المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

هل يمكن محاكمة بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب؟

أثارت صور جثث المدنيين في شوارع مدينة بوتشا الأوكرانية إدانات دولية واسعة لروسيا ومزيدا من الاتهامات بأن قواتها ترتكب جرائم حرب.

وقد بدأت المحكمة الجنائية الدولية بالفعل التحقيق فيما إذا الصراع في أوكرانيا قد شهد ارتكاب جرائم حرب، كما شكلت الحكومة الأوكرانية فريقا لجمع الأدلة.

ما هي جريمة الحرب؟
على الرغم من غرابة الحديث عن أن “حتى الحرب لها قواعد”، إلا أن هذا هو نص تعبير صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وهذه القواعد واردة في معاهدات تسمى اتفاقيات جنيف، وسلسلة من القوانين والاتفاقيات الدولية الأخرى، وتنص القواعد على:

لا يمكن مهاجمة المدنيين عمدا، ولا استهداف البنية التحتية الحيوية لبقائهم على قيد الحياة.

بعض الأسلحة محظورة بسبب المعاناة العشوائية أو المروعة التي تسببها، مثل الألغام الأرضية المضادة للأفراد، والأسلحة الكيميائية أو البيولوجية.

يجب الاعتناء بالمرضى والجرحى، بما في ذلك الجنود الجرحى الذين لهم حقوق كأسرى حرب.

تُعرف الجرائم الخطيرة مثل القتل أو الاغتصاب أو الاضطهاد الجماعي لمجموعة معينة باسم “الجرائم ضد الإنسانية”.

ما هي الإبادة الجماعية؟
تُعرَّف الإبادة الجماعية في القانون الدولي على أنها القتل العمد لأشخاص من جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية معينة، بقصد تدمير الجماعة – كليا أو جزئيا.

على هذا النحو، فإن الإبادة الجماعية تصنف كجريمة حرب محددة تفوق في شناعتها القتل غير القانوني للمدنيين، لكن القانون يشترط إثبات نية تدمير المجموعة.

وقد أدت مذبحة وقعت في رواندا عام 1994، وراح ضحيتها نحو 800 ألف شخص، إلى محاكمات بتهمة الإبادة الجماعية لاحقا.

ما الادعاءات بارتكاب روسيا جرائم حرب في أوكرانيا؟

وجد محققون وصحفيون ما يبدو أنه دليل على القتل العمد للمدنيين في بوتشا، وهي بلدة في ضواحي كييف، ومناطق أخرى قريبة منها.

وقالت القوات الأوكرانية إنها عثرت على مقابر جماعية، وهناك أدلة على مقتل مدنيين بالرصاص بعد تقييد أقدامهم وأيديهم.

وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إن الهجمات “دليل آخر” على جرائم الحرب.

كما قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين الأسبوع الماضي إن روسيا “دمرت المباني السكنية والمدارس والمستشفيات والبنية التحتية الحيوية والسيارات المدنية ومراكز التسوق وسيارات الإسعاف” – وهي الأفعال التي قالت الولايات المتحدة إنها ترقى إلى جرائم حرب.

ونُفذت في مارس/ آذار الماضي غارة روسية على مسرح في مدينة ماريوبول، وكان ذلك على ما يبدو أول موقع مؤكد لعملية قتل جماعي، إذ كانت كلمة “أطفال” مكتوبة بأحرف عملاقة خارج المبنى.

كما وصفت أوكرانيا في السابق الضربة الجوية الروسية على مستشفى ماريوبول بأنها جريمة حرب.

هناك أيضا أدلة متزايدة على استخدام القنابل العنقودية في مناطق يسكنها مدنيون في مدينة خاركيف.

وتقول المملكة المتحدة إن روسيا استخدمت المتفجرات الحرارية، تلك التي تخلق فراغا هائلا عن طريق امتصاص الأكسجين. وعلى الرغم من أن القنابل الحرارية ليست محظورة، إلى أن استخدامها المتعمد بالقرب من المدنيين يخالف قواعد الحرب بصورة شبه مؤكدة.

كما يجادل العديد من الخبراء بأن الغزو نفسه جريمة بموجب مفهوم “الحرب العدائية”.

كيف يمكن محاكمة المشتبه بارتكابهم جرائم حرب؟
كانت هناك سلسلة من المحاكم المنفردة منذ الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك المحكمة التي تحقق في جرائم الحرب التي ترافقت مع تفكك يوغوسلافيا.

كما تم تشكيل هيئة لمحاكمة المسؤولين عن الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.

لكن اليوم بات للمحكمة الجنائية الدولية (ICC) ولمحكمة العدل الدولية (ICJ) دوران منفصلان في التعامل مع القضايا وفقا لقواعد الحرب.

فمحكمة العدل الدولية تفصل في النزاعات بين الدول، لكنها لا تستطيع محاكمة الأفراد، وقد رفعت أوكرانيا بالفعل قضية ضد روسيا لديها.

وإذا ما حكمت محكمة العدل الدولية ضد روسيا، فسيكون مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مسؤولا عن إنفاذ ذلك الحكم.

لكن روسيا – أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس – يمكن أن تستخدم حق النقض “الفيتو” ضد أي اقتراح لمعاقبتها.

أما المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، فهي تحقق في قضايا مجرمي الحرب الأفراد الذين لا يمثلون أمام محاكم الدول الفردية.

وبذلك تعد المحكمة الجنائية الدولية بمثابة خلف معاصر لمحاكمات نورمبرغ الشهيرة، التي حاكمت قادة نازيين بارزين عام 1945.

هل تستطيع المحكمة الجنائية الدولية إدانة الجرائم في أوكرانيا؟
قال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، المحامي البريطاني كريم خان، إن هناك أدلة مبدئية معقولة للاعتقاد بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا.

وسينظر المحققون في الادعاءات الحالية والسابقة – منذ عام 2013، قبل ضم روسيا لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا.

وإذا كان هناك دليل، سيطلب المدعي العام من قضاة المحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال لتقديم الأفراد إلى المحاكمة في لاهاي.

لكن هناك قيودا عملية على قدرتها، إذ ليس للمحكمة قوة شرطة خاصة بها، لذا فهي تعتمد على الدول للقبض على المشتبه بهم.

فضلا عن أن روسيا ليست عضوا في المحكمة، فقد انسحبت في عام 2016، وبطبيعة الحال لن يسلم الرئيس فلاديمير بوتين أي مشتبه بهم.

لكن إذا ذهب المشتبه به إلى بلد آخر، فقد يتم القبض عليه – لكن هذا أمر مستبعد.

هل يمكن محاكمة الرئيس بوتين أو الجنرالات أو القادة الآخرين؟
يعد تحميل مسؤولية جريمة الحرب للجندي الذي يرتكبها، أسهل بكثير من تحميلها للقائد الذي أمر بها.

يقول هيو ويليامسون من منظمة هيومن رايتس ووتش – المتمرسة في جمع الأدلة على جرائم الحرب في النزاعات – إن هناك أدلة على إعدامات تعسفية وغيرها من الانتهاكات من قبل القوات الروسية.

ويقول إن تحديد “التسلسل القيادي” مهم جدا لأية محاكمات مستقبلية – بما في ذلك عندما يأذن قائد ما بارتكاب فظائع، أو يغض الطرف عنها.

وقال لبي بي سي نيوز: “هناك جزئية مثيرة للاهتمام في تقريرنا الخاص بأوكرانيا، حيث أمر قائد عسكري الجنود بإخراج اثنين من المدنيين وقتلهم..لكن اثنين من الجنود اعترضا على هذا الأمر ونتيجة لذلك لم يُنفّذ..لذا، هناك أدلة واضحة على وقوع بعض الحوادث في الجيش الروسي، ولكن هناك أيضا أدلة على احتوائها والتحكم فيها”.

كما يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تجري محاكمة في جريمة “شن حرب عدوانية”، وهي جريمة غزو أو صراع غير مبرر، يتجاوز العمل العسكري المبرر دفاعا عن النفس.

وقد نشأت في محاكمات نورمبرغ، بعد أن أقنع القاضي الذي أرسلته موسكو الحلفاء، بأن القادة النازيين يجب أن يواجهوا العدالة على “الجرائم ضد السلام”.

لكن على الرغم من ذلك، يقول البروفيسور فيليب ساندز، وهو خبير في القانون الدولي في جامعة لندن كوليدج، إن المحكمة الجنائية الدولية لا يمكنها مقاضاة قادة روسيا لأن الدولة ليست من الدول الموقعة على المحكمة.

ومن الناحية النظرية، يمكن لمجلس الأمن أن يطلب من المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في هذه الجريمة، لكن وبطبيعة الحال، يمكن لروسيا أن تستخدم حق النقض ضد ذلك.

فهل هناك طريقة أخرى لملاحقة الأفراد؟
لا تعتمد فعالية المحكمة الجنائية الدولية، والطريقة التي يعمل بها القانون الدولي في الممارسة، على المعاهدات فحسب، بل على السياسة والدبلوماسية أيضا.

ويحاجج البروفيسور ساندز والعديد من الخبراء الآخرين بالقول إن الحل يكمن مرة أخرى، على غرار محاكمات نورمبرغ، في الدبلوماسية والاتفاقيات الدولية.

إنه يدعو زعماء العالم إلى تشكيل محكمة فردية لمحاكمة جريمة العدوان على أوكرانيا.

اترك تعليقا