية وذات سيادة كاملة وسيدة مصيرها”، على الرغم من أن رئاسة الاتحاد دورية، وتستمر 6 أشهر فقط، وقد لا يعرف مواطنو الاتحاد اسم الدولة التي تتولى الرئاسة من الأساس.

الخلاصة هنا هي أن ماكرون يواجه اتهامات “بالرقص مع الديكتاتوريين”، وهو الوصف الذي جاء في عنوان مقال نشرته وكالة بلومبرغ الأمريكية، لكن لا يبدو أن الرئيس الفرنسي يهتم كثيراً بتلك الاتهامات، فهل تنجح سياساته في نهاية المطاف في إبقائه في الإليزيه رئيساً لفترة ثانية؟

اترك تعليقا