المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

مداخلة هاشم حسن

اشعر بسعادة غامرة على أن الكرة الرسمية التي بدأت مارثونها  أمس عادت إلى ملعبها الحقيقي- جامعة بغداد- وكنت أتمنى ان هذا الهرم يقلب ويصبح الغد هو اليوم واليوم بدل الأمس، في رسالة لهذه الجامعة الأم في أول دليل لجامعة بغداد في 1959 كتب عبد الجبار عبد الله يقول: لماذا تم اختيار هذا المكان- شبه الجزيرة- لإتاحة الفرصة للعلماء والمفكرين ان ينضجون الأفكار..! لأنها هي مصدر خصب، لأنها سابقة لزمانها، وبعد ذلك عندما تنضج الأفكار تخرج من العزلة ونمد الجسور إلى المجتمع ليتحاور ويفكر.

دعوني أيضا ان استذكر بهذا المكان رواية لها مغزى ولها معنى.. هيكل محمد صادق التي أخذها من قواعد الحب السبعة وهي: يرى ثم يقرر، ويحب ثم يتحاور، وبعد ذلك يدخل مرحلة الندم يقول “الفكر البشري اعتادوا ان يخوضوا كل هذه المراحل السبع يتألمون ثم بعد ذلك يقررون الحلول والحوار”.. أتمنى ان نخرج بكل خلاصات البشرية حتى تعوضنا بالزمن وتعوضنا الخسائر. للأسف تجربة العراق أنها بدت بكل هذه المراحل وما زلنا حتى هذه اللحظة.. اعتقد المشكلة عندما يلقى علي المسالة التي تتعلق في مجال الإعلام فالمشكلة هي أزلية والمشكلة بالاتصال والتواصل التي بدأت منذ العصر الحجري الى العصر النووي.. هذه المشكلة كادت ان تشغل الدنيا كلها، وتشغل رب العالمين في كل الكتب السماوية حيث بدأت منذ هابيل وقابيل، ومشكلة ادم مع التفاحة، ومشكلتنا بالعصر الراهن..
 إذن هذه المشكلة من رئيس البرلمان الى شجار الأطفال في رياض الأطفال بحاجة ماسة- وهذه نقطة أساسية- ليس لتربية إعلامية. في الجامعات الأمريكية الان يدرسون التربية الإعلامية وانا أقول كنا ندرس التربية الاتصالية، كيف نتعامل مع وسائل الاتصال من رياض الاطفال حتى الجامعات. المشكلة سواء كانت اتصالية او سياسية واقتصادية لا نريد ان نتفلسف على العالم، فهي تنحصر بكلمتين فقط:
 أولا الإرادة بكل ما تعني ببعدها الفلسفي والفكري ومنظوماته، أي نوع من الإرادة في العراق؟ أي نظرية في مجال الاقتصاد والسياسة والفقه والثقافة لم نؤسس. والدستور وضع خطوط عامة لم نخرج بها بقوانين ونؤسس لإرادة واعية عراقية وطنية واضحة تعلم من رياض الاطفال.. نحن نختلف الان على النشيد الوطني واوقفنا الخلاف على شكل راية العراق وعلم العراق، هذه ثوابت يجب ان نعمقها.
ايضا المسالة المهمة جدا بعد الإرادة هي الإدارة واقصد الإدارة الإستراتيجية العليا لبناء الدولة، الانسان المناسب في المكان المناسب من رئيس البرلمان الى المربية في رياض الاطفال.. كيف نستطيع ان نعيد النظر بهذه الاستراتيجيات ونضع الكرة في ملعب اصحاب الاختصاص؟

نأتي لمسالة مهمة جدا عندما نتحدث عن الإعلام، هنالك مفهوم ضروري يجب ان ننظر له، هل الإعلام بدا يعتمد على نظرية الطلقة السحرية ويخلق كل شيء؟ هذه النظرية أصبحت بالية وفاسدة، الإعلام هو انعكاس للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي. نعم قد يكون هناك تناوب بالأدوار ولذلك علينا ان نعتمد على نظريات جديدة مثل نظرية الاجندة او الغرس الثقافي..  الغرس الثقافي يراد له الرؤية الواضحة ويراد له إدارة حكيمة، وقبل كل هذا وذاك يجب ان نتساءل على طريقة سقراط -اسمحولي ان اعبر بتعبيرات سيميائية: هل قتل العراق؟ من قتل العراق؟ وكيف قتل؟ قل اذا كان قد قتل العراق لابد ان تشرح الجثة ويسُأل القاتل عن هذه الجناية حتى لا يكون مرة أخرى هو الذي يقتل القتيل ويمشي في جنازته، واذا كان العراق مريضا فمن تسبب بهذه الفيروسات، علينا ان نبعده ونحصن العراق من مرض اتي.

عندما ندخل بتفاصيل المشهد الإعلامي العراقي- وأنا أعيش هذا المشهد منذ أربعين سنة ممارسا ومفكرا وباحثا في هذا المجال- في العراق أصوات متعددة لوطن واحد، وليس عيبا بتعدد الأصوات لكن العيب إننا لم نلتزم بثوابت وطنية. الجسد الإعلامي العراقي كان يقول سقط النظام وكان هنالك 3000 صحفي مسجلين بنقابة الصحفيين، أقول وعلى مسؤوليتي الأخلاقية ان 2000 كان مشكوك بمهنيتهم، الان يصل عدد الصحفيين وينطبق عليهم مثل مظفر النواب “تكرشت بيروت حتى عادت بلا رقبة” 30000 صحفي، واستطيع ان اقول 48000 هنالك شك في ولائهم وانتمائهم وحرفيتهم، ماذا يفعلون؟ هؤلاء ينتشرون على خارطة الاعلام ويفجرون الازمات ويسقطون اخلاقيات المهنة، بعد ذلك ان نسأل: من اين لك هذا تمويل؟ هذه الفضائيات من اين؟ هل يهبط من السماء؟ بل من دول الجوار ودول كبرى وشخصيات ومقاولين وسياسيين.. بعد ذلك هل هذا الإعلام هو إعلام وطن ومواطن يستطيع ان ينتقد ويستطيع ان يحلل ويقوم؟ كلا ورب الكعبة.
نأتي على البنية التحتية ايضا القانونية والتشريعية، هناك قانون 65 و 66 الأمريكان لم يأتوا بمعجزة، كل خبراء العالم قدموا لنا مؤشرات 65 هيأة اعلام والاتصالات، 66 شبكة اعلام .. هياة الاعلام والاتصالات والمنظومتين مهمتهما تنظيم الاعلام واداء الاعلام الوطني. اعلام دولة هل تتوفر فيه قيادات اختصاصات، هل نجحت كل هذه السنوات؟ وهل نستطيع ان نعرق هذه القوانين؟ وحتى لو عرقت هل نستطيع ان نتخلص من المحاصصة وتصبح هذه منظومات لوطن المستقبل، والاعلام الجديد الذي نحلم بان يكون له دور؟ اقول ايضا ولا اريد ان اطيل فيه اشكاليات كثيرة.

ناتي ايضا للحاجة لقوانين جديدة، حق الحصول على المعلومات، ليس لحق الصحفيين فهو حق للمواطن ان يعرف ماذا يجري في البرلمان وخلف الكواليس وما يجري في جبهات القتال، هذا الحق ايضا ينظم العلاقة، موظف الدولة الان الشرطي البسيط عندما يجد صحفي يريد ان يصور مشهد معين لانفجار يمنع الصحفي لانه يعتقد ان هذا خرق لأمن الدولة ولا يعتقد ان هذا حق للناس، هذه الثقافة غير موجودة، اذا اجهزة الدولة عندما تعرف ان الكشف الاقصى وحدود معينة ستنظم العلاقة وهناك قوانين اخرى، في الحقيقة السنا بحاجة لقانون ينظم استخدام وسائل التواصل الاجتماعية؟ ذهبت للصين فوجدت الفيسبوك ممنوع، نحن لا ندعو للمنع ولكن يجب ان يكون هنالك قانون واضح يربي الناس على كيفية استخدام هذه الوسائل فهنالك ضوابط وهنالك من يشتم الانبياء وقد تجد 200 تعليق يقول “منور” دون ان يتمحص، ايضا لا بد من تغيير قانون النقابات فقانون نقابة الصحفيين يتضمن ديباجات لتمجيد النظام العنصري السابق، وايضا هناك قرارات مجلس قيادة الثورة تعامل رؤساء النقابات وكأنهم رؤساء الى الابد. هذه النقابات التي تضخمت يجب ان يعاد صياغتها ديمقراطيا لتؤدي وظيفة.
نحن نتأمل ولست اول من دعا لذلك لتشكيل مجلس أعلى للثقافة والصحافة والفنون ضمن قانون معين، وايضا تفعيل القوانين ذات الصلة بالاعلام، ونحن بحاجة ماسة لاستراتيجية وطنية لانقاذ العراق من كل اشكال التدهور.

اترك تعليقا