المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

هل أخطأ بوتين في الحساب تجاه أوكرانيا؟

أظهرت أوكرانيا مقاومة شرسة خلال الأسبوع الأول من انطلاق الغزو الروسي لهذا البلد، فاقت توقعات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وربما على الأرجح خالفت ما وعده به جنرالاته.

ولا تزال هذه المراحل الأولى لما يمكن أن تكون حرباً دامية للغاية.

لا شك أن بوتين كان يأمل في سقوط كييف بعد أيام قليلة من مباشرة القوات الروسية غزو أوكرانيا. وكان يتوقع بالتأكيد أن تقبل الدول الغربية المنقسمة والمرعوبة، استعادته ما يصفه بأنه أرض كانت تاريخيا جزءا من روسيا.

لم يحدث شيء من هذا القبيل. لقد أثبتت أوكرانيا أنه من الصعب كسر إرادتها، وكان رد فعل الدول الغربية وخاصة ألمانيا أكثر قوة مما كان يظن. لقد تعرض الاقتصاد الروسي بالفعل لضربة شديدة.

ويبدو الآن أن الصين صديقة بوتين الكبرى قلقة من أن ينقلب الغضب الغربي المتصاعد يوماً ما عليها، وأن يلحق بالاقتصاد الصيني ضرر كبير. لقد نأت الصين بنفسها بالفعل عن الغزو.

على النقيض من ذلك أمام حلف شمال الأطلسي فرصة لتعزيز صفوفه. ويمكن أن ينتهي الأمر بانضمام فنلندا والسويد إلى الحلف لضمان حماية أمنهما. شن بوتين هذه الحرب بذريعة منع أوكرانيا يوما ما من الانضمام إلى حلف الناتو، لكنه قد يصبح بجوار المزيد من أعضاء الناتو على حدوده الشمالية الغربية.

هذه كلها نكسات كبيرة لبوتين وهي نتيجة حساباته الخاطئة التي يبدو أنه توصل إليها بينما كان يعزل نفسه للوقاية من فيروس كورونا. لم ير بوتين سوى عدد قليل جدا من المستشارين الذين نرجح أنهم أخبروه بما يطرب له سمعه. على بوتين الآن البحث عن خيارات جديدة. لطالما رفض الزعيم الروسي التراجع عن موقفه في مواجهة خصومه وقد يلجأ إلى استخدام المزيد من القوة ضد أوكرانيا ولديه السلاح للقيام بذلك.

تقول سفيرة أوكرانيا لدى الولايات المتحدة إن القوات الروسية قد استخدمت بالفعل الأسلحة الحرارية التي تعرف أيضاً باسم “القنبلة الفراغية”، التي تمتص الأكسجين لتوليد انفجار شديد الحرارة. غالبا ما يلجأ السفراء في أوقات كهذه إلى المبالغة، لكن الحقيقة هي أننا رأينا بالفعل مقاطع فيديو لراجمات صواريخ حرارية روسية في طريقها إلى أوكرانيا. يقول المحللون إن استخدامها على نطاق أوسع ربما هو مسألة وقت.

تظهر الصور أيضا استخدام ما يبدو أنه قنابل عنقودية ضد المدنيين في مدينة خاركيف. وتمطر هذه القنابل سحابة من “القنابل الصغيرة”، التي تلحق إصابات مروعة بالبشر في مساحات واسعة. وحظرت اتفاقية دولية هذه القنابل في عام 2008، لكن روسيا لم توقع عليها بعد أن زعمت أنها تستخدم القنابل العنقودية بما يتوافق مع القانون الإنساني الدولي، وقد يكون لأهل خاركيف موقف غير ذلك في هذا الصدد.

لا توجد لدى فلاديمير بوتين أي مخاوف بشأن استخدام أسلحة شديدة الخطورة.

ويُعتقد أنه وافق على استخدام البولونيوم المشع لقتل عميل المخابرات السوفيتية السابق ألكسندر ليتفينينكو في لندن في عام 2006. ومن المرجح أيضا أنه وافق على السماح للمخابرات العسكرية الروسية بمحاولة قتل عنصر المخابرات الروسية سيرغي سكريبال، الذي جندته بريطانيا، بواسطة غاز الأعصاب نوفيتشوك في سالزبوري عام 2018. نجا سكريبال من الموت لكن البريطانية دون ستيرجس ماتت بعد تعرضها للمادة القاتلة.

لا يبدو أن الخطر على حياة المدنيين الأبرياء يثير قلق بوتين، فقد تم التخطيط لهذه الاغتيالات على أنها عمليات تصفية دقيقة وليست نوعا من الهجمات واسعة النطاق التي بدأنا نشهدها في أوكرانيا مؤخراً. المبدأ واحد وهو أن حياة المدنيين ليست ذات قيمة إذا كانت المصالح الأوسع لروسيا على المحك.

هل سيكون بوتين مستعدا لاستخدام الأسلحة النووية إذا لم يحصل على ما يهدف إليه في أوكرانيا؟ يجب أن يكون هذا من بين الاحتمالات الواردة رغم أن معظم المحللين يرون أننا لم نقترب من تلك المرحلة بعد.

صحيح أن بوتين قال بحزم إنه إذا فكر أي شخص في التدخل في أوكرانيا من الخارج فسيواجه عواقب غير مسبوقة في التاريخ، وكرر مراراً الفكرة القائلة بأنه إذا خلا العالم من روسيا فلماذا يستمر العالم في الوجود؟ سيرتكب حلف الناتو خطأ فادحاً في حساباته إذا لم يضع في حسابه الاستعداد للمواجهة النووية.

قد يعيد التاريخ نفسه. ففي عام 1939 هاجم جوزيف ستالين فنلندا متوقعا أن تنهار في غضون أيام. وبدلاً من ذلك قاومت، وفشل الجيش الروسي في إلحاق الهزيمة بالجيش الفنلندي. بعد مرور أكثر من مائة يوم تم الإعلان عن نهاية ما يسمى بحرب الشتاء. انتهى الأمر بفقدان فنلندا بعض أراضيها، لكنها بقيت دولة مستقلة. وهناك احتمال أن تنتهي الحرب في أوكرانيا على غرار ذلك.

ما زلنا في بداية المواجهة، ولأن أوكرانيا صمدت حتى الآن فإن هذا لا يعني أنها تستطيع مقاومة القوة العسكرية الهائلة لروسيا لفترة طويلة. لكن الجولة الأولى سارت بشكل جيد بلا شك، وكانت استجابة الغرب أقوى بكثير مما توقعه معظم الناس، وعلى رأسهم بوتين.

المصدر: بي بي سي عربية

اترك تعليقا