المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

ما وراء الهجوم الأوكراني في إقليم خاركيف

جاء الهجوم الأوكراني بمنطقة خاركيف، والذي تقول كييف والمصادر الغربية إنه استعاد نحو ألف ميل من الأراضي من روسيا، ليكسر الجمود في الحرب، ويثير تساؤلات حول كيف حققت كييف هذه النجاحات فجأة، وما مدى أهميتها وهل تؤدي إلى تغييرات جذرية في مسار الحرب؟

وعلى مدار أربعة أيام أو أكثر شنت أوكرانيا هجوماً مضاداً في إقليم خاركيف بشمال شرق البلاد، وصفه الإعلام الغربي بأنه يشبه الحرب الخاطفة (طريقة حرب ميزت ألمانيا النازية)، حيث تقدمت نحو 75 كم واستعادت مدناً رئيسية هي بالاكليا وإيزيوم وكوبيانسك.

وأدت المكاسب السريعة التي حققتها أوكرانيا في منطقة خاركيف إلى إضعاف سيطرة روسيا على شمال شرق أوكرانيا، التي استخدمتها كمنطلق لشن حربها منذ فبراير/شباط 2022. 

ويعد السقوط السريع لمدينة إيزيوم في إقليم خاركيف تحديداً أسوأ تراجع لروسيا منذ أن أُجبرت قواتها على الانسحاب من العاصمة الأوكرانية كييف في مارس/آذار 2022.

أهمية الهجوم الأوكراني بمنطقة خاركيف

ولفهم أهمية هذه المنطقة، يجب ملاحظة أن إقليم خاركيف عاصمته هي مدينة خاركيف ثاني أكبر مدن أوكرانيا من حيث عدد السكان ومعقل لصناعات البلاد خاصة العسكرية.

ونحو نصف سكان المدينة والإقليم من المتحدثين باللغة الروسية، وكانت المدينة من معاقل الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانكوفيتش الذي أدى عزله في انتفاضة الميدان الأوروبي إلى احتجاجات مؤيدة له في شرق البلاد وجنوبها عام 2014، وكانت خاركيف هي أحد معاقل هذه الاحتجاجات التي وصلت إلى ظهور حركة محدودة تطالب بضم المدينة لروسيا.

فالمدينة التي كانت عاصمة للبلاد لفترة خلال الحكم السوفييتي، كان ينظر لها تقليدياً بأنها من أقرب المدن الأوكرانية لروسيا، وفي بداية الحرب الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، هاجمتها القوات الروسية، وكان يتوقع أن تسقط في أيديهم بسرعة، ولكنها صمدت، وظلت في أيدي الأوكرانيين، ثم أوقف الروس محاولاتهم لمحاصرتها، ولكن ظلوا يسيطرون على مناطق بإقليم خاركيف نفسه خاصة أنه متاخم للحدود الروسية.

والآن يتحول إقليم خاركيف في شمال شرق أوكرانيا إلى بؤرة للأحداث، خاطفاً الأضواء من إقليم دونباس بشرق البلاد، وكذلك جنوب البلاد المطل على البحر الأسود.

مدن أوكرانية باتت بلا كهرباء

قال مراسل لرويترز إن خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، غرقت في ظلام دامس مساء الأحد 11 سبتمبر/أيلول 2022 بسبب انقطاع التيار الكهربائي، ولم يتضح حتى الآن سبب الانقطاع في المدينة الواقعة شمال شرقي البلاد.

في حين جرى تداول تقارير، لم يتسن التأكد من صحتها، على مواقع التواصل الاجتماعي عن انقطاع التيار الكهربائي في أماكن ومناطق أخرى.

من جانبه، قال فالنتين ريزنيشنكو، حاكم منطقة دنيبروبتروفسك إن القوات الروسية قصفت البنية التحتية للطاقة في المنطقة الواقعة بوسط أوكرانيا الأحد، مما أدى إلى انقطاع إمدادات الكهرباء عن عدة بلدات.

كتب ريزنيشنكو على تليغرام يقول: “بعض البلدات والقرى بدون كهرباء. لقد أصاب الروس البنية التحتية للطاقة. لا يمكنهم تقبل الهزائم في ساحة المعركة”. وأضاف: “سندبر الأمر. جميع الخدمات قيد التشغيل. سنعيد كل شيء في أسرع وقت ممكن”.

في حين قال أوليج سينهوبوف، حاكم منطقة خاركيف بشمال شرق أوكرانيا، إن انقطاع التيار الكهربائي وإمدادات المياه أصاب عدة أنحاء بالمنطقة الأحد، بعد قصف القوات الروسية لمنشآت بنية تحتية.

كتب سينهوبوف على تليغرام: “قصف المحتلون (الروس) البنية التحتية الحيوية في مدينة ومنطقة خاركيف”. وأضاف: “لا توجد إمدادات كهرباء أو مياه في العديد من التجمعات السكنية. وأدت الضربات لاندلاع حرائق وتعمل أطقم الطوارئ.. على احتواء النيران”.

اتصالات روسية فرنسية 

في الوقت نفسه، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون محادثات بشأن السلامة في محطة زابوريغيا النووية في أوكرانيا حمَّل خلالها بوتين القوات الأوكرانية مسؤولية تدهور الأوضاع هناك بينما وجه إيمانويل ماكرون أصابع الاتهام إلى القوات الروسية في ذلك.

لا تزال الأوضاع في أكبر محطة نووية في أوروبا تثير قلقاً دولياً بالغاً. وتتبادل روسيا وأوكرانيا الاتهامات بقصف محيط محطة زابوريغيا، الأمر الذي قد يتسبب في تلوث إشعاعي كارثي.

فيما سلط بيانان منفصلان عن المحادثات من الكرملين وقصر الإليزيه الرئاسي الفرنسي الضوء على الصعوبات في سبيل التوصل إلى اتفاق لضمان السلامة في الموقع.

ذكر البيان المنشور على موقع الكرملين على الإنترنت أن “الجانب الروسي لفت الانتباه إلى الهجمات الأوكرانية المنتظمة على مرافق المحطة، بما في ذلك مخازن النفايات المشعة، وهو أمر محفوف بالعواقب الوخيمة”. ودعا البيان “لتحرك غير مسيّس” بشأن الوضع في المحطة بمشاركة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

خطر يواجه القوات الروسية 

من جانبها، قالت الرئاسة الفرنسية في بيانها إن احتلال القوات الروسية للمحطة هو ما يعرضها للخطر. وأضاف الإليزيه “طلب (ماكرون) من القوات الروسية سحب أسلحتها الثقيلة والخفيفة منها (زابوريغيا) واتباع توصيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لضمان السلامة في الموقع”.

كما دعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إقامة منطقة أمنية حول الموقع. وقالت الوكالة الأحد إنه جرى إصلاح خط طاقة احتياطي لمحطة زابوريغيا، وذلك لتزويد المحطة بالكهرباء الخارجية التي تحتاجها لتبريد مفاعلاتها. وأعلنت شركة إنرجو أتوم، وهي الهيئة الحكومية المسؤولة عن تشغيل المحطات النووية في البلاد، في وقت سابق أنها أوقفت بالكامل العمليات في زابوريغيا كإجراء وقائي.

في حين قال بيان الإليزيه إن ماكرون سيظل على اتصال بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي “وكذلك المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسيتحدث مرة أخرى في الأيام المقبلة مع الرئيس بوتين ليتسنى التوصل إلى اتفاق لضمان الأمن في محطة الكهرباء”.

اترك تعليقا