المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

هل تمنع روسيا إحياء الإتفاق النووي مع إيران

غيرت روسيا في اللحظات الأخيرة موقفها بشكل كبير في المفاوضات النووية بين إيران والقوى الغربية في العاصمة فيينا بهدف إحياء الاتفاق النووي، الأمر الذي عرقل التوصل إلى إتفاق.

ومن غير الواضح على وجه التحديد إلى أي مدى تبعد محادثات فيينا عن الاتفاق النهائي، وفي الأيام الأخيرة، شدد الأطراف المتفاوضة مرارًا وتكرارًا على أنه تم حل الخلافات الرئيسية، لكن لا تزال هناك قضايا عالقة، إذا لم يتم حلها فلن تؤدي إلى اتفاق.

وكانت إحدى هذه المشاكل هي حالة اليورانيوم المكتشفة خارج المنشأة النووية التي تم إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران بها، وتمكنت الزيارة التي استمرت يوماً واحداً لمدير الوكالة رافائيل غروسي لطهران السبت الماضي أزالت هذه العقبة من الاتفاق.

وإضافة إلى ذلك، ما زالت مسألة الضمانات الأمريكية لإيران غير واضحة، وليس من الواضح ما إذا كان الغرب قد اتفق مع الخطوط الحمراء التي وضعتها طهران من بينها رفع كافة العقوبات والتحقق منها وفرض العقوبات لاحقاً والإنسحاب مجدداً من الاتفاق النووي.

وبعبارة أخرى، في حين أن قضية الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية لا تزال تثير أسئلة خارج روسيا، فإن مطلب روسيا الجديد أصبح عقبة جديدة رئيسية؛ عقبة يمكن أن تغير مسار هذه الاتفاقية بالكامل.

وتقول روسيا إنها تواجه عقوبات أمريكية أكثر صرامة، ووفقًا لوزير الخارجية سيرغي لافروف، و”تسعى لضمان ألا تمنع العقوبات الأمريكية حقوق روسيا في الاتفاق النووي” مع تشديد العقوبات على موسكو بسبب الحرب على أوكرانيا.

وقد تكون هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول روسي عن “حقوق” البلاد في سياق الاتفاق النووي مع إيران؛ الحقوق التي من وجهة نظر موسكو تشمل على ما يبدو التجارة الحرة مع إيران”.

وذكر لافروف السبت الماضي “لقد طلبنا من نظرائنا الأمريكيين أن يقدموا لنا، على الأقل على مستوى وزير الخارجية، ضمانًا مكتوباً بأن العقوبات الأمريكية الأخيرة لن تمنعنا تحت أي ظرف من الظروف، من التجارة والاستثمار مع إيران”.

وببساطة، تسعى روسيا إلى إنشاء نافذة مهمة في قلب جدار الحصار الاقتصادي الغربي على أطراف الاتفاق النووي الدولي؛ نافذة يمكن أن تطرح مشاكل مختلفة لآلية العقوبات الروسية.

وإذا وافق الغرب على طلب روسيا، فسيعود الوضع في محادثات فيينا إلى ما كان عليه قبل روسيا، أي أن المفاوضات ستتحرك نحو نتيجة نهائية إذا تم حل آخر القضايا المتبقية.

لكن في الوقت الحالي لا يوجد ما يشير إلى أن الغرب سيوافق على طلب روسيا، بل على العكس من ذلك، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إن العقوبات الروسية بشأن حرب أوكرانيا لا علاقة لها بقضية الاتفاق النووي مع إيران.

ماذا سيحدث إذا لم تكن روسيا راضية؟

سبب المفاوضات الحالية، التي بدأت قبل 11 شهراً، أزمة ليس لها علاقة مباشرة بروسيا، وبدأت مشكلة الاتفاق النووي عندما انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018، وبعد عام انسحبت إيران تدريجياً من تطبيق قيود الاتفاق.

لكن هذا لا يعني أنه ليس لروسيا دور في الاتفاق النووي أو في تنفيذه، بل على العكس من ذلك استثمرت روسيا بشكل عام بكثافة في الاتفاق، ووفقًا لبنود الاتفاق”فهي دولة تلقت بعض اليورانيوم الإيراني المخصب؛ وهو دور يمكن أن تلعبه بالطبع الدول الأخرى”.

لقاء يجمع مندوب روسيا في فيينا ميخائيل أوليانوف مع المدير العام للوكالة الدولية رافائيل غروسي

والأهم من تفاصيل مشاركة روسيا الفنية أو الدبلوماسية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن الاتفاقية النووية مدعومة بقرار في مجلس الأمن، وإذا لم توافق روسيا على التفاهم الجديد في فيينا هذه المرة، فلديها خيار استخدام حق النقض ضد قرار جديد في مجلس الأمن.

إن قضية قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية مهمة لأن الإشراف الفني للوكالة وتنفيذه يقع على عاتقها، وفي هيكل الحوكمة العالمية، هذه الوكالة هي الذراع التنفيذي لمجلس الأمن، ويوفر القرار ذو الصلة للوكالة الشرعية القانونية اللازمة لأعمالها.

وبصرف النظر عن هذه التفاصيل، التي يمكن في إطار القانون الدولي أن تخلق مشاكل غير متوقعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية وتنفيذها، فإن غياب روسيا عن الوكالة الاتفاق الجديد في فيينا يمكن أن يعطل أيضًا مسألة التعاون الإيراني الروسي في البرنامج النووي؛ خيار غير مرغوب فيه لطهران.

ولم تتمكن إيران بشكل عام في جذب انتباه الدول النووية في العالم للتعاون والاستثمار، فيما تعهدت روسيا بإكمال الوحدتين الثانية والثالثة من محطة بوشهر للطاقة النووية الواقعة جنوب إيران، ويقول مسؤولون إيرانيون إنه “تم دفع بعض تكاليف المشاريع على الرغم من العديد من التأخيرات”.

هل الاتفاق النووي مستحيل بدون روسيا؟

إن الوضع الحالي في روسيا والاتفاق النووي الدولي ومحادثات فيينا ليس على هذا النحو بحيث يستحيل التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والولايات المتحدة بدون موسكو.

المشكلة الرئيسية الآن هي العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة من جانب واحد على إيران، ورفع هذه العقوبات لا يتطلب قرار مجلس الأمن ولا دعم موسكو.

وإذا تم رفع هذه العقوبات، فلن تكون سياسة إيران تجاه الاتفاق النووي مرتبطة بشكل مباشر برأي موسكو وقرارها.

إن ما يقدّر الاتفاق النووي المبرم عام 2015، في شكله الحالي وله أهمية كبيرة لكلا الجانبين هو آلية قانونية وتقنية معقدة لن يكون من المستحيل، ولكن ليس من السهل إعادة البناء بدون موسكو. وإن إعادة بناء مثل هذا الاتفاق بدون وجود موسكو لن يكون مضيعة للوقت فحسب، بل قد يمهد الطريق لمزيد من الخلافات بين إيران والغرب.

لهذا السبب، في الوقت الحالي سيكون الضغط الرئيسي من الدبلوماسيين الغربيين هو إقناع روسيا بأي شكل من الأشكال بمرافقة الاتفاقية الجديدة مع إيران؛ خيار سيصبح أكثر صعوبة بمرور الوقت.

وتواجه روسيا حاليًا عقوبات صارمة وتأمل في أن يصبح الضغط الساحق لارتفاع أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية أحد الردع أمام توسيع العقوبات الغربية.

وعلى الجبهة المقابلة، فإن خيارات الغرب للتعامل مع هذه الزيادة في الأسعار محدودة، وحتى شركاء الولايات المتحدة القدامى مثل المملكة العربية السعودية لا يعملون مع واشنطن لزيادة إنتاج النفط.

وفي مثل هذه الظروف فإن عودة إيران إلى الأسواق العالمية تعني عودة ما لا يقل عن مليوني برميل من النفط يوميًا إلى السوق، بالإضافة إلى ذلك تعد إيران واحدة من أكبر مصدري الغاز في العالم.

هذا الوضع بقدر ما يحفز إيران والغرب على إنهاء المحادثات النووية والإعلان عن اتفاق في فيينا في أسرع وقت ممكن، هو عامل سلبي لمصالح روسيا الاستراتيجية في توترها المتزايد مع الغرب. العامل الذي قد يدفع موسكو “لتخريب” محادثات فيينا بشكل أكثر عناداً.

وفي مثل هذه الحالة ستكون الكرة في ملعب إيران والغرب لمعرفة كيفية التعامل مع هذه الأزمة. وإن الفشل الكامل للمحادثات أو التهدئة مع روسيا أو إقصاء البلاد بالكامل من المحادثات وإعادة البناء السريع لآلية جديدة تهدف إلى الحد من البرنامج النووي الإيراني وإنهاء العقوبات الأمريكية، كلها سيناريوهات محتملة تتناسب مع قرارات زعماء إيران والولايات المتحدة قبل محادثات فيينا.

ترجمة خاصة للمعهد العراقي للحوار ـ أحمد الساعدي

اترك تعليقا