المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

معركة شرق أوكرانيا تقترب… والوساطة النمساوية تتعثر

تسارعت التحركات في أوكرانيا لحسم معركة ماريوبول بعد مرور أكثر من شهر على حصار المدينة الاستراتيجية الواقعة في جنوب أوكرانيا، فيما ينذر باقتراب معركة شرق البلاد التي أصبحت موسكو تركز عليها، وفق مؤشرات تحركاتها العسكرية الأخيرة.

وباتت مدينة ماريوبول في متناول الانفصاليين الموالين لروسيا، إذ أعلن زعيم الانفصاليين في منطقة دونيتسك، دينيس بوشيلين، أن قواته سيطرت بشكل كامل على منطقة مرفأ ماريوبول. وأعلنت القوات الروسية عن تقدم ملموس على عدد من المحاور في وسط المدينة، واقتراب «ساعة الصفر» لإعلان السيطرة الكاملة عليها.

وبالتزامن مع ذلك، تعثرت الوساطة النمساوية عقب انتهاء لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو مع المستشار النمساوي كارل نيهامر. وتكتم الكرملين على نتائج المحادثات التي دامت 90 دقيقة، ووصفتها مصادر روسية بأنها كانت «صعبة»، فيما أعلن نيهامر أنها كانت «مفتوحة وصريحة»، مع إشارة إلى أنها «ليست ودية». وقالت مصادر مستقلة إن اللقاء لم يصل إلى نتيجة ملموسة.

من جانبه، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، إن العملية الروسية في أوكرانيا من شأنها «وضع حد لنهج واشنطن الهادف للهيمنة على العالم»، مؤكداً أن روسيا لن توقف عمليتها العسكرية في أوكرانيا من أجل جولات لاحقة من محادثات السلام.

بدوره، اتهم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، روسيا، بتجويع العالم، وحمّلها مسؤولية تفاقم أزمة الغذاء من خلال حربها على أوكرانيا، خاصة من خلال قصف مخازن القمح ومنع السفن من نقل الحبوب إلى الخارج.

وأوضح أن الرئيس الروسي «أمر بتعليق العمليات العسكرية خلال الجولة الأولى من المحادثات بين المفاوضين الروس والأوكرانيين في أواخر فبراير (شباط) الماضي، لكن موقف موسكو تغير منذ ذلك الحين». وأضاف «بعد أن أصبحنا مقتنعين بأن الأوكرانيين لا يخططون لإبداء حسن نية عبر دعم مسار المفاوضات، اتُّخِذ قرار بأنه خلال الجولات المقبلة من المحادثات لن يكون هناك وقف للعملية العسكرية، ما دام لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي».

واتهم لافروف الأسبوع الماضي كييف بتقديم مسودة اتفاق سلام «غير مقبولة» لموسكو تخرج عن الاتفاقات التي توصل إليها الجانبان في السابق. ورفضت كييف تصريحات لافروف في ذلك الوقت ووصفتها بأنها نهج لتقويض أوكرانيا أو لتحويل الانتباه عن الاتهامات الموجهة للقوات الروسية بارتكاب جرائم حرب.

وأشار لافروف أيضاً إلى أن الدعوات التي وجهها جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، إلى التكتل لمواصلة تسليح كييف تمثل «منعطفاً خطيراً للغاية» في السياسة الأوروبية. ورأى أن حديث المسؤول الأوروبي بشأن «حتمية» الحسم العسكري للصراع في أوكرانيا، «خارج عن المألوف» و«يغير قواعد اللعبة بشكل كبير».

انعطاف خطير

وزاد لافروف أن تصريح بوريل يشير إلى أنه «تم اتخاذ كييف نقطة انطلاق لإخضاع روسيا» قائلاً: «هذا انعطاف خطير للغاية حتى في السياسة التي اتبعها الاتحاد الأوروبي والغرب ككل تحت قيادة الولايات المتحدة، وهي سياسة تعكس الغضب، وحتى الشراسة في بعض مظاهرها». وتزامن حديث لافروف في هذا الشأن، مع تحذير مسؤولين في وزارة الخارجية الروسية أمس، من أن «الاتحاد الأوروبي يميل لأن يصبح منظمة عسكرية على غرار الأطلسي بدلاً من أن يكون تكتلا اقتصاديا».

وأشار لافروف إلى أن العملية الروسية في أوكرانيا من شأنها «وضع حد لنهج واشنطن الهادف للهيمنة على العالم». وأوضح في حديث تلفزيوني أن «عمليتنا العسكرية تهدف لوضع حد لتوسع الولايات المتحدة ونهجها المتهورين نحو الهيمنة الكاملة، مع بقية الدول الغربية الخاضعة لها، في الساحة الدولية»، ملاحظاً أن هذه الهيمنة «يجري بناؤها بأبشع انتهاكات للقانون الدولي، ووفق قواعد غامضة لا يكفون عن ترديدها وتطويرها على هواهم».

تحقيقات الغرب

وفي إشارة إلى اتهامات كييف لبلاده بارتكاب جرائم حرب، لم يستبعد لافروف أن ينظم الجيش الأوكراني بدعم مباشر من أجهزة المخابرات الغربية «استفزازات جديدة»، لتشويه سمعة روسيا. مشيراً إلى أن موسكو سترد عليها «بحقائق» في المقام الأول. في غضون ذلك، رفضت موسكو دعوات غربية لتشكيل مجموعة دولية في إطار الأمم المتحدة للتحقيق في أحداث بلدة بوتشا. وأكدت أنها «لا تثق» بأي تحقيقات يجريها الغرب وأوكرانيا. وقال النائب الأول للممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي إنه «لا يوجد حديث حتى الآن عن تشكيل فريق تحقيق دولي في إطار الأمم المتحدة للتحقيق فيما حدث في بوتشا».

وأضاف «من الناحية العملية، لم يتم النظر في هذه القضية بعد، وأشك في إمكانية إيجاد أي حل في هذه القضية». لكنه شدد في الوقت ذاته، على أنه «من دون تفويض واضح من الأمم المتحدة لا يمكن فتح أي تحقيق بالقضية». وأوضح أن «بعض الدول عبرت عن رأي مفاده أنه ينبغي التحقيق في هذا الحادث من حيث المبدأ، لكن ليس من الواضح من الذي ينبغي أن يفعل ذلك وكيف».

معركة ماريوبول

ميدانياً، أكد زعيم الانفصاليين الموالين لموسكو في منطقة دونيتسك دينيس بوشيلين أمس (الاثنين) أن قواته سيطرت بشكل كامل على منطقة المرفأ في مدينة ماريوبول الساحلية الاستراتيجية الواقعة في جنوب شرقي أوكرانيا والتي يحاصرها الجيش الروسي منذ أكثر من شهر. وقال بوشيلين وفق ما نقلت عنه وكالات الأنباء الروسية: «فيما يخص مرفأ ماريوبول، فقد أصبح تحت سيطرتنا»، فيما أكد ممثل الجيش الانفصالي إدوار باسورين أن آخر المدافعين الأوكرانيين يتركزون حالياً في مصنعَي «أزوفستال» و«أزوفماش» الضخمين.

وتسارعت التحركات لحسم معركة ماريوبول بعد مرور أكثر من شهر على حصار المدينة الاستراتيجية الواقعة في جنوب أوكرانيا. وتزامن إعلان القوات الروسية عن تقدم ملموس على عدد من المحاور في وسط المدينة، واقتراب «ساعة الصفر» لإعلان السيطرة عليها بشكل كامل، مع إعلان الجيش الأوكراني، أمس، أنه يستعد لـ«معركة أخيرة» في ماريوبول. وقال الفوج السادس والثلاثون في البحرية الأوكرانية «اليوم (أمس) ستكون على الأرجح المعركة الأخيرة لأن ذخائرنا تنفد… سيكون مصير بعضنا الموت وبعضنا الآخر الأسر».

آلاف القتلى

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قال أمس، إن عشرات الآلاف قُتلوا على الأرجح في الهجوم الروسي على مدينة ماريوبول، مطالباً بتقديم مساعدات عسكرية لبلاده. وفي خطاب عبر الفيديو إلى نواب برلمان كوريا الجنوبية، قال زيلينسكي: «ماريوبول دُمرت وهناك عشرات الآلاف من القتلى، لكن رغم ذلك فإن الروس لم يوقفوا هجومهم». وبدا من تصريحات الطرفين الروسي والأوكراني أن إحكام السيطرة على مدينة ماريوبول سوف يشكل نقطة انطلاق لمرحلة جديدة في العمليات القتالية يتم تعزيز التوجه فيها على طول مناطق الشرق والجنوب في أوكرانيا.

في الأثناء، أعلنت وزارة الدفاع الروسية حصيلة عملياتها في الساعات الـ24 الماضية، وأفاد الناطق باسم الوزارة إيغور كوناشينكوف أن سلاح الجو الروسي أصاب 78 هدفا عسكريا أوكرانيا خلال اليوم الماضي، تضمنت مراكز قيادة ودفاعات جوية ومستودعات ذخيرة ومواقع تمركز للقوات الأوكرانية. وزاد في إيجاز صحافي يومي، أن الدفاعات الجوية الروسية أسقطت طائرتين أوكرانيتين من طراز «سوخوي – 25» في مقاطعة خاركوف، إضافة إلى 4 طائرات مسيرة في خاركوف ودونيتسك ونيكولايف. كما تم إسقاط مروحية من طراز «مي – 24» في مقاطعة خيرسون.

تدمير صواريخ روسية

وقال كوناشينكوف إنه خلال الليلة الأخيرة، دمرت صواريخ روسية عالية الدقة أطلقت من الجو ورشة لإصلاح الأسلحة والمعدات العسكرية لقوات الدفاع الجوي الأوكرانية واقعة في مقاطعة دونيتسك، بما فيها من منظومات صواريخ مضادة للطائرات. وقال إن ضربات عالية الدقة في مقاطعة دونيتسك، أسفرت عن تدمير 9 دبابات و5 مدافع ذاتية الحركة و5 أنظمة راجمات صواريخ، إضافة إلى مقتل نحو 60 عنصرا من كتائب القوميين المتطرفين.

وبلغ إجمالي الأهداف التي تم تدميرها منذ بداية القتال في أوكرانيا، وفقا للبيانات الرسمية الروسية 129 طائرة و99 مروحية و243 منظومة للدفاع الجوي من طرازات مختلفة، و441 طائرة من دون طيار، و2079 دبابة ومدرعة أخرى، و239 راجمة صواريخ، و909 قطع من المدفعية الميدانية ومدافع الهاون، إضافة إلى 2003 مركبات عسكرية خاصة.

اترك تعليقا