كاتب أمريكي يحلل البوتينية في ‘روسيا ومستقبلها مع الغرب’

يرى الكاتب الأمريكي ان ‘البوتينية هي رأسمالية وسياسة اقتصادية ليبرالية لكنها أيضا تنطوي على قدٍر كبير من تدخل الدولة تدخلاً شامل تقريبًا عندما يتعلق الأمر بالقضايا الهامة. إنها حكومة استبدادية.

ويظل المعروف عن الروسي فلاديمير بوتين وأفكاره ورؤاه وآرائه قليل جدا، فكل ما يعرف عنه ملامحه الغامضة، وسياساته الأكثر غموضا، ورجولته التي يتفاخر بها، ونشاطه في رياضة الجودو وغيرها من أنواع الرياضة، وظهوره بمظهر الراعي للأمة الروسية الذي يواجه أزمة اقتصادية كبرى، وتصنيفه الشعبي المرتفع لدي الروس، وكل هذا لعبت وسائل الإعلام الممسوك من قبل الدولة دورا في ترسيخه ترسيخ صعود نجمه وشعبيته.

وهناك قراءات وتحليلات لكتاب ومفكرين أوروبيين وأميريكين سعت إلى تتبع شخصيته في مختلف مستوياتها انطلاقا من التكوين المعرفي والسياسي والعسكري له.

ومن بين هؤلاء كان المؤرّخ  الأميركي وولتر لاكوير في كتابه “البوتينية.. روسيا ومستقبلها مع الغرب” والذي خصص فصلاً كاملاً لرصد وتحليل مكوناته ومراحل تطورها.

والكتاب يدرس ويقيم الآفاق المحتملة لمستقبل روسيا، والأهم “المشروع الروسي” (أيديولوجيا كان أم عقيدة) حيث يرى لاكوير في كتابه الذي ترجمه د.فواز زعرور وصدر عن دار الكتاب العربي أنه “من بين الدستة الأخيرة من الزعماء الاثني عشر الذين جرى اختيارهم لحكم الاتحاد السوفييتي وروسيا، جميعهم، باستثناء الأخير منهم، لم يكن مجيئه مينطوي على أية مفاجأة. فجميعهم كانوا أعضاء في المكتب السياسي للحزب، الهيئة الرسمية الحاكمة.

ولقد رأى المتابعون للمشهد الروسي بأن صعود بوتين إلى سدة السلطة كان يمكن معارضته والوقوف في وجهه ـ متأثرين ربما بإحدى مسرحيات بيرتولد بريخت الأقل إثارة التي كتبت إبان العهد النازي حول الصعود القابل للممانعة إلى سدة السلطة من قبل آرتورو وي ملك تجارة القرنبيط.

 لكن البراهين المتوفرة بشأن مصداقية هذه الرواية ليست قاطعة إلى هذا الحد. من حيث المبدأ، فإن أي شيء كان قابلا للحدوث في أعقاب فترة حكم يلتسن المدمرة والفوضوية. لكن في ضوء كل ما كان معروفا عن التاريخ والتقاليد الروسية والشؤون السوفييتية الحالية، فإن ظهور ديكتاتورية قومية كان أكثر ترجيحا من أي احتمال آخر حتى خلال فترة التسعينات.

وقد رأى بعض الاقتصاديين بأن ثروات النفط والغاز لا تستطيع المساهمة إلا بنصف الدخل القومي الروسي في الحقبة البوتينية. هذا صحيح، لكن دخل النفط والغاز كان عاملا حاسما، فهو يسهم إلى حد بعيد في نهوض الاقتصاد بشكل عام، وفي مجمل الخطط الاجتماعية والسياسية التي أطلقتها حكومة بوتين والتي استفاد منها السكان، ً وأخيرا وليس آخرا إسهامه في خدمة سياسة بوتين الخارجية والعسكرية.

البوتينية هي رأسمالية الدولة

وتطرق لاكوير في كتابه إلى الحديث عن العقيدة الجديدة الآخذة بالظهور شيئًا فشيئًا في روسيا. مؤكدا إن معظم البلدان، حتى معظم القوى العظمى، قادرة على البقاء والاستمرار من دون عقيدة أو رسالة أو مصير واضح، ولكن ليس روسيا.

وأضاف “تنطوي العقيدة أو الإيديولوجية الروسية على عدة مكونات: الدين (عقيدة الكنيسة الأورثوذكسية، رسالة روسيا المقدسة، روما الثالثة والقدس الجديدة)، الوطنية/ القومية (مع اصطفافات باتجاه الشوفينية)، النمط الروسي من الجيوبولتيك، الأوراسية، شعور القلعة المحاصرة، والزابادوفوبيا (الخوف من الغرب)، الذي ابتدعه الفيلسوف والمنظر الإيديولوجي نيقولاي دانيلفيسكي كـ “ثقافة غربية”).

ويتساءل لاكوير: ما هي البوتينية؟ ويجيب ” البوتينية هي رأسمالية الدولة، سياسة اقتصادية ليبرالية لكنها أيضا تنطوي على قدٍر كبير من تدخل الدولة – تدخل شامل تقريبًا عندما يتعلق الأمر بالقضايا الهامة. إنها حكومة استبدادية، لكن هذا ليس جديدًا في التاريخ الروسي، حيث يجري التخفيف من حدة الاستبدادية وتلطيفها بالفساد وعدم الكفاءة. هنالك برلمان، لكن أحزاب المعارضة ليست حقيقة في المعارضة. هنالك صحافة حرة، لكن الحرية مقصورة على الصحف الصغيرة وينبغي على النقد ألا يتمادى أكثر من اللازم. هنالك دستور، لكنه ليس بالدليل أو المرشد الأفضل لوقائي روسيا وحقائق روسيا المعاصرة.

وقال “كان هنالك دستور ستاليني عام 1935، يقال بأنه أكثر الدساتير ديمقراطية في العالم، لكنه لم يكنيمت بصلة لممارسات الستالينية. بات الأمر برمته مادة مغرية للتهكم والسخرية البائسة والنكات”.