المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

ما سبب التوتر بين إيران وجمهورية أذربيجان؟

ترجمة خاصة لـ”المعهد العراقي للحوارـ أحمد الساعدي

تمر العلاقة بين جمهورية أذربيجان وجارتها إيران في حالة من التوتر والتصريحات المتشنجة بشكل غير مسبوق منذ أكثر من عام، ولطالما كانت العلاقات بين البلدين مصحوبة بتقلبات، لكن يبدو أن المسؤولين الرسميين وغير الرسميين في البلدين كثفوا من لهجتهم التصعيدية.

وفي أكتوبر من العام الماضي، اتهم كمال خرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي الإيراني للعلاقات الخارجية، جمهورية أذربيجان بإرساء أسس الحرب، فيما أجرى الجيش الإيراني مناورة بالقرب من الحدود.

من ناحية أخرى، انتقدت إلهام علييف الرئيس الأذربيجاني بشدة إيران وسياساتها في عدة مناسبات، وأعطت وسائل الإعلام في بلاده، التي عادة ما تظهر “ضبط النفس” تجاه إيران، في الأسابيع الأخيرة أعطوا الفرصة للأشخاص الذين رفضوا دعوتهم إلى برامجهم لسنوات.

وأعربت إيران عدة مرات عن قلقها من وجود إسرائيل ونشاطها العسكري في أراضي جمهورية أذربيجان واعتبرته تهديدًا لها.

وأدت المناورات العسكرية الأخيرة التي قامت بها إيران وجمهورية أذربيجان وتركيا إلى تأجيج التوترات السياسية بين إيران وجمهورية أذربيجان.

وفي الوقت الحالي، الوضع أشبه بالحرب الكلامية – لقد أظهرت كل من إيران وأذربيجان لبعضهما البعض الجرح الذي يمكن أن يضعوا أصابعهم عليه لإثارة قلق الطرف الآخر.

وبدأت المحطات التليفزيونية الأذربيجانية التي تسيطر عليها الدولة في استخدام عنوان “أذربيجان الجنوبية” لمخاطبة الشعب التركي الأذربيجاني – أي المقاطعات الأذربيجانية في إيران.

لكن ما سبب التوتر الجديد في العلاقات؟

كان أحد أسباب الانتقاد المتزايد لسلطات جمهورية أذربيجان هو نهج إيران تجاه أرمينيا والتغيير المحتمل في حدود المنطقة.

وفي الأسابيع الأخيرة، أعرب الخبراء ووسائل الإعلام في جمهورية أذربيجان عن قلقهم إزاء جهود طهران ويريفان لتوثيق العلاقات وقالوا إن إيران قد تستخدم أرمينيا “كقوة بالوكالة” ضد جمهورية أذربيجان.

خلال حرب كاراباخ الثانية في عام 2020، وصف زعيم الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي هذا الصراع بأنه “مرير ويهدد أمن المنطقة” وقال “يجب تحرير جميع أراضي جمهورية أذربيجان التي احتلتها أرمينيا”.

وفي 3 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، كتب موقع Musavat.com (صحيفة الكترونية اذربيجانية)، عن الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان إلى طهران: “على مدى الثلاثين عامًا الماضية، وقفت إيران إلى جانب أرمينيا، التي ارتكبت إبادة جماعية ضد أذربيجان المسلمة والأراضي المحتلة والتي تعتبر أرض المسلمين، ويبدو انها تريد البقاء مع ارمينيا”.

وقال برنامج حواري سياسي على التلفزيون العام يوم 2 نوفمبر إن إيران كشفت عن “سياستها الحقيقية” تجاه أذربيجان، حيث إيران وأرمينيا الآن “على نفس الجانب من الخندق” وإيران تعتبر أرمينيا “وكيل وسيط” ضد جمهورية أذربيجان.

كما أذاع التليفزيون العام كلمة لناشط سياسي إيراني يُدعى محمود علي جهرغاني، انتقد فيه التقارب الأخير بين طهران ويريفان، “عدو الأذربيجانيين”، وقال إن القنصلية الأرمنية التي سيتم افتتاحها في مدينة تبريز شمال غرب إيران “ستزال من الأرض”.

بدوره، قال موقع (اوراسیا نت) الذي يغطي الأخبار في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى، في تقرير الأسبوع الماضي إن الناشط جهرغاني لم يُسمح له بدخول أراضي جمهورية أذربيجان منذ عام 2006 وأنه ناشط سياسيًا من واشنطن.

وأفاد موقع Ordu.az العسكري أنه خلال زيارة باشينيان لطهران، ربما تكون أرمينيا وإيران قد اتفقتا على اتخاذ “إجراءات استفزازية” ضد أذربيجان لإحباط خطط باكو لبناء خط نقل بين البر الرئيسي لأذربيجان ومنطقة ناختشيفان، مما يعطل الطريق الجنوبي لأرمينيا، التي يسميها باكو ممر زانغزور.

وقالت صحيفة “خلق” الاذربيجانية، إن أرمينيا تعتبر إيران وسيلة لمنع إنشاء معبر زنغزور وحل الخلل العسكري بين جمهورية أذربيجان ونفسها، كما أن أرمينيا تخطط لشراء طائرات بدون طيار وصواريخ بعيدة المدى من إيران.

وقالت ييجانا هاجيفا، محللة سياسية، لصحيفة خلق اليومية: “صحيح، إيران حرة في بيع الأسلحة لمن تريد. لكنه يعلم جيداً أن الأسلحة المباعة لأرمينيا ستُستخدم ضد إخوانه الشيعة [في جمهورية أذربيجان] … ستؤدي عسكرة أرمينيا حتماً إلى توتر واحتجاجات في المجتمع الإيراني، ونتيجة لذلك ستشتد الاحتجاجات الحالية في ايران”.

من جهتها ، وصفت قناة “سحر” التلفزيونية الرسمية الإيرانية الناطقة بالأذرية اعتقال “جماعة مسلحة دربتها إيران” في جمهورية أذربيجان بأنه “قمع شبيه بقمع ستالين” من قبل حكومة باكو.

كما اتهمت هذه الشبكة تلفزيون أذربيجان بـ “دعاية هواة معادية للإسلام” وقالت إن هذا جزء من “عداء حكومة إلهام علييف للإسلام”.

مناورة “مثيرة للجدل”

قوبلت المناورات العسكرية الإيرانية المكثفة الأخيرة على الحدود مع جمهورية أذربيجان بردود فعل سلبية.

في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصدر الوفد الإسلامي لمنطقة القوقاز بيانًا يرفض كلام وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ، الذي عبّر عنه سابقًا خلال زيارته إلى أرمينيا، والمناورات العسكرية الإيرانية الأخيرة على حدود جمهورية أذربيجان.

ونقلت وسائل إعلام آذربيجان عن هذا البيان وكتبت أن “دعم إيران الشامل لسياسة احتلال أرمينيا أثار غضب مسلمي أذربيجان لسنوات عديدة”.

وقال وفد القوقاز في تعليقه على التدريبات العسكرية المكثفة في شمال غرب إيران، إن جمهورية أذربيجان تمكنت من منع أي تهديدات واستفزازات على حدودها.

وقال البيان ان “المواجهة بين الجيران المقربين والاخوة لا تفيد إلا الأعداء”. كما انتقد هذا الوفد الخطة الجارية لفتح القنصلية الأرمنية في تبريز.

وفي غضون ذلك، زاد التلفزيون الحكومي لجمهورية أذربيجان من انتقاده لإيران.

في برنامجه الإخباري الأسبوعي يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي ، قارن “التلفزيون العام” الحكومة الإيرانية بـ “كابوس يطارد الناس تحت ستار الدين على مدى السنوات الـ 43 الماضية”. تحدث هذا التلفزيون عن استمرار الاحتجاجات في إيران.

وأجرى التليفزيون العام مقابلات مع أشخاص من شوارع باكو، قال خلالها كثيرون إن لديهم وجهة نظر سلبية تجاه إيران بسبب دعم إيران لأرمينيا.

ويأتي كل هذا التوتر بينما اتفقت إيران وجمهورية أذربيجان على بناء طريق سريع جديد يربط ناختشفان، وردا على ما وصفته بالتهديدات الإيرانية ، قالت قناة “آز تي في” الحكومية إنها “ترسل تحياتها” إلى الأذريين الإيرانيين بقصيدة لمحمد حسين شهريار تدعو أذربيجان إلى الاستيقاظ.

وسخرت قناة AzTV من الأغنية التي بثتها قناة سحر الإيرانية التي حذرت جمهورية أذربيجان من “حفر قبرها”.

وقالت القناة التي تعرض صورًا للغارات الجوية التي شنها جيش البلاد في حرب ناغورنو كاراباخ عام 2020: “هذا صحيح، أذربيجان تحفر قبرًا، لكن ليس لنفسها ولكن لأعدائها، وإذا كنت تريد أن تكون في هذه القائمة، فالأمر متروك لك. لكن يا أبي تذكر أن القبور التي تحفرها أذربيجان عميقة جداً”.

واتهمت القناة طهران بـ “بذل كل ما في وسعها لمنع أرمينيا من توقيع اتفاق سلام مع أذربيجان” وحذرت البلاد من تجاوز “الخطوط الحمراء لأذربيجان”.

وفي إشارة إلى استمرار الاحتجاجات الشعبية في إيران، قالت قناة الاذربيجانية “إنه من الأفضل لطهران أن تتعامل مع مشاكلها”.

وفي 30 أكتوبر، نشر موقع Haqqin.az الموالي للحكومة الاذربيجانية مقالاً بعنوان “هل ستتمكن أذربيجان من صد هجوم إيراني بطائرة بدون طيار؟”.

ونُقل عن ديفيد جندلمان، الخبير العسكري الإسرائيلي، في هذا المقال قوله إن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية الصنع التي تستخدمها جمهورية أذربيجان كافية لإغلاق المجال الجوي الأذربيجاني أمام الطائرات الإيرانية بدون طيار.

استدعاء السفراء

سفير جمهورية آذربيجان في إيران “علي علي زاده”

وعلى وقع هذا التوتر، استدعت إيران مؤخراً سفير اذربيجان لدى طهران “علي علي زاده”، فيما ردت باكو على استدعاء السفير الإيراني “عباس موسوي”.

وقالت الوكالة الرسمية الإيرانية “إيرنا”، إنه “تم اليوم استدعاء سفير جمهورية اذربيجان لدى طهران، علي علي زاده من قبل مساعد وزير الخارجية الإيراني والمدير العام لشؤون دول أوراسيا بوزارة الخارجية”.

وأضافت إن “المسؤول الإيراني أبلغ السفير الأذربيجاني مستوى عدم الرضا والاحتجاج الشديد من جانب إيران على التصريحات غير الودية التي صدرت من قبل كبار المسؤولين في جمهورية أذربيجان والصورة السوداء التي تتناقلها وسائل الإعلام لهذا البلد عن إيران”.

وأضاف المسؤول الإيراني “نتوقع أن تنتهي هذه العملية في أقرب وقت ممكن وسيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تكرارها”.

بدوره، أعرب سفير جمهورية أذربيجان علي زاده، عن أسفه للوضع، مشيراً إلى أنه “سينقل على الفور احتجاج إيران إلى المسؤولين في العاصمة باكو”، وفق الوكالة الرسمية الإيرانية.

وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، رد الثلاثاء الماضي، على تصريح الرئيس الأذربيجاني إلهام عليوف، الذي وجه تهديدات مبطنة إلى طهران على خلفية إجراء مناورات عسكرية بالقرب من الحدود مع أذربيجان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقال كنعاني في بيان صحفي رداً على ذلك “إن سياستنا الأساسية تقوم على حسن الجوار وتوسيع العلاقات مع جميع الجيران، وتعزيز العلاقات مع كل جار لا يعني علاقات ضد جار آخر”، مضيفاً إن “سبب قلق رئيس جمهورية آذربيجان غير مفهوم وواضح لنا”.

وقال إلهام عليوف، إن “جيشنا أظهر البطولة والاحتراف والتضحية وإذا لزم الأمر سوف نظهر ذلك مرة أخرى وسوف نحصل على ما نريد والجميع يعرف ذلك”، مضيفاً “أولئك الذين يجرون تدريبات عسكرية لدعم أرمينيا على حدودنا يجب أن يعرفوا ذلك جيداً”.

وأوضح كنعاني “منذ عامين وأذربيجان تجري مباحثات مختلفة مع أرمينيا بشأن السلام ومن غير المفهوم لما هم قلقون من اللقاءات التي نجريها مع الجوار بشكل طبيعي”، معتبراً أن “المناورة التي قامت بها إيران مؤخراً عند الحدود مع آذربيجان طبيعية وتم إعلامهم بها عبر القنوات الرسمية”.

وتابع المتحدث باسم الخارجية الإيرانية “حل مشاكل القوقاز يكون عبر عواصم دول المنطقة وليس غيرها وندعم الحل بين آذربيجان وأرمينيا بقوالب مختلفة”.

وانتقدت جمهورية أذربيجان التدريبات والنشاط العسكري على حدودها مع إيران، فيما تزعم طهران إن الهدف من هذه التدريبات هو إسرائيل.

وتشترك محافظة أذربيجان الشرقية الإيرانية في 200 كم مع جمهورية أذربيجان و 35 كم مع أرمينيا، في حين أنها المحافظة الوحيدة في الشمال التي تقع على حدود إيران مع أرمينيا.

اترك تعليقا