المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

«نهج بايدن» المأساوى فى السياسة الخارجية

انتهج الرئيس الأمريكى جو بايدن، الذى قضى عاما واحدا تقريبًا فى إدارته، سياسة خارجية أظهرت ضعفًا أمريكيًا على المسرح العالمى. بالفعل، فى السنة الأولى من توليه المنصب، كانت هناك قرارات فى السياسة الخارجية شكلت، سواء عن قصد أم بغير قصد، «نهج بايدن» فى الشئون الدولية؛ مثل الانسحاب من أفغانستان والعواقب التى ترتبت عليه، وسعيه فى تأمين صفقة جديدة مع إيران بغض النظر عن التكلفة، ونهج ساذج تجاه روسيا والذى يعد الأكثر أهمية. من بين هذه الأمثلة الثلاثة الكارثية، هناك خمس ملاحظات تتعلق بنهج بايدن فى الشئون الدولية.

أولا، يقوم أعداء الولايات المتحدة باختبار حدود الضعف الأمريكى، وعواقب استيلاء طالبان على السلطة ستذهب إلى ما هو أبعد من أفغانستان. ما تفعله أمريكا كقوة عالمية فى منطقة ما يؤثر بسهولة على باقى المناطق. فوضوية الانسحاب الأمريكى من أفغانستان ستدعو المزيد من الاستفزازات؛ فدول مثل روسيا وإيران والصين وكوريا الشمالية سيثيرون المزيد من المتاعب لمعرفة ما يمكنهم الإفلات منه.

ثانيا، يتشكك حلفاء وشركاء الولايات المتحدة فى القرارات الأمريكية. إلى جانب تقوية خصوم أمريكا، فإن بعض السياسات الخارجية لإدارة بايدن قد أثرت أيضًا على علاقات أمريكا مع حلفائها وشركائها فى جميع أنحاء العالم. العديد من الشركاء القدامى يشككون الآن فى القرارات والالتزامات الأمريكية. فى أغسطس، وجه مجلس العموم البريطانى اللوم رسميًا إلى رئيس الولايات المتحدة خلال مناقشة حول أفغانستان. يتحدث العديد من كبار المسئولين فى جميع أنحاء أوروبا الآن علنا عن الحاجة إلى «استقلال ذاتى استراتيجى» عن الولايات المتحدة بسبب عزلة الولايات المتحدة عن الشئون الخارجية.

ثالثًا، النهج الكسول فى العلاقات الدولية، ومن الأمثلة العظيمة على ذلك «قمة الديمقراطية» التى أطلقتها الإدارة، والتى قسمت بدون داعٍ وبطريقة سطحية شركاء الولايات المتحدة الرئيسيين والأصدقاء والحلفاء فى وقت يحدث فيه الكثير من التغيرات الجيوسياسية. على سبيل المثال، لم تتم دعوة اثنين من أعضاء الناتو، المجر وتركيا، فى وقت احتاج فيه الناتو إلى الوحدة بشأن العدوان الروسى فى أوروبا الشرقية. لم تتم دعوة غواتيمالا، وهى دولة ديمقراطية فى أمريكا الوسطى، فى وقت كانت فيه الهجرة غير الشرعية عبر الحدود الجنوبية لأمريكا تمثل تحديًا كبيرًا.

رابعا، الفشل فى التعلم من الأخطاء. بالنسبة لشخص لديه نصف قرن من الخبرة فى السياسة الخارجية، فهذا خطأ لا يغتفر، والانسحاب الفوضوى من أفغانستان مثال جيد على ذلك. فى عام 2011، عندما كان بايدن نائبا لأوباما، كان جزءا من القرار الذى اتخذته إدارة أوباما بسحب القوات الأمريكية من العراق، على الرغم مما طالب به منتقدو القرار بترك قوة تدريب صغيرة لمساعدة القوات العراقية. بحلول عام 2014، استولت داعش على جزء كبير من العراق، وثانى أكبر مدينة بها، الموصل.

لم تعمل إدارة بايدن بشكل جدى لتأمين صفقات حرة جديدة، وبدلا من ذلك حافظت إدارة بايدن على العديد من السياسات الاقتصادية الحمائية التى أقرتها إدارة ترامب. وعندما اقترحت إدارة بايدن تخفيضا فى الإنفاق الدفاعى، تدخل الكونجرس لزيادة التمويل.. عدم رغبة إدارة بايدن فى تعزيز التجارة الحرة والحرية الاقتصادية فى جميع أنحاء العالم، وعدم رغبتها فى تمويل الجيش الأمريكى بشكل صحيح بما يتماشى مع المصالح العالمية لأمريكا، سيضعف من الموقف الأمريكى المتشدد الذى اتخذه البيت الأبيض تجاه الصين.

ترتكب إدارة بايدن خطأ فادحا بعد آخر، سواء من خلال تقسيم أصدقاء وشركاء الولايات المتحدة فى وقت تحتاج فيه إلى الوحدة، أو عدم مشاركة الحلفاء قرارات رئيسية مثل الانسحاب من أفغانستان.. كتب روبرت جيتس، الذى شغل منصب وزير الدفاع الأمريكى فى إدارتى بوش وأوباما، فى كتابه الصادر عام 2014 بعنوان «الواجب: مذكرات وزير فى الحرب» أن بايدن «كان مخطئًا فى كل قضية تتعلق بالأمن القومى تقريبًا على مدار العقود الأربعة الماضية».

عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، توقع سياسات مفككة من البيت الأبيض خلال السنوات القليلة المقبلة، ففن الحكم والقيادة والإرادة السياسية غير موجودين. أمريكا ليست دولة ضعيفة، ولكنها ليست جادة عندما يتعلق الأمر بالشئون الخارجية.

مقال لـ لوك كوفي

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى

اترك تعليقا