المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

هل فشلت اسرائيل في عملية الاستفراد بفصائل فلسطين؟

يوماً بعد يوم يتضح مدى النضج الذي وصلت إليه فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وخارجها. لا نتحدث هذه المرة عن تطوير الصواريخ وتصنيعها محلياً ولا عن تكتيكات الهجوم بل نتحدث اليوم عن الحرب النفسية التي تقودها المقاومة الفلسطينية ضد قوات الاحتلال.

ساعات وساعات مرّت على إسرائيل كالجحيم وهي تنتظر الرد الفلسطيني على اغتيال القادة الثلاث في الجهاد الإسلامي، وقفت إسرائيل على قدم واحدة تنتظر الرد. لكن الامتناع عن الرد دفع إسرائيل للمزيد من الهجمات على قطاع غزة وكأن إسرائيل كانت تحاول أن تدفع الفصائل للرد لتنهي هذه الجولة برد مختصر من الفصائل.

صبرت المقاومة ولكنها حين ردّت وجّهت ضربة مدمرة لكل من “سديروت” و”عسقلان”، ويستطيع أي مواطن عادي فضلاً عن المحللين العسكريين أن يستنتجوا حجم الخسائر التي تعرض لها الاحتلال الإسرائيلي من خلال مشاهد الفيديو التي عُرضت أماكن سكنية مدمرة بالكامل في عسقلان وسديروت.

إنها بالفعل حرب إعلامية تخوضها إسرائيل للظهور منتصرةً في هذه الجولة من المواجهة. ولكن وبطبيعة الحال إذا ما تابعت عزيزي القارئ القنوات الإعلامية الإسرائيلية ومحلليها المخضرمين ستجد أن هناك شبه إجماع على أن إسرائيل خاضت معارك عديدة ضد قطاع غزة، هذا القطاع الذي تمت محاصرته لما يزيد على 17 عاماً، هذه المعارك لم تحقق الغرض منها وهو كسر عزيمة المقاومة في غزة بل عززت نفوذهم في الداخل والخارج.

داخلياً في قطاع غزة، اتبعت إسرائيل خطة “الاستفراد” على مدار السنوات الماضية وهي تعني بأن تخوض إسرائيل معارك منفصلة مع الفصائل الفلسطينية، وهذا بالفعل ما حدث في 2019 و2022 إذ جاء الرد منفرداً عبر سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.

كما عملت إسرائيل على تداول أسماء الشهداء الذين تم اغتيالهم في غزة (طارق عز الدين وجهاد غنام) بشكل متكرر خلال العام الماضي من خلال اتهام القياديين بالتنفيذ والتخطيط لبناء فصائل مقاومة والقيام بعمليات في كل من جنين ونابلس وطوباس. وعليه فهي مهدت الطريق للقول بأن عمليات الاغتيال ستستهدف حركة الجهاد الإسلامي وحسب.

لذلك ظهرت حنكة الفصائل ويقظتها تجاه المخططات الإسرائيلية، حيث أدركت حماس أنها ستكون الهدف المقبل لعمليات الاغتيال هذه. إذ إن كتائب الشهيد عز الدين القسام تقوم بأعمال مشابهة لما يقوم به قادة الجهاد الإسلامي وعليه فإن المصير واحد.

الاستنتاج المنطقي الذي توصلت إليه حماس هو أنه إذا ما فرغت إسرائيل من تصفية قادة الجهاد فإن هدفها المستقبلي سيكون قادة حماس. هذه الاستراتيجية الخطيرة التي ستجعل من عمل المقاومة أمراً صعباً للغاية.

أما على الناحية الخارجية، فإن “ثأر الأحرار” العملية التي تشنها فصائل المقاومة ستبث الروح المعنوية المؤيدة للقضية الفلسطينية في الشعوب العربية، وهي تعني دفع الشعوب العربية للوقوف أمام أي عملية تطبيع أخرى. وهي بالطبع تستهدف بث الروح الإسلامية في الشعوب والدول الإسلامية، علينا الرجوع إلى خطب الجمعة في بعض البلدان الإسلامية ومن بينها أفغانستان عن الاستعداد لتقديم الدعم الكامل للقضية الفلسطينية.

كما كشفت عملية الاغتيال الأخيرة الوجه اللاإنساني للكيان المحتل، إذ استهدفت عملياتهم اغتيال الأطفال والنساء العزل في قطاع غزة، وهو ما ظهر جلياً في تصريحات وزارة الخارجية الألمانية التي أكدت على ضرورة احترام حق الحياة للأبرياء في قطاع غزة.

ختاماً، إن الرد الإسرائيلي بدراسة الوساطة المصرية لوقف القتال والذي جاء على لسان وزير خارجيتها إيلي كوهين، يؤكد أنها تستند إلى تثبيت “معادلة الاغتيالات” في المستقبل.

بعبارة أخرى، إن مساعي إسرائيل لفرض الهدنة من خلال الوسطاء هو لفرض معادلة الاغتيالات مقابل ردود محدودة من المقاومة.

وعليه يجب على المقاومة الفلسطينية أن تكون حذرة من هذه المعادلة الخطيرة التي ستجعل أي قائد من قادتها في معرض الخطر. وبناءً على جميع ما تقدم فإن الرد يجب أن يستمر ليحقق أولاً أهدافه المعنوية في زلزلة الكيان المحتل وثانياً ليحقق التزام إسرائيل بوقف استراتيجية الاغتيالات واعتبار هذه الاستراتيجية خطاً أحمر يستوجب رداً لا محدوداً من الفصائل الفلسطينية مجتمعة.

حامد أبو العز ـ باحث سياسي فلسطيني

اترك تعليقا