المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

هل ستعترف روسيا بطالبان؟

ترجمة خاصة للمعهد العراقي للحوار ـ أحمد الساعدي

منذ عام 2003 قررت روسيا وضع حركة طالبان الأفغانية على لائمة المنظمات الإرهابية الخاصة بها، لكن هذه الخطوة لم تمنع موسكو من إبقاء بعض خطوط التواصل مع الحركة التي كانت تقاتل القوات الأمريكية والأجنبية في أفغانستان، وقد أخذت هذه الاتصالات بعداً أهم بعد سيطرة الحركة على العاصمة كابول مع إنسحاب القوات الأمريكية والأجنبية في آب/أغسطس الماضي.

وتقول روسيا إنها تسعى إلى تفادي تحوّل أفغانستان إلى قاعدة خلفية للإرهاب ونشاط الجماعات المتطرفة من جديدة، وهو الأمر الذي دفع موسكو إلى إيجاد تحول في سياستها وتعاطيها مع الحركة.

وعلى الرغم من أن روسيا لم تعترف بعد بحكم طالبان، إلا أن خطابها المناهض لطالبان قد خفت حدة على ما يبدو، حتى أن وسائل الإعلام الحكومية الروسية حولت تدريجياً استخدام كلمة “إرهابية” لوصف طالبان إلى جماعة “متطرفة”.

وفي أحدث تحول في نظرة موسكو إلى طالبان، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحفي مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس في موسكو، الأربعاء، “إذا عملنا من أجل الاعتراف الدبلوماسي الكامل بحكومة طالبان في أفغانستان، فسنجد أن طالبان تفي بوعدها بحكومة شاملة، ليس فقط على الصعيدين العرقي والديني، ولكن أيضًا على الصعيد السياسي”.

وبعد ثمانية أشهر من سيطرة طالبان على أفغانستان وتشكيل حكومتها في مطلع أيلول/سبتمبر الماضي، لم تعترف أي دولة حتى الآن بحكومتها، لكن الزيارات الدبلوماسية التي قام بها ممثلو مختلف الدول لمعالجة الأزمة الإنسانية في البلاد في إطار ما تسميه التفاعل مع طالبان لـ” إدارة الأمر الواقع ” لا تزال مستمرة.

وكانت روسيا، بعد باكستان وتركمانستان، ثالث دولة تعتمد دبلوماسيين ترسلهم طالبان وتتنازل عن السفارة الأفغانية في موسكو للجماعة.

الصحفي الأفغاني ضياء صدر المقيم في ألمانيا
  • ما الذي تبحث عنه روسيا في التعامل مع حركة طالبان الأفغانية؟

في أغسطس / آب من العام الماضي بعد استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان، سارعت الحكومات الأمريكية والأوروبية لنقل مواطنيها وزملائهم الأفغان من كابول، لكن روسيا كانت واحدة من الدول القليلة التي من الواضح أن سيطرة طالبان لم تكن مصدر قلق لها.

بل ذهب بعض الدبلوماسيين الروس إلى وصف العاصمة كابول بأنها المدينة الأكثر أماناً من ذي قبل بعد إنسحاب القوات الأمريكية والأجنبية منها، والمثير للدهشة أن الرئيس فلاديمير بوتين قال في إحدى ملاحظاته الأولى حول إعادة تأسيس طالبان في أفغانستان أن”هيمنة طالبان هي حقيقة يجب على روسيا العمل معها”.

ولكن ما الذي جعل روسيا ترحب بنظام طالبان الذي تسميها رسميًا “جماعة إرهابية” منذ ذلك الحين؟

وقال ضياء صدر، وهو صحفي أفغاني يعيش في ألمانيا، لبي بي سي عندما سئل عن نهج روسيا تجاه طالبان: “لا تسعى روسيا إلى إقامة علاقات مع طالبان، لكنها تريد أن تتصدى بطريقة ما لاحتمال إساءة استخدام الولايات المتحدة لطالبان ضد آسيا الوسطى وروسيا”.

وأضاف صدر “إن أي مقاربة لعلاقات روسيا مع طالبان لم تكن بسبب أفغانستان ولا بسبب طالبان وطالبان تدرك ذلك جيداً، ومن ناحية أخرى، ستعمل طالبان على تعزيز علاقاتها مع البلاد حتى لا تساعد روسيا جبهة المقاومة الوطنية بقيادة أحمد مسعود وتدعمها علانية “.

وتعد هذه الجبهة من أشد الجماعات المناهضة لحركة طالبان وتتمركز في ولاية بنجشير شمال أفغانستان وقد تبنت حتى الآن العديد من العمليات العسكرية ضد طالبان.

ويقر ضياء صدر بأن “طالبان لن تقيم أبدًا علاقة مع روسيا بحيث تثير غضب القادة الغربيين، لكنهم يسعون إلى الارتقاء بأنفسهم من جماعة إرهابية خالصة إلى وسيط بين الغرب والشعب الأفغاني، وهذه هي رؤية حكومة طالبان وهدفها، وهذا هو السبب في أنها ستمضي قدماً، حتى على حساب بدء حرب مع باكستان وإيران أو إحدى دول آسيا الوسطى”.

وكان ضمير كابلوف” المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أفغانستان، قد قال في وقت سابق إن التفاوض مع طالبان أسهل مما يسميه “حكومة الرئيس المخلوع أشرف غني”.

وقال سفير روسيا في كابول، دميتري جيرينوف، الذي التقى بممثلي حكومة طالبان في كابول، إنه لم ير أي دليل على انتقام أو عنف من قبل طالبان.

  • هل تتطلع روسيا لملء المنصب الأمريكي الشاغر في أفغانستان؟

الأستاذ الجامعي طاهر قردون يقول “تسعى روسيا إلى ضرب موقع القوة الأمريكية المهيمنة في الرأي العام العالمي وتريد جعل انتصار طالبان قضية حقيقية ومناهضة للاحتلال، وبالتالي تسعى إلى الحفاظ على الهدوء النسبي، وإن كان بشكل عابر، في مجال نفوذها التقليدي”.

وبحسب طاهر قردون، “نظرًا للوضع الصعب الذي تعيشه روسيا في أوروبا الشرقية، فإن أي حالة من عدم الاستقرار والتحركات غير المتوقعة، على الأقل في الوقت الحالي، تعتبر غير مواتية لروسيا في المنطقة، وقد اتخذت روسيا خطر أن تصبح داعش نشطة واكتساب السلطة في المنطقة على محمل الجد”.

وأضاف “في حال نشاط داعش يمكن أن يهدد استقرار المنطقة بأكملها أكثر من أي تحرك آخر”.

وقال إن “روسيا تتعامل مع طالبان بشكل حتمي وتكتيكي، لكن من الخطأ الاعتقاد بأن الروس ليسوا على دراية بطبيعة وانتماء طالبان ويعتبرونها حركة مستقلة”.

وقال الرئيس بوتين مرارًا وتكرارًا إنه يأمل في أن تفي طالبان بوعودها باستعادة النظام في أفغانستان، وقال “من المهم بالنسبة لنا ألا نسمح للإرهابيين بالتسلل إلى دول الجوار”.

وفي وقت مبكر من عودة ظهور طالبان في أفغانستان، أجرت روسيا مناورات عسكرية مشتركة في أوزبكستان وطاجيكستان لتخويف داعش وغيرها من الجماعات المتطرفة في آسيا الوسطى، بهدف طمأنة دول آسيا الوسطى وحلفاء موسكو في المنطقة.

وفي غضون ذلك، أكدت روسيا لطالبان أن أي مكاسب يحققها حلفاؤها الإقليميون في أفغانستان لن تهدد أفغانستان وأنهم سيستمرون في محاربة داعش، وتحدث عن المستقبل المشرق للمصالحة الوطنية مع عودة القانون والنظام إلى البلاد.

  • ما هي مخاوف روسيا بشأن أفغانستان؟

في 6 من أيلول/سبتمبر 2021، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أيضًا أن بلاده لن تشارك وتدعم تنصيب حكومة طالبان إلا إذا كانت حكومة طالبان “شاملة” وحضرتها جميع الجماعات العرقية في أفغانستان.

ونقل عن لافروف قوله في موسكو: “نريد دعم تشكيل حكومة تضم جميع شرائح المجتمع الأفغاني، بما في ذلك طالبان والجماعات العرقية الأخرى إلى جانب البشتون، والهزارة والأوزبك والطاجيك”، مضيفاً إن حكومة شاملة فقط هي التي يمكن أن تضمن الاستقرار في حياة جديدة.

وعلى الرغم من أن روسيا قالت إنها ستتعاون مع الدول التي لها تأثير على أفغانستان، لكن بعض الخبراء يعتقدون أن موسكو، مثل الآخرين، قد فوجئت.

ويقول أندريه سرينكو من مركز دراسات أفغانستان المعاصرة في روسيا “دعونا نتحدث عن أي استراتيجية من موسكو، فموسكو تشعر موسكو بالقلق من التأخير في إعادة تشكيل بنية المنطقة”.

فيما يقول “أندريه كورتونوف”، رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية، وهو مركز أبحاث، “يعتقدون أنهم (طالبان) سيقاتلون من أجل السيطرة على البلاد بأكملها، وخاصة الشمال، وأن هذا قد يهدد روسيا وجيرانها”.

وقال: “ربما تقوم بعض خلايا القاعدة، وربما داعش المتمركزة في أفغانستان، باستفزاز بعض الأعمال في آسيا الوسطى”.

من جانبه، يرى سيد باقر محسني، الأستاذ الجامعي والخبير في الشؤون السياسية في أفغانستان: إن نظرة روسيا إلى طالبان وأفغانستان مرت على مرحلتين. سياسة مزدوجة”.

وأضاف “المرحلة الثانية هي حكم طالبان. في رأيي، لم يكن الروس مع نظام ضعيف وغير مسؤول في أفغانستان، ولم يتوقعوا مغادرة الأجانب لأفغانستان في الحال. ما هو متوقع من حكم طالبان؟ الاعتراف بنهج طالبان؟ بالنسبة للغرب، وتسعى روسيا إلى بناء حكومة قوية وخاضعة للمساءلة في أفغانستان، وفي الوقت نفسه تشعر بالقلق إزاء قدرة واستمرارية واستقرار السياسة الروسية الجديدة لطالبان في أفغانستان، وصد خطر التطرف “وغياب الدول المنافسة لروسيا”.

محمد إكرام، المفكر والمؤرخ
  • لماذا تصر روسيا على تشكيل حكومة شاملة في نظام طالبان؟

قال محمد إكرام، المفكر والمؤرخ: “تعتقد وكالات الاستخبارات والأمن الروسية أن طالبان وحكمهم الدراماتيكي مشروع أمريكي غربي، إنهم يخشون أن تزعزع الولايات المتحدة والغرب استقرار آسيا الوسطى بهذا المشروع، ومن هنا اتبع الروس سياسة العصا والجزرة والسياط ضد طالبان”.

واضاف “الروس يريدون الجماعات العرقية والسياسية الأخرى التي كانت لها علاقات مع روسيا في الماضي أن تنضم إلى الحكومة الأفغانية في طالبان، وحكومة طالبان وحدها ليست ذات مصداقية للروس، ومصالح روسيا التي يتركز معظمها في أمن واستقرار آسيا الوسطى، مهددة في مثل هذه الحكومة”.

  • دبلوماسي من طالبان يرد على اقتراح روسيا

وقال جمال ناصر غروال، الدبلوماسي عن حركة طالبان في موسكو، لبي بي سي الفارسية: “نحترم رأي وزير الخارجية الروسي، لكن حكومة إمارة طالبان الإسلامية حكومة شاملة تضم ممثلين رفيعي المستوى لجميع الجماعات العرقية، ويعمل في حكومة الحركة بمنصبي وزير ونائب وزير”.

وقال غروال إن حكومة طالبان دعت الكوادر السياسية للعودة إلى الوطن والانخراط في النشاط السياسي، لكنه قال “إنه حتى الآن لم يستوف أي من الأحزاب السياسية في أفغانستان الشروط اللازمة للنشاط السياسي”.

في حين أن أكثر من 90 في المائة من المناصب الرئيسية لحكومة طالبان عرقية، قال جمال ناصر غروال إن “حكومة طالبان هي الآن هيئة حاكمة وسيتم استيعابها في النظام بمرور الوقت إذا انسحبت معارضة طالبان”.

وبشأن وضع المرأة وتوفير الحقوق التعليمية للفتيات الأفغانيات، أضاف “أن حكومة طالبان ستعلن تغييرات في المستقبل القريب”.

اترك تعليقا