لماذا استهدف بوتين محطات الكهرباء الأوكرانية؟

أطلقت روسيا يوم الإثنين 10 أكتوبر/تشرين الأول 84 صاروخاً على أهداف للبنية التحتية المدنية الأوكرانية، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في كثير من المدن، ثم عادت روسيا يوم الثلاثاء 11 أكتوبر/تشرين الأول لتطلق 28 صاروخاً آخر من طراز كروز. وقالت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية إن روسيا قصفت أكثر من 40 تجمعاً سكنياً في يومي القصف، وقتلت ما يزيد على ثلاثين شخصاً.

على الرغم من كثافة تلك الهجمات وشدتها، فإنها لم تكن كافية لإرضاء القوميين الروس المؤيدين للحرب، فهم يريدون المزيد من الهجمات، حتى وإن كان استهداف البنية التحتية المدنية قد يُفضي إلى اتهام روسيا بارتكاب جرائم حرب، كما تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية.

ماذا يرد الصقور في إدارة بوتين؟

قال يوغدان بيزبالكو، المسؤول بمجلس الكرملين لشؤون العلاقات بين الأعراق، إن هذه الهجمات “يجب شنُّها باستمرار، ليس مرة واحدة فقط، وإنما لمدة أسبوعين إلى خمسة أسابيع، لتعطيل جميع أركان البنية التحتية، وجميع محطات الكهرباء، وجميع محطات التدفئة والطاقة، وجميع محطات التحويل الكهربائية الفرعية، وجميع خطوط الكهرباء، وجميع محاور السكك الحديدية”.

وتابع بيزبالكو، الذي قال تصريحاته هذه في التلفزيون الحكومي: “بعد ذلك، ستغرق أوكرانيا في البرد والظلام، سيعجزون عن جلب الذخيرة والوقود، وسيتحول الجيش الأوكراني إلى حشد من الرجال المسلحين بقطع من حديد”.

غير أن القوميين المتشددين بروسيا، ممن يطالبون علناً في التلفزيون وعلى تطبيق تلغرام بمعرفة السبب الذي يمنع روسيا من الهجوم على مزيد من الأهداف عالية القيمة، لن تروقهم الإجابة عن سؤالهم: إذ يذهب خبراء عسكريون غربيون إلى أن الجيش الروسي يبدو أنه يفتقر إلى ما يكفي من صواريخ دقيقة لمواصلة الضربات الجوية بالوتيرة التي كانت عليها هجماته يوم الإثنين 10 أكتوبر/تشرين الأول.

وفي هذا السياق، يقول كونراد موزيكا، مؤسس شركة Rochan Consulting للاستشارات العسكرية في بولندا: “روسيا تفتقر إلى الصواريخ الدقيقة التوجيه، هذا هو التفسير الوحيد لديَّ للأمر”. وقال خبراء إن السبب المجرد في عدم قيام روسيا بقطع خدمة الكهرباء والمياه في جميع أنحاء أوكرانيا هو: عجزها عن ذلك في واقع الأمر.

استدل الخبراء بتراجع وتيرة استخدام روسيا للصواريخ الدقيقة التوجيه تراجعاً حاداً منذ مايو/أيار، للقول إن المخزونات الروسية من هذه الصواريخ ربما تكون منخفضة.

لماذا لم تلجأ روسيا إلى صواريخ إسكندر؟

اعتمدت غالب هجمات روسيا يوم الثلاثاء على صواريخ كروز التي تطلق من الجو، ويقول موزيكا إن هذه الصواريخ أبطأ من صواريخ “إسكندر” الباليستية الموجهة، ويسهل على أوكرانيا إسقاطها. وكانت وزارة الدفاع الأمريكية ذكرت في تقرير لها في مارس/آذار أن معدل فشل صواريخ كروز الروسية التي تطلق من الجو يبلغ ما بين 20% و60% من إجمالي هذه الصواريخ.

وقال موزيكا: “أظن لو أن روسيا كان لديها إمدادات غير محدودة من الصواريخ الدقيقة الموجهة، لكانت ستواصل ضرب الأهداف المدنية، لأن هذا أسلوب روسيا في الحروب”. ومع ذلك، فقد أشار إلى أن الخبراء ليس لديهم معلومات مؤكدة بشأن مخزون الصواريخ الروسية أو معدل الإنتاج لها، وأن هذه الآراء مستندة إلى انخفاض استخدام روسيا للصواريخ الدقيقة الموجهة، وزيادة اعتمادها على صواريخ أقل دقة.

غير أن بعض الخبراء يستدلون أيضاً بعجز روسيا عن تدمير أهداف مماثلة لتلك التي تمكنت أوكرانيا من استهدافها باستخدام صواريخ “هيمارس” HIMARS التي زودتها بها الولايات المتحدة.

وقال موزيكا: “إذا نظرنا إلى ما فعلته صواريخ هيمارس بطرق الإمداد الروسية، وإلى تأثيرها في قدرات روسيا على مواصلة القتال، يتبين لنا أنها تسببت في أضرار جسيمة لموقف روسيا في هذه الحرب. ومقصد ذلك من الناحية العسكرية أن روسيا لو كان لديها مخزون كبير من الصواريخ الدقيقة التوجيه (PGMS)، لكانت قادرة في الغالب على إلحاق أضرار مماثلة بالقوات الأوكرانية، لكنها عجزت عن ذلك”.

واستنتج موزيكا من ذلك، أن الروس “عجزوا عن ذلك في واقع الأمر، بل إنهم عجزوا عن قطع طرق الإمداد الأوكرانية الرئيسية، وعجزوا عن تدمير الجسور والسكك الحديدية وتقاطعاتها، وما إلى ذلك”.

ماذا تحقق من مكاسب لروسيا؟

من جهة أخرى، كتب لورانس فريدمان، أستاذ دراسات الحرب في كلية كينغز لندن، في نشرة إخبارية أن تصعيد روسيا للهجمات الصاروخية على أهداف مدنية يوم الإثنين 10 أكتوبر/تشرين الأول لم يحقق لها أي مكاسب عسكرية واضحة.

وكتب فريدمان: “تفتقر روسيا إلى الصواريخ اللازمة لشن هجمات من هذا النوع بوتيرة كبيرة، فقد أوشك مخزونها من تلك الصواريخ على النفاد، ويزعم الأوكرانيون أنهم بلغوا نسبة نجاح عالية في القدرة على اعتراض الكثير من الصواريخ الروسية المستخدمة بالفعل. لذلك أقول إن هذه الهجمات ليست استراتيجية جديدة للانتصار في الحرب، وإنما هي نوبة غضب صادرة عن شخص مصاب باضطراب نفسي”.

وزعم فريدمان أن “حاجة [الرئيس الروسي] بوتين إلى تسكين حدة منتقديه أحد أسباب هجومه على المدن الأوكرانية. فالمتشددون الروس يلحون منذ مدة على مهاجمة البنية التحتية الأوكرانية، وقد حصلوا على ما يريدون، إلا أن النتائج ستصيبهم بخيبة الأمل حتماً”.

ويرى فريدمان أن “روسيا ربما تكرر تلك الهجمات؛ لأن هذا الأسلوب يتوافق مع عقلية بوتين وجنرالاته التي تؤمن بإجبار الأعداء على الاستسلام بهذه الوسائل، إلا أن واقع الأمر أن مخزون روسيا من صواريخ (كاليبر) و(إسكندر) يوشك على النفاد”، بحسب الصحيفة الأمريكية.

قالت ماريا شاغينا، الباحثة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن، إن الهجمات التي تعرضت لها شبكة الكهرباء في أوكرانيا جاءت وسط النكسات العسكرية الروسية لترويع المدنيين الأوكرانيين وترهيبهم، ولإفقارهم إلى الطاقة في الشتاء، وكسر إرادة المقاومة لديهم.

الإنهاك وكسر الروح المعنوية

أشارت شاغينا إلى أن أحد الأهداف الواضحة للضربات الروسية على ست محطات كهرباء فرعية في لفيف الواقعة غرب أوكرانيا هي منع البلاد من تصدير الكهرباء إلى أوروبا، وتعطيل إمدادات الطاقة في المدينة.

قال موزيكا إن روسيا لا تبالي بالاتفاقيات الدولية، فقد انتهجت استهداف المباني السكنية والبنية التحتية المدنية لخصومها في حربي الشيشان الأولى والثانية، وفي سوريا، وفي أوكرانيا.

وزعم موزيكا أن “الروس يركزون هجماتهم على شبكة الطاقة والكهرباء لتصعيب المعيشة على المدنيين. وهم يرون أن قصف المناطق المدنية والسكنية وأي شيء يمكن أن يطال تأثيره معيشة المدنيين هو هدف عسكري، فالحرب لدى روسيا حرب شاملة”.

وخلص موزيكا إلى أن الروس “يسعون في المقام الأول إلى إنهاك الأوكرانيين، وكسر روحهم المعنوية، وإخماد رغبتهم في القتال، والغاية هي زيادة الضغط على الحكومة الأوكرانية لإجبارها على القبول بالتفاوض مع روسيا”.

في غضون ذلك، فإن أندريه ميدفيديف، الصحفي الروسي وعضو مجلس مدينة موسكو، الذي يدير قناة تليغرام تروج الآراء القومية المتشددة والمؤيدة للحرب، حثَّ المتابعين على التحلي بالصبر، وقال إن قرار “قصف أوكرانيا قصفاً يعيدها إلى العصور الوسطى” لم يُتخذ بعد.

وقال ألكسندر كوتس، مراسل الشؤون العسكرية لصحيفة Komsomolskaya Pravda، على قناته المؤيدة للحرب، إنه يأمل في أن تكون هذه الهجمات إيذاناً بمسار جديد في تلك الحرب يقوم على قصف أوكرانيا “حتى تصبح عاجزة عن تسيير أمورها”، أو تدبير معايش الناس فيها.