المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

ما السيناريوهات المتوقعة في السودان بعد اقتتال “حميدتي” و “البرهان”

بعد أزمة سياسية مستمرة منذ سنوات، استيقظ السودانيون صباح 15 أبريل 2023، على صوت الاشتباكات المسلحة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، قبل أن تدخل الطائرات إلى ساحة القتال.

ويخشى مراقبون أن تتجه الأوضاع الميدانية في السودان إلى مزيد من التصعيد العسكري، وإمكانية سقوط مزيد من القتلى والجرحى وذهاب البلاد إلى حرب أهلية، خاصة مع عدم حسم الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الاشتباكات لأي منهما حتى لحظة كتابة هذا التقرير.

وبدأت الاشتباكات في مدن سودانية، مع إعلان قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو “حميدتي”، السيطرة على المطار وعلى القصر الرئاسي، ومنزل قائد الجيش، وأماكن استراتيجية بالخرطوم ومدن سودانية أخرى، من بينها مروي شمالي البلاد.

و”الدعم السريع” قوة مقاتلة يقودها “حميدتي”، وأسست في 2013 لمحاربة متمردي إقليم دارفور ثم لحماية الحدود وحفظ النظام لاحقاً، وهي تابعة لجهاز الأمن والمخابرات، ولا يوجد تقدير رسمي لعددها، لكنها تتجاوز عشرات الآلاف، وفق وسائل إعلام محلية.

وحصلت هذه القوات على الصفة القانونية للعمل في عام 2017، حيث تم إقرار قانون يمنحها صفة قوة أمن مستقلة.

ويظهر تعامل الجيش السوداني السريع مع هجمات قوات الدعم السريع، واستخدامه للطيران الحربي ضد أهداف ومواقع تلك القوات، وجود قرار لدى قيادة القوات المسلحة السودانية بإنهاء قوات “حميدتي”، وفق محللين.

تطورات الميدان

شدد الجيش السوداني على أن قواته تسيطر بشكل تام على مقرات الرئاسة والقيادة العامة وسط العاصمة، وعلى جميع القواعد العسكرية والمطارات في البلاد، كما قال إنه سيطر على مطار مدين مروى، لكنه توقع تجدد القتال في أي لحظة.

ورغم بيان الجيش السوداني، تقول وسائل إعلام محلية وعربية، إن الاشتباكات تجددت في المنطقة القريبة من القصر الجمهوري ومقر القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، علاوة على تصاعد حدة القتال حول مقر إقامة كل من البرهان وحميدتي باستخدام مختلف أنواع الأسلحة.

وبحسب مصادر سودانية، فإن قوات الدعم السريع تنتشر بكثافة في مقر التلفزيون الرسمي، مشيرة إلى أنها أمرت بعدم إذاعة أي بيان من أي جهة حالياً.

وأكد الجيش السوداني، أن أفراد الجيش “لا يسعون لتحقيق أي مكاسب شخصية وسيواصلون عملهم بكفاءة ومهنية ووطنية”، مشيراً إلى أنهم “لم يبدؤوا العدوان؛ وإنما قواتنا هي من تعرضت للهجوم من قبل القوات المتمردة”، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.

وشدد على أنه “سيتصدى لأي محاولة غير مسؤولة”، مبدياً أسفه لوصول البلاد لهذه المرحلة بسبب “أطماع قادة المتمردين”.

تصريحات البرهان وحميدتي

ومع استمرار الاشتباكات، أكد رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، الذي ظهر في لقطات تلفازية من مقر قيادة العمليات، أن قوات الدعم السريع هي من تحرشت بالجيش في منطقة المدينة الرياضية جنوبي الخرطوم.

وقال البرهان في تصريح لقناة “الجزيرة”: “كل المرافق الاستراتيجية والقصر تحت السيطرة، ولا أحد يستطيع دخول مقر القيادة العامة”.

وفي المقابل، أكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي) ، إنه “يأسف للقتال مع أبناء شعبنا لكن المجرم (البرهان) هو من أجبرنا على ذلك”.

وقال دقلو في تصريحات لقناة “الجزيرة الإخبارية”: إنّ “وضع قوات الدعم السريع جيد وإنها تسيطر على جميع المقار”، مؤكداً أن المعركة ستحسم خلال الأيام المقبلة.

واتهم حميدتي قادة الجيش بتنفيذ مخطط إجرامي يهدف إلى عودة الانقلاب، مبيناً أن الاشتباكات سوف تنتهي بعد استلام جميع المواقع العسكرية.

ومنذ 25 أكتوبر 2021، يشهد السودان احتجاجات شعبية تطالب بعودة الحكم المدني وترفض إجراءات رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الاستثنائية التي يعتبرها رافضوها انقلاباً عسكرياً.

حرب أهلية؟

الإعلامي والمحلل السياسي السوداني أمير سيد خليفة، يؤكد أن السيناريو المتوقع بعد هجوم قوات الدعم السريع، هو حسم تلك المليشيا والجلوس على طاولة جامعة لكل الأحزاب والحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا لتكوين حكومة تكنوقراط والتجهيز لانتخابات لفترةٍ أقصاها 3 سنوات.

ويقول خليفة في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: إنه “كان لا بد من حسم مليشيا الدعم السريع مبكراً؛ لكونها جثمت على صدر الشعب السوداني منذ العهد البائد، بسبب عدم ثقة المخلوع البشير بقوات الشعب المسلحة”.

ويضيف أن “الأحزاب المدنية (قوى إعلان الحرية والتغيير) جاءت الآن لتُعيد السيناريو نفسه، ولكن باءت خطتهم لإضعاف قوات الشعب المسلحة بالفشل”.

ويتوقع خليفة، أن تنجح القوات المسلحة السودانية في حسم المعركة ميدانياً والسيطرة على الأوضاع في مختلف المدن السودانية؛ لكونها مؤهلة و”لديها إمكانات مهولة لا تقارن بمليشيا متمردة لها أهداف عنصرية”.

ويرى أن قائد قوات الدعم السريع “حميدتي” يريد الخروج من عباءة الجيش؛ حتى لا يحاسبه القانون في أحداث فض اعتصام القيادة العامّة التي راح ضحيتها عديد من أبناء الشعب السوداني.

أما رئيس تحرير صحيفة الوطن السودانية أشرف إبراهيم فيقول إن السيناريوهات معقدة وتتجه إلى تعقيد أكبر، مستعرضاً الاشتباكات المسلحة في الخرطوم ومروي.

ويوضح “إبراهيم” في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن المعركة لم تحسم  لطرف حتى اللحظة، وهناك مطاردات وتدخل الطيران الحربي للجيش في التعامل مع قوات الدعم السريع، كاشفاً انضمام عدد من ضباط الأخيرة إلى الجيش.

ويلفت إلى أن التجاوب والدعم والانحياز الشعبي للقوات المسلحة “كبير وواضح في الطرقات ووسائل التواصل الاجتماعي”.

وخلص إلى أن الساعات القادمة ستكشف الرؤية بصورة أوضح، ولكن مايجري يشير بوضوح إلى أنه لا عودة للعلاقة بين الأطراف العسكرية كما كانت رغم وساطات أطراف خارجية وداخلية.

من جانبه يؤكد الكاتب والصحفي السوداني المستقل، الفاضل إبراهيم سالم، أن المعارك لا تزال مشتعلة بالمدن السودانية، وبحلول المساء، يمكن أن تكون هناك رؤية أولية حول مسار الحكم والقيادة.

ويقول سالم في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “مع الوضع الجديد سيتم إلغاء الاتفاق الإطاري، وإعلان حالة الطواري بالبلاد”.

ويتوقع أنه في حال لم يتم حسم المعارك خلال الساعات الـ72، سيدخل السودان حينها في حرب أهلية.

ويبين أن مدناً جديدة بدأت تدخل المعارك، على غرار كردفان ودارفور، إضافة إلى دخول سلاح الطيران؛ في محاولة لحسم المعركة.

وفي خضم الاشتباكات، أكدت قوى الحرية والتغيير، أن “عناصر المؤتمر الوطني المحلول تعاود الظهور للسطح وممارسة النشاط العلني الإجرامي وخلق الفتن، كأحد إفرازات انقلاب 25 أكتوبر، الذي أعاد تمكينهم الاقتصادي والمالي والوظيفي وحماية مصالحهم ودعم نشاطهم، في استفزاز واضحٍ للشعب السوداني”.

وقالت القوى في بيان لها: إن “الشعب السوداني قطع الطريق أمام عودة الاستبداد مرةً واحدةً وإلى الأبد، وقرر أن لا مجال للسير عكس عقارب التاريخ، وطوى الصفحة الأخيرة من حُكم نظامهم الدموي”.

اترك تعليقا