نظرة على النظام الاتحادي في ظل الدستور العراقي الجديد

قبل القصد

ان فكرة اقامة النظام الفيدرالي في العراق هي فكرة حديثة العهد انبثقت بعد غزو الكويت وانتفاضة عام 1991 حيث تحررت المنطقة الشمالية ذات الأغلبية الكردية من سيطرة الحكومة المركزية في بغداد بدعم من قوات التحالف الدولية، اتخذ بعدها البرلمان الكردستاني عام 1992 قراره بتبني النظام الاتحادي”1″.

و بعد سقوط النظام السياسي في العراق أقر مجلس الحكم قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة المؤقتة في 8/3/2004 ، و هذا القانون تولى تنظيم السلطة في الدولة و انهى المرحلة الانتقالية من خلال تشريع دستور دائم وضع اللبنات الأساسية لاقامة النظام الاتحادي في العراق”2″.

و بصدور الدستور العراقي عام 2006 أُقر النظام الاتحادي كنظام سياسي دستوري للبلاد اذ ختم دستور العراق الدائم ديباجته المتينة الرصينة  بـ( ان الالتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعباً و ارضاً و سيادةً )، و هذا ما يدل على تمسك القوى الفاعلة في المجتمع العراقي بالفكرة الاتحادية للدولة و اتحاد مقومات الدولة في العراق ،فجاءت المادة الاولى منه بالمبدأ العام و هو ان العراق دولة ذات نظام اتحادي و هي وحدة واحدة تتمتع بالاستقلالية و السيادة  التامة على جميع اراضيها و هذه من سمات الدولة الاتحادية و مبادئها الأساسية.”3″.

و لقد اورد دستور العراق، الكثير من احكام النظام الاتحادي على نحو ما استقر عليه الفقه الدستوري عند بحثه للدولة الاتحادية سنتناولها في نظرتنا هذه  كالآتي:

المبحث الاول: نظرة على الفكرة الاتحادية في ذاتها :

الاتحاد الفدرالي هو اتحاد دستوري بين الولايات تظهر من مجموعها سلطة اتحادية عليا تعلو هذه الولايات”4″ .

أي ان هناك اقاليم ارتضت جميعها ان تكون تحت راية واحدة مقابل التخلي عن جزء من سيادتها الداخلية للدولة الاتحادية العليا التي تمثل الدولة الواحدة و عن كل سيادتها الخارجية ، و تعتبر السلطة المركزية التي يُنشئها الاتحاد الفدرالي بموجب دستور الاتحاد حكومة مستقلة عن حكومات الاقاليم الاعضاء و مسيطرة عليها و على رعاياها بصورة غير مباشرة، و لها من القوة المركزية ما يكفل لها تنفيذ ما تصدره من قوانين و قرارات و لها وحدها تولي الشؤون الخارجية نيابة عن المجموع  و هي التي تنشئ العلاقات الدولية من معاهدات سياسية و عسكرية و ترسل السفراء والدبلماسيين وتقبل الدبلماسيين الاجانب وكذلك تختص بعقد المعاهدات واعلان الحرب وعقد الصلح. لذلك يعتبر الاتحاد شخصا دوليا قائما بذاته تندمج فيه شخصية كل الولايات الداخلة في الاتحاد و ياخذ مظهر الدولة.

و تنشأ الدولة الفيدرالية باحد اسلوبين :

• اما باتفاق عدة دول مستقلة على انشاء اتحاد مركزي مثال ذلك : الولايات المتحدة الامريكية ، سويسرا، المانيا، و كندا .

• او بتفكك دولة موحدة إلى عدة دويلات صغيرة مع وجود الرغبة في البقاء معا على شكل اتحادي مثل : الاتحاد السوفيتي السابق ،المكسيك،الارجنتين  و النمسا”5″.

و لما كان العراق دولة موحدة مركزية لذا يقتضي الامر من اجل تطبيق النظام الاتحادي فيه ان يتفكك إلى اقاليم و يبقى على شكل اتحادي .لذا فقد بين الدستور العراقي في المادة (119) منه حق كل محافظة أو اكثر في تكوين اقليم بناءً على طلب بالاستفتاء عليه و يقدم من ثلث الاعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم أو طلب يقدم من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم.”6″

لقد تطوّرت الفكرة الاتحادية كردٍّ على الحاجة الدّاعية إلى ضمّ الجماعات السياسيّة المنفصلة، تحت راية متابعة الأهداف التي لا يمكن أن تحقّقها كل جماعةٍ بمفردها، تلك كانت الحالة في سويسرا والولايات المتّحدة.

وفي بعض الحالات، تختار دولة موحدة سابقاً أن تتحوّل إلى دولة اتحادية، وغالباً ما يكون هذا ردّاً على واقع التّنوّع الإثنيّ، والدّينيّ، واللّغويّ، وتلك كانت الحالة في بلجيكا وإسبانيا مثلاً.

و قد اصبحت الفكرة الاتحادية في العراق  الصيغة المناسبة في ظروفنا الحالية لمعالجة القضية القومية التي عانى منها شعبنا سنين طويلة، قدم فيها الخسائر و التضحيات منذ تاسيس الدولة العراقية حتى الان ،  فهي تعبير عن معنى فريد و حقيقة نابعة من فكر سياسي إنساني يسعى إلى ردم الهوة في الواقع الاجتماعي العراقي ورأب تصدعاته و وصل ما انقطع أو تمزق من نسيجه بما يحقق مجتمعاً قويا متطورا يسوده الامن و الاستقرار السياسي و الاجتماعي، و هي أيضا غاية اقتصادية حيث يوزع النظام الاتحادي الاختصاصات و الصلاحيات  بين الاقاليم  بما يخدم المواطن و التوفيق بين الاغراض الذاتية لكل اقليم و هنا ينبثق جانب مهم من جوانب هذا النظام و هو استغلال الامكانات و الطاقات في الاقليم بما يخدم الاقاليم و دولة الاتحاد كلها .

المبحث الثاني: معالم الوحدة و الاستقلال في الدولة الاتحادية 

اولا /معالم الوحدة:

و تتبين لنا من خلال الاتي :

1ـ ان تصرفات الدولة الاتحادية أي دولة المركز في الشؤون الخارجية تكون ملزمة لجميع الولايات الداخلة في الاتحاد لذا فدولة المركز وحدها التي تتمتع بالشخصية الدولية  التي تمنحها حق الدخول في علاقات دولية مع الدول الاخرى أو المنظمات لكن هناك استثناءات لا تنال من هذا الاصل ففي المانيا لوحظ قيام احدى ولاياتها و هي ولاية Basse Sax في 26/شباط 1965 بعقد اتفاقية ثقافية مع دولة الفاتيكان، وكذلك قيام ولاية كيبك الكندية بابرام اتفاقية ثقافية مع وزارة التعليم العالي الفرنسية في 27 / شباط 1960  .

وفي العراق تعتبر الشؤون الخارجية من اختصاص دولة الاتحاد”7″،غير ان الدستور العراقي اعطى الحق للاقاليم  والمحافظات في فتح مكاتب لها في السفارات و البعثات الدبلماسية لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية و الانمائية”8″، و هذه خطوة متقدمة في النظم الفيدرالية.

بنفس الوقت تكون دولة الاتحاد مسؤولة عما تقترفه الولايات من جرائم فالمسؤولية هنا تنسب للدولة لا للولاية ولا مجال لاحتجاج الولاية بدستورها أو بالدستور الاتحادي.”9″ كما ان الحرب المعلنة من قبل الاتحاد مع الدول الخارجية تشترك فيها أيضا جميع الولايات، و ان الحرب التي قد تنشأ بين الاقاليم و الدولة المركزية أو بين الاقاليم نفسها تعتبر حربا اهلية لا دولية .

2ـ للاتحاد دستور خاص به يمثل القانون الاعلى للدولة يسمى الدستور الاتحادي أو الفيدرالي كما هو الحال في الولايات المتحدة الامريكية و سويسرا ، و لقد اخذ الدستور العراقي بمبدأ سمو الدستور ،فهو ملزم في انحاء العراق كافة و لا يجوز سن قانون يخالفه أو يتعارض معه و الا فيعدّ باطلا لا قيمة له”10″.

فاذا صدر قانون يخالف الدستور ثارت الرقابة على دستورية القوانين و اعتبر هذا القانون باطلاً بموجب الدستور، و هنا نرى ان الدستور العراقي اخذ برقابة الالغاء ضمناً رغم عدم النص عليها  اي ان القانون يعتبر لاغياً و باطلاً بموجب الدستور لمخالفته اياه .

3ـ يملك الاتحاد سلطات اتحادية تشريعية ، تنفيذية و قضائية يلتزم بها جميع سكان الاقاليم المكونة للاتحاد و ان ما تقرره السلطة التشريعية للدولة الاتحادية من قوانين و قرارت تنفيذية و كذلك احكام قضائية صادرة من السلطة القضائية الاتحادية تنفذ في جميع الولايات دون حاجة إلى اقرار أو موافقة من الولايات .

و في العراق بين الدستور في الباب الثالث منه السلطات الاتحادية في الدولة حيث تتكون من السلطات التشريعية ،التنفيذية والقضائية وتمارس اختصاصاتها و مهماتها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات”11″.

تتكون السلطة التشريعية الاتحادية في العراق من مجلسين هما :مجلس النواب و مجلس الاتحاد”12″، يتشكل الاول بالانتخاب من مجموع الشعب العراقي”13″، و يتشكل الاخر من ممثلين عن الاقاليم و المحافظات غير المنتظمة باقليم”14″ و السلطة التنفيذية الاتحادية تتكون في العراق من رئيس الجمهورية و مجلس الوزراء”15″.

اما السلطة القضائية فتتكون من مجلس القضاء الاعلى و المحكمة الاتحادية العليا و محكمة التمييز الاتحادية و جهاز الادعاء العام و هيئة الاشراف القضائي و المحاكم الاتحادية الاخرى”16″.

و اهم هذه السلطات القضائية الاتحادية هي المحكمة الاتحادية العليا و التي تشكلت استناداً إلى المادة (44) من قانون ادارة الدولة العراقي الملغى و القانون رقم 30 لسنة 2005  و نص عليها في الدستور في المادة (92) ،حيث تقع على عاتقها مهمة الرقابة على دستورية القوانين اضافة إلى مهام اخرى”17″، فهي الحامية للدستور من تغول السلطات عليه”18″، و قراراتها باتة ملزمة للسلطات كافة”19″.

و هي كذلك تختص بالفصل بالمنازعات التي تثور بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم  والمحافظات و البلديات و الادارات المحلية”20″، أو التي قد تثور فيما بين حكومات الاقاليم أو المحافظات”21″.

و هذه ثمرة من ثمار النظام الاتحادي في انشاء سلطة قضائية اتحادية عليا تتولى الرقابة على دستورية القوانين و الفصل في المنازعات، فدولة الاتحاد هي التي تتولى الفصل في المنازعات فيما بينها و بين احد اعضائها أو بين اعضائها انفسهم مثال ذلك المحكمة العليا في الولايات المتحدة الامريكية و المحكمة الاتحادية في سويسرا.

4ـ اما السيادة الداخلية  للدولة الاتحادية فهي  سيادة كاملة تفوق السيادة الداخلية للولايات فهناك جنسية واحدة و رئيس دولة واحد للدولة الاتحادية للتمثيل الداخلي و الخارجي .

ثانيا / النزعة الاستقلالية :

تتمثل معالم الاستقلال للولايات في الدولة الاتحادية بشكل خاص فــي مجالين : الاقليم ،و التنظيم الذاتي”22″.

اما الاقليم فإن الدساتير الاتحادية تسلم بسلطة الولايات على اقاليمها و لا تجيز فصل جزء منه أو ضم جزء إلى غيره الا بموافقة السلطات في الولايات اضافة إلى موافقة سلطة الدولة الاتحادية.

أما بالنسبة للتنظيم الذاتي :

فمقتضى ذلك ان لكل ولاية دستوراً خاصاً بها تسن فيه السلطة السياسية في الولاية ما تراه مناسبا لها و يتضمن النص على سلطات الاقليم التشريعية و التنفيذية و القضائية و اختصاصاتها على ان لا يخالف هذا الدستور احكام الدستور الاتحادي، و ان يتقيد بالفكرة القانونية السائدة فيه و بالتالي فإن قيام الدولة الاتحادية بتعديل دستورها الاتحادي يستتبع قيام الولايات بتعديل دستورها بما يتلائم و الوضع الجديد .

كما يحق للولايات الاعضاء ان تساهم في تعديل الدستور الاتحادي سواء بالاقتراح أو الاقرار،ويختلف ذلك باختلاف النظم الدستورية المقارنه”23″، ففي الدستور الامريكي تشارك الولايات في اقتراح التعديل الدستوري و اقراره”24″.

و في سويسرا فإن للشعب أو المجلس الشعبي و لمجلس المقاطعات ( الكانتونات ) حق اقتراح المراجعة الشاملة أو الجزئية للدستور”25″.

و في العراق نظم الدستور مظاهر استقلال الاقاليم بان يكون لها دستور ينظم سلطاتها التشريعية و التنفيذية و القضائية و صلاحياتها و آليات ممارسة تلك الصلاحيات على ان لا يتعارض ذلك مع الدستور الاتحادي”26″، كما اعطى للاقاليم سلطة تعديل القانون الاتحادي في الاقليم في حالة تناقضه أو تعارضه مع قانون الاقليم بخصوص مسائل لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية و هذا امر غير مسبوق في الدول الاتحادية على حد علمنا .

و اعطى الدستور للاقاليم و المحافظات الحق في تاسيس مكاتب في السفارات و البعثات الدبلماسية لمتابعة الشؤون الثقافية و الاجتماعية و الانمائية، ولها الحق في انشاء قوى الامن الداخلي كالشرطة و الامن و حرس الاقليم”27″، اما بالنسبة للمحافظات التي لم تنتظم في اقليم فقد توافر الدستور العراقي على منحها الصلاحيات الادارية و المالية الواسعة بما يمكنها من ادارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الادارية”28″.

اما بالنسبة للتعديل الدستوري فإن لرئيس الجمهورية و مجلس الوزراء مجتمعين أو لخُمس اعضاء مجلس النواب اقتراح تعديل الدستور، و لا يجوز اجراء التعديل اذا كان من شأنه انتقاص صلاحيات الاقاليم  التي لا تكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية الا بموافقة السلطة التشريعية في الاقليم المعني و موافقة اغلبية سكانه باستفتاء عام”29″، كل ذلك خشية ان يؤدي التعديل إلى سلبها حريتها أو استقلالها في ادارة شؤونها المحلية و يقلل من دورها في تحديد سياسة الدولة الاتحادية.

وبالتالي لم يبين الدستور فيما اذا كان للاقاليم اقتراح تعديل دستوري أو اقراره الا فيما يتعلق بمشاركة الشعب بالاستفتاء العام على التعديل الدستوري كونهم جزءاً من الكل .

المبحث الثالث: كيفية توزيع الاختصاصات في الدولة الاتحادية 

يتم ذلك باحدى الطرق التالية :

الطريقة الاولى : تنظيم قائمة بجميع الامور التي هي من اختصاص الدولة الاتحادية و قائمة ثانية بالامور التي هي من اختصاص الولايات ،و هنا يمكننا ان نتعرف مقدماً على اختصاص كل منهما .

الا ان هذه الطريقة يعاب عليها استحالة حصر جميع المسائل و جعلها ضمن اختصاص دولة الاتحاد أو الولاية فهذه المسائل تتغير بتغير الواقع الاقتصادي والاجتماعي و السياسي

الطريقة الثانية : ان يتم تحديد اختصاصات الدولة الاتحادية و ما عداها يدخل ضمن اختصاص الولايات و في ذلك توسيع لصلاحيات الولايات يعزز من نزعتها الاستقلالية و اخذ بهذه الطريقة الكثير من الدول الاتحادية كالولايات المتحدة الامريكية و سويسرا و استراليا .

الطريقة الثالثة : و هنا تحدد اختصاصات الولايات  الأعضاء و ما عداها يترك امره للاتحاد و في هذه الطريقة تعزيز لمركز و مكانة الاتحاد .

وقد اخذ العراق بالطريقة الثانية حيث بين اختصاصات الدولة الاتحادية حصريا و هي الصلاحيات السياسية و السلطات السيادية”30″، و ترك ما عداها للحكومات المحلية.

و قد بين الدستور ان هناك اختصاصات تدار بالتعاون ما بين الدولة الاتحادية  و سلطات الاقاليم و تشتركان فيها كادارة الثروات النفطية و الغاز، الاثار ، الجمارك ، تنظيم الطاقة ، رسم السياسة البيئية و التنموية و التعليمية و التربوية ،و رسم سياسة الموارد المائية الداخلية”31″.

غير ان الدستور العراقي بين أن في حالة الخلاف بين سلطة الاتحاد و سلطة الاقليم أو المحافظة فيما يتعلق بالاختصاصات المشتركة بينها فقط تكون الغلبة فيها إلى قانون الاقليم أو المحافظة غير المنتظمة في اقليم”32″ ،و نرى في ذلك توسيعاً لسلطات الاقاليم و المحافظات غير المنتظمة في اقليم يتلاءم مع نزعتها الاستقلالية، الا ان في ذلك محاذير كبيرة حيث ان من مبادئ الدولة الاتحادية هي ان تكون القوانين الاتحادية اعلى من القوانين التي يسنها اعضاؤها و لها الاولوية في التطبيق، و رغم اختلاف كل دولة في نظامها الدستوري الذي تسنه بناءً على واقعها السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي فإننا لا نجد مبررا لمثل هذا النص فهو سيخلق مستقبلا نزاعات و خلافات  لا اول لها و لا اخر  …صعبة و لكن ليست مستحيلة!.

الخاتمة

تبين لنا بعد هذه النظرة السريعة على النظام الاتحادي الذي شيده المشرع الدستوري في العراق في ظل دستور العراق الذي صدر عام 2006 ، ان النظام الاتحادي كنظام للادارة  والحكم ينطوي على ضمانات اكيدة رسختها تجارب الدول لقيام دولة مزدهرة و عصرية. وان قيام دولة عراقية اتحادية و تعددية هي الحل الامثل لكل الازمات الوطنية المزمنة لدينا، و هي  وسيلة للملمة شمل العراقيين الذي مزقته الدكتاتورية والمقابر الجماعية و التطهير العرقي .

ويلاحظ ان العراق في اخذه بالنظام الاتحادي قد قلل من دور السلطة المركزية فعزز بشكل واضح من النزعة الاستقلالية للاقاليم قلقا من تاريخ دامٍ اهلكت فيه السلطة المركزية المطلقة البلاد و العباد.

و حري بنا القول ان تطبيق النظام الاتحادي يحتاج إلى وعي سياسي و يرتبط بشكل وثيق بالديمقراطية ، و تستمد فيه المستويات الحكومية كافة سلطتها من الدستور و شرعيتها من موافقة الشعب عليها من خلال انتخابات حرة و نزيهة، بالتالي يفترض ان الجميع يحترم القانون و الدستور بل و يسهر على احترامه.

لذا يقتضي الامر تعزيز و تدعيم  الثقافة الاتحادية أو الفيدرالية لدى المواطن و تعريفه بها و اعداد الكوادر القيادية الادارية المخلصة و الفاعلة التي ستدير دفة الحكم في الاقاليم و المحافظات . و من الطبيعي ان تواجه عملية التطبيق الفعلي بعض العقبات سرعان ما سيتم تجاوزها عن طريق الاستفادة من تجارب الاخرين  و استشارتهم و تعلم الدروس حين الخطأ.

لذا فاننا نرى استنتاجاً و استشرافاً للمستقبل ان منبت النظام الاتحادي في العراق خصب ،يمكن ان يعطي ثمارا تعجب الزراع ، فلنرعَ اذن بذور هذه الفكرة حق رعايتها لتقف على سوقها و الله ولي التوفيق.

المصادر

• سعد عصفور ـ المبادئ الأساسية في القانون الدستوري والنظم السياسية- مطبعة التقدم -1980.

• محسن خليل ـ القانون الدستوري و النظم السياسية – الاسكندرية.

• سعد عبد الجبار العلوش – الدولة الموحدة و الدولة الفيدرالية- بحث منشور في مجلة دراسات دستورية عراقية – ط 1 – 2005.

• محمود حسين علي – اسس الفيدرالية قديما و حديثا – بحث منشور في مجلة القانون المقارن – العدد 41 – 2006.

• جميل عودة – مفهوم الدولة الفيدرالية – مقالة منشورة على شبكة الانترنت/ www.sherazi.net.

• قانون ادارة الدولة العراقية الصادر عام 2004.

• الدستورالعراق الصادر عام 2006.

• الدستور الامريكي .

• الدستور السويسري.

• قانون السلطات المحلية رقم 71 لسنة 2004 .

• قانون تاسيس المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005.

الهوامش:

1.   جميل عودة – مفهوم الدولة الفيدرالية – مقالة منشورة على شبكة الانترنت/ www.sherazi.net – ص2.

2. المادة ( 4 ) من قانون ادارة الدولة العراقية الصادر عام 2004.

3. المادة (1 ) من الدستور العراقي الصادر عام 2006.

4. محسن خليل – القانون الدستوري و النظم السياسية – الاسكندرية – ص 316.[ يتألّف عدد كبير من الأنظمة الاتحادية من حكومةٍ اتحادية أو وطنيّة، ويطلق على حكومات الوحدات المكوّنة للدولة الاتحادية أسماء مختلفة، منها:(الولايات (كالولايات المتّحدة الأمريكيّة، والمكسيك، ونيجيريا، والهند… إلخ ،و)الكانتونات (كسويسرا،و) المقاطعات( كما هو في كندا، وجنوب أفريقيا، و)مقاطعات اللاندر (مثل ألمانيا،والنّمسا،و)الأقاليم) كبلجيكا،و)الجماعات المستقلّة (في إسبانيا، و)الجمهوريّات، والدّوائر (في روسيا.و سنستخدم في هذه الدراسة مصطلح الولاية بشكل عام اما بالنسبة للعراق فسنستعمل ما نص عليه الدستور من اصطلاحات و هي ( الاقاليم و المحافظات )].

5. محمود حسين علي – اسس الفيدرالية قديما و حديثا – بحث منشور في مجلة القانون المقارن – العدد 41 – 2006 – ص 121  .

6. المادة 119 من الدستور و نرى ان هذا النص جاء قاصراً فلم يبين امكانية توحيد اقليمين و اندماجهما معا أو انضمام محافظة إلى اقليم قائم،و لا نعتقد في ذلك مانعاً من ذلك بسبب اتجاه نية المشرع الدستوري حينها إلى امكانية اندماج اقليمين أو انضمام محافظة لاقليم و هو ما تفصح عنه محاضر كتابة الدستور العراقي اي ان النص يجب ان يفسر بمعناه الواسع و استشراف روح النص و يمكن تلافي هذا القصور من خلال توضيح ذلك في قانون تشكيل الاقاليم و الذي سيبين الآلية و الكيفية التي يشكل فيها الاقليم و ذلك استناداً للمادة (118) من الدستور.

7. المادة(121/اولاً) من الدستور العراقي.

8. المادة(121/رابعاً) من الدستور العراقي.

9. (مثال ذلك الحكم الصادر في قضية Mellen   عام 1927 القاضي بمسؤولية حكومة الولايات المتحدة الامريكية عن الأعمال الضارة التي اسندت إلى ولاية تكساس باعتبارها احدى ولاياتها ).

10. المادة( 13) من الدستور.

11. المادة(47) من الدستور.

12. المادة(48) من الدستور.

13. المادة(49) من الدستور.

14. المادة(65) من الدستور.

15. المادة(66) من الدستور.

16. المادة(89) من الدستور.

17. المادة(93) من الدستور.

18. المادة (اولاً/93) من الدستور.

19. المادة(94) من الدستور.

20. المادة (رابعا/93 ) من الدستور. و جدير بالذكر ان اللجوء للمحاكم لحل النزاعات في الدول الاتحادية يجب ان يكون الملاذ او الحل الاخير ،و ان الوسيلة الطبيعية لحل النزاعات هي المفاوضات المستمرة بين الطرفين و الوصول إلى تفاهم مشترك.

21. المادة (خامسا / 93) من الدستور.

22. انظر د.سعد عصفور – المبادئ الأساسية في القانون الدستوري والنظم السياسية- مطبعة التقدم -1980 – ص 123 و ما بعدها .

23. سعد عبد الجبار العلوش – الدولة الموحدة و الدولة الفيدرالية- بحث منشور في مجلة دراسات دستورية عراقية – ط 1 – 2005 – ص 400.

24. المادة (5) من الدستور الامريكي.

25. المادة(193) من الدستور السويسري ، و يراجع لمزيد من التفصيل  سعد عصفور- مصدر سابق- ص 123-124.

26. المادة(120) من الدستور العراقي.

27. المادة (م 121  ) من الدستور العراقي و جدير بالذكر ان في العراق اقليماً واحداً هو اقليم كردستان و له سلطات قائمة و دستور و قد أقر الدستور العراقي بنفاذه هذا الاقليم و سلطاته وفقاً للمادة117.

28. المادة م 122 من الدستور العراقي ، صدر القانون رقم 71 لسنة 2004 عن سلطة الائتلاف المؤقتة باسم قانون السلطات المحلية  و يمثل نقلة جديدة و كبيرة في موضوع اللامركزية الادارية .

29. يقوم هذا القانون على اساس الانتخاب للمجالس المحلية و تخويلها الاختصاصات الاتحادية التي تبلغ إلى حد تعيين مدير الشرطة في المحافظة و المحافظ نفسه و عزله).

30. المادة ( م 126) من الدستورالعراقي.

31. نصت المادة 110 من الدستورالعر اقي على ان : تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية الاتية:

اولا: رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية .

ثانيا: وضع سياسة الامن الوطني وتنفيذها، بما في ذلك انشاء قوات مسلحة وادارتها لتأمين حماية وضمان امن حدود العراق، والدفاع عنه .

ثالثا : رسم السياسة المالية والكمركية واصدار العملة وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق ووضع الميزانية العامة للدولة ورسم السياسة النقدية وانشاء بنك مركزي وادارته .

رابعا: تنظيم امور المقاييس والمكاييل والاوزان .

خامسا: تنظيم امور الجنسية والتجنس والاقامة وحق اللجوء السياسي .

سادسا: تنظيم سياسة الترددات البثية والبريد .

سابعا: وضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية .

ثامنا: تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق وضمان مناسيب تدفق المياه إليه وتوزيعها العادل داخل العراق، وفقا للقوانين والاعراف الدولية .

تاسعا: الاحصاء والتعداد العام للسكان (( ..

32. راجع المواد 112 – 114 من الدستور. و لم ترد اختصاصات مشتركة اخرى كالسياحة ،الهجرة، الرياضة،الطاقة و نتيجة للعولمة المتزايدة التجارة العالمية و بالتالي هي من اختصاص الاقاليم.

33. نصت المادة 115  من الدستور على ان: (كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية تكون من صلاحية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم والصلاحيات الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم في حالة الخلاف بينهما).