المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

مستقبل السياسة الخارجية التركية إذا وصلت المعارضة إلى الحكم

لم تتبقَّ إلا أيام قليلة على يوم الحسم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، التي ستُعقد في الـ14 من مايو/أيار 2023، والتي ينافس فيها الرئيس رجب طيب أردوغان، مرشح المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو.

حتى الآن تتأرجح استطلاعات الرأي بين الرجلين؛ مما يشير إلى صعوبة أي منها على حسم نتيجة الانتخابات من الجولة الأولى، كما يقول عدد من المحللين السياسيين، مما يفتح الباب للحديث عن ماذا لو وصلت المعارضة إلى الحكم بعد 22 عاماً من تربّع أردوغان على عرش البلاد.

يضع هذا الاحتمال السياسة الخارجية للمعارضة في بؤرة الضوء الدولية.

موقع ميدل إيست آي البريطاني ناقش مع بعض المحللين السياسيين مستقبل السياسة الخارجية التركية إذا وصلت المعارضة إلى الحكم في البلاد.

وبحسب الموقع البريطاني، فماذا عن الملفات الهامة مثلاً هل ستنسحب تركيا من ليبيا أو سوريا؟ وهل ستتقارب أكثر مع الولايات المتحدة وإسرائيل؟ وهل ستتوقف تركيا عن كونها العضو صعب المراس بحلف الناتو؟

لم تُخفِ الولايات المتحدة نفورها من أردوغان. وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنَّه يرغب بوجود حكومة من المعارضة، وحرص كليجدار أوغلو على زيارة البلاد مبكراً في حملته الانتخابية.

أدَّى ذلك إلى تكهُّنات بأنَّ السياسة الخارجية التركية، التي ساهمت في تشكيل جزء كبير من العالم في السنوات الأخيرة، يمكن أن تتخذ منعطفاً حاداً، وربما انعزالياً إذا ما وصلت المعارضة للحكم، كما يقول الموقع البريطاني.

من ناحية، قطع كليجدار أوغلو وعوداً آسرة تصدَّرت عناوين الأخبار في تركيا، مثل التعهُّد بإمكانية سفر الأتراك إلى الاتحاد الأوروبي دون تأشيرة في غضون ثلاثة أشهر من تولي الحكم وتهديد اليونان بتدخل مسلح.

لكنَّ الأشخاص المقرَّبين منه حريصون على إضفاء مزيد من التفاصيل الدقيقة بشأن هذه التصريحات، ويتحدَّثون عن أولويات السياسة الخارجية المحتملة بعبارات أوسع، ويطلبون الحذر حين يتعلَّق الأمر بالتنبؤ بالمستقبل.

قال أونال جيفيكوز، وهو سفير متقاعد وكبير مستشاري كليجدار أوغلو في الشؤون الخارجية، إنَّ الحكومة بقيادة كليجدار أوغلو ستكون عازمة على تطبيع علاقاتها مع المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

وقال للموقع البريطاني إنَّ السياسة الخارجية لكليجدار أوغلو ستقوم على “عدم التدخُّل في الشؤون الداخلية للجيران، والسياسة الخارجية الحيادية، والالتزام بالقواعد الدولية”.

وهذه الركائز ليست جديدة تماماً. فمجموعة كبيرة من الحكومات التي سبقت أردوغان في الثمانينات والتسعينات روَّجت للكثير من نفس تلك المُثُل.

وليس من قبيل الصدفة إعلان “تحالف الأمة”، الذي يقوده حزب الشعب الجمهوري بزعامة كليجدار أوغلو، أنَّ تركيا ستُعيد تبنّي شعار مصطفى كمال أتاتورك “سلام في الوطن وسلام في العالم” باعتباره حجر الزاوية في سياسته الخارجية.

قال جيفيكوز إنَّ تركيا في عهد أردوغان حافظت على سياسة خارجية نشطة تعتمد على القوة الصلبة في بلدان مثل ليبيا، حيث دعمت القوات التركية حكومة مُعتَرفاً بها من جانب الأمم المتحدة في حرب أهلية امتدت بين عامَي 2019-2020.

وأكدَّ أنَّ ذلك يجب أن يتغيَّر. فقال للموقع البريطاني: “سنمنح الأولوية للحوار والنهج غير التدخُّلي. سنكون وسيطاً نزيهاً في مناطق مثل ليبيا من خلال الحديث إلى جميع الأطراف”.

سياسة المعارضة التركية تجاه الاتحاد الأوروبي

يكرر مسؤولو المعارضة في أنقرة أنَّ كليجدار أوغلو لم يحسم قراره بشأن أي مسألة سوى الاتحاد الأوروبي.

فقال جيفيكوز على سبيل المثال إنَّ حكومة كليجدار أوغلو ستؤيد قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فتطلق سراح السياسي الكردي البارز صلاح الدين دميرطاش وفاعل الخير عثمان كافالا من السجن.

وصرَّح سفيران أوروبيان، تحدَّثا لموقع Middle East Eye شريطة عدم الكشف عن هُويتهما، بأنَّ كليجدار أوغلو تعهَّد للدبلوماسيين الأوروبيين في إحدى الفعاليات في أنقرة في وقتٍ سابق هذا الشهر، أبريل/نيسان، بأنَّ حكومته ستستوفي كافة المعايير والإصلاحات التي طالب بها الاتحاد، حتى لو لم يقبل الاتحاد بتركيا عضواً.

من ناحية أخرى، أقرَّ مسؤول تركي معارض كبير بأنَّ تعهُّد كليجدار أوغلو بالسماح للمواطنين الأتراك بالسفر بصورة حرة إلى منطقة شنغن متفائل للغاية.

وقال: “هذه وعود انتخابية ستُترجَم إلى سياسات. لكن بطبيعة الحال من الممكن جداً أن يستغرق اتفاق تحرير التأشيرات أكثر من ثلاثة أشهر. لكنَّنا متأكدون أنَّ بإمكاننا الوفاء به في الموعد”.

وقال مسؤول تركي معارض كبير آخر إنَّ تركيا تحت حكم كليجدار أوغلو لن تنتهج “مغامرات في السياسة الخارجية”.

وأضاف المسؤول: “أولويتنا الأساسية ستكون قضايا الأمن القومي الجوهرية، مثل التهديد الإرهابي النابع من سوريا والعراق”.

وتابع: “لماذا نحن في الصومال؟ لا يوجد مبرر. لماذا لدينا آلاف الجنود في قطر؟ لماذا نحن في ليبيا حيث انحزنا إلى أحد الأطراف في حرب أهلية؟ سنراجع كل ذلك”.

وأنشأت تركيا أكبر قواعدها العسكرية بالخارج في العاصمة الصومالية مقديشو عام 2017، وهي قادرة على تدريب 1500 جندي في المرة الواحدة. وجرى تفسير خطوة أنقرة آنذاك باعتبارها تحركاً لموازنة بلدان مثل الإمارات في منطقة القرن الإفريقي. وفي نفس العام، نشرت تركيا جنوداً في قطر حين عُزِلَت الدوحة بشكل متزايد عن جيرانها الخليجيين.

اللاجئون السوريون

قال مسؤول المعارضة الثاني إنَّ سياسة تركيا في سوريا ستعتمد إلى حدٍ كبير على الحوار مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي ظلَّ منبوذاً لعقد من الزمن لكن يجري الترحيب به الآن على نحو متزايد في البلدان الشرق أوسطية.

ولطالما دعت المعارضة التركية لاستئناف العلاقات مع الأسد وعينها على إعادة اللاجئين السوريين، وهي السياسات التي اكتسبت شعبية على نحوٍ متزايد فيما بدأ الرئيس أردوغان بصورة ما، وبدأت حكومته في التواصل مع دمشق.

لكنَّ القوات التركية لا تزال موجودة في شمال سوريا دعماً لمجموعات المعارضة وتواجه أحياناً الفصائل الكردية السورية.

وأضاف المسؤول أنَّ الإدارة التركية الحالية والعمل الإغاثي في شمال سوريا سيستمران، لكنَّ وجود الجيش سيعتمد على صفقة نهائية تضمن أمن الحدود في مواجهة التهديدات الإرهابية.

وقال المسؤول إنَّ الصفقة ستعتمد على اتفاقية أضنة لعام 1998، والتي تتعهَّد فيها سوريا لتركيا بأنَّها لن تؤوي جماعات إرهابية وستسمح لأنقرة بالتدخل عسكرياً مسافة 5 كيلومترات خلف الحدود السورية لحماية نفسها.

وأضاف المسؤول أنَّ كسب ثقة دمشق وحلحلة الوضع في الشمال سيستغرق وقتاً طويلاً، لاسيما في محافظة إدلب، حيث توجد جماعات مسلحة مثل هيئة تحرير الشام، الفرع السابق لتنظيم القاعدة.

وقال المسؤول: “سيتعين علينا إعادة الانخراط مع السكان المحليين في إدلب وإعادتهم إلى المجتمع. لكن لا يمكننا فعل ذلك وحدنا”. لكن في مارس/آذار الماضي، تعهَّد كليجدار أوغلو بإعادة اللاجئين السوريين إلى موطنهم في غضون عامين.

وأضاف المسؤول إنَّ إعادة 3.7 مليون لاجئ سوري من تركيا هو مشروع مهم سيتطلَّب قدراً هائلاً من الجهد وربما إطاراً زمنياً أطول من عامين.

وأوضح: “لا شك أنَّه سيكون على أساس طوعي. وسيتطلَّب الأمر تحفيزاً وفرص عمل وإعادة تأهيل. وسنرغب بالتأكيد في تقاسم العبء مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة”.

روسيا والولايات المتحدة

تشعر العواصم الغربية بالفضول أيضاً حيال الكيفية التي ستتعامل بها أنقرة مع روسيا مستقبلاً. ونجح أردوغان منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في الحفاظ على التوازن بين موسكو وكييف، بل وحتى سلَّح هذه الأخيرة دون إحداث رد فعل سلبي من الأولى.

ويتفق كلا المسؤولين من المعارضة على أنَّ أنقرة يجب أن تواصل هذا النهج المتوازن من خلال انتهاج دور الوسيط. ويقولان أيضاً إنَّ أنقرة يجب ألا تنضم إلا العقوبات الغربية على روسيا، وهو الأمر الذي تجنَّبه أردوغان أيضاً.

وفي ما يتعلَّق بواشنطن، تتخذ المعارضة موقفاً أكثر صرامة مما قد يتوقعه البعض.

فقال كليجدار أوغلو العام الماضي 2022، إنَّ الولايات المتحدة ملأت اليونان بالقواعد العسكرية، وإنَّ حزبه مستعد لدعم حكومة أردوغان إذا أرادت إغلاق كل المرافق العسكرية الأمريكية في تركيا.

وأضاف: “نحن معارضون لوجود أي جنود أجانب على أراضينا بقدر معارضتنا لليبرالية الجديدة، ونحن مستعدون لعمل كل ما هو ضروري”.

لكن الشهر الماضي، مارس/آذار، التقى كليجدار أوغلو السفير الأمريكي جيف فليك في أنقرة، الأمر الذي أثار غضب أردوغان، المتشكك في واشنطن بسبب تصريحات الرئيس جو بايدن خلال الحملة الانتخابية الأمريكية لعام 2020 حين قال إنَّه سيدعم المعارضة وإنَّ الرئيس التركي عليه أن “يدفع ثمناً”.

يقول مسؤولا المعارضة إنَّ تركيا ستحتفظ بعلاقاتها مع الولايات المتحدة على أساس شراكة متساوية، لكنَّهما لا يمكنهما الإجابة عن أسئلة مثل كيف سيحلون التوترات بشأن الدعم الأمريكي للجماعات الكردية المسلحة في سوريا؟

ويقولان إنَّهم سيسعون لمعاودة دخول برنامج مقاتلات الجيل الخامس F-35. وقد تعني العودة إلى برنامج F-35 أنَّ أنقرة لن يمكنها تنشيط منظومات الدفاع الجوي روسية الصنع S-400.

اليونان وقبرص وإسرائيل

بالنسبة للجارتين اليونان وقبرص، قال كلا المسؤولين إنَّ تركيا ستستأنف الحوار الذي “يُركِّز على النتائج” مع أثينا. وقال مسؤول المعارضة الأول: “إذا لم نتمكَّن من التوصل إلى حل معها، فإنَّنا مستعدون لنقل كل شيء إلى المحكمة، بما في ذلك ترسيم الحدود البحرية والمياه الإقليمية والمجال الجوي”.

وأضاف كلا المسؤولين أنَّ الحكومة المقبلة ستعالج المشكلات مع قبرص أولاً من خلال توحيد الشمال الذي تسيطر عليه تركيا، والذي توجد به حكومة محلية تدعم الاستقلال ومعارضة ترغب في حل فيدرالي. ثُمَّ ستبدأ مباحثات مستمرة بوساطة الأمم المتحدة مع جمهورية قبرص في الجنوب، مثلما حدث في الحوار الفاشل في منتجع كرانس مونتانا السويسري عام 2017.

ماذا بشأن إسرائيل ومصر والخليج؟

وقال كليجدار أوغلو العام الماضي إنَّه سيحاسب إسرائيل والسعودية على الخطوات التي اتخذتاها ضد تركيا في السنوات الأخيرة، متعهِّداً بالتراجع عن سياسات أنقرة الأخيرة التي تسعى لتحقيق انفراجة مع جيرانها الإقليميين.

وأضاف: “هنالك ثمن لاستشهاد مواطنينا في المياه الدولية”، في إشارة إلى حادثة أسطول “مافي مرمرة” عام 2010، حيث قُتِلَ 9 نشطاء أتراك على يد القوات الإسرائيلية على متن سفينة مساعدات مدنية كانت متجهة إلى قطاع غزة.

وتابع: “رسالتي لإسرائيل هي أنَّ القضية لم تُغلَق بالنسبة لنا”.

وقال مسؤول المعارضة البارز الثاني إنَّ أنقرة لن تنتهج سياسة خارجية متشددة في الشرق الأوسط وستحاول الحديث مع كل من إسرائيل وفلسطين.

وقال المسؤول متحدثاً عن التعويضات التي تعهَّد بها الإسرائيليون: “إحساسنا بشأن مافي مرمرة هو أنَّ مدفوعات إسرائيل النقدية لم تصل إلى أسر الضحايا. سننظر في هذه المسألة، لكنَّها لن تُعطِّل علاقاتنا مع إسرائيل”. وكانت إسرائيل قد قدَّمت المدفوعات، لكنَّ أسر ضحايا مافي مرمرة رفضت أخذها.

دول الخليج

بالنسبة لدول الخليج العربية، التي أمضت العديد منها سنوات في معارضة أنقرة حتى الانفراجة الأخيرة، قال مسؤول المعارضة الثاني إنَّ تركيا ستراجع علاقاتها لكنَّها ستُبقي على العلاقات. وأضاف: “نود أن تكون لنا علاقات متساوية مع الجميع في المنطقة”.

وقال كلا المسؤولين إنَّ أنقرة أبرمت اتفاقات مع بلدان مثل السعودية والإمارات وقطر في السنوات الأخيرة.

وأضاف المسؤول الأول: “لا نعرف بالضبط ما هي الوعود التي قُطِعَت وما الذي أُخِذَ بالمقابل. سيتعين علينا النظر فيها كلها لحسم قرارنا بشأن ما سيحدث تالياً”.

وقال المسؤول الثاني إنَّ حكومة كليجدار أوغلو سترغب، على سبيل المثال، في تعميق علاقات صناعاتها الدفاعية مع إسرائيل وأوروبا وكذلك المملكة المتحدة.

ويُحذِّر المسؤولان من أنَّ كل شيء في حالة سيولة ولم يُتَّخَذ قرار نهائي بشأن أي قضية بخلاف النقاط التي اتُّفِقَ عليها بين أحزاب المعارضة الستة التي تُشكِّل تحالف الأمة بقيادة كليجدار أوغلو.

وأضاف المسؤول الثاني: “لكنَّنا مستعدون للتفاوض على كل شيء من أجل تطبيع علاقاتنا مع الجيران أمثال إسرائيل ومصر. وربما يتعيَّن علينا مناقشة وجود حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين في تركيا معهما”.

اترك تعليقا