هل تؤثر الانتخابات النصفية الأمريكية على دعم أوكرانيا

تراقب الحكومات الأوروبية عن كثب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي التي بدأت اليوم الثلاثاء، والتي تحمل في طياتها فوزًا محتملًا للحزب الجمهوري بأغلبية مجلسي النواب والشيوخ، وفقًا للاستطلاعات، في خطوة قد تؤثر سلبًا على دعم البيت الأبيض لأوكرانيا.

وكون الولايات المتحدة أكبر المانحين لأوكرانيا منذ بدء الحرب، تشعر الدول الأوروبية بالقلق تجاه واشنطن، إذ من المتوقع أن يعرقل الجمهوريون، إذا سيطروا على الكونغرس، جهود إدارة الرئيس جو بايدن، بشأن الدعم العسكري والمادي لكييف؛ ما يثير التساؤلات حول مدى استمرارية الدعم الأوروبي للبلد الممزق.

تماسك رغم التحديات

وفي هذا الصدد، تساءلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية حول ما إذا كانت أوروبا ستصمد في دعمها لأوكرانيا في حال عاد الجمهوريون إلى المشهد من جديد، خاصة أن معظم الدول الأوروبية تواجه العديد من التحديات والسخط الشعبي.

وذكرت الصحيفة أن “التضخم والقلق بشأن الأسلحة النووية قد يقضيان على بعض الدعم الشعبي للحرب، لكن الحكومات الرئيسة المانحة لأوكرانيا تظل بمعزل عن الضغوط في الوقت الحالي”.

وأضافت أن “ارتفاع تكاليف المعيشة أدى إلى إضرابات واحتجاجات، وتذمر واسع النطاق”.

وأشارت إلى أن “الحديث عن استخدام الأسلحة النووية أدى إلى زيادة القلق وشجع البعض على المطالبة بمفاوضات سريعة بأي ثمن لإنهاء الحرب، حتى وإن كانت المحادثات تأتي على حساب أوكرانيا”.

وقالت الصحيفة، في تحليل إخباري لها، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، “يتودد قليلًا إلى السياسيين الأوروبيين، بما في ذلك العديد من الأحزاب الشعبوية على اليمين واليسار الذين تعاملوا معه في الماضي.

وأضافت الصحيفة أنه “في حين أن الزعيم الروسي ربما راهن على الإرهاق الأوروبي وتقسيم الحلفاء، لكن بعد أكثر من 8 أشهر من حربه على أوكرانيا، لا تزال أوروبا صامدة”.

ووفقًا للصحيفة، “يعتقد العديد من المحللين أن الالتزام سيستمر ما دامت الولايات المتحدة على الخط، لكنهم رأوا أن سيطرة الجمهوريين المحتملة على الكونغرس، والذين شكك بعضهم في تكلفة الحرب، يمكن أن تغير هذه التوقعات”.

وقالت الصحيفة “على الرغم من بعض الركل والصراخ، فإن الحكومات عبر الطيف الأيديولوجي والقارة – في أوروبا الغربية والشرقية ودول البلطيق وعلى طول البحر الأبيض المتوسط ​​- تحافظ على دعمها لأوكرانيا وتفرض عقوبات صارمة على روسيا”.

وأضافت “بينما تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة انخفاضًا طفيفًا في الدعم الشعبي لأوكرانيا عبر أوروبا، لا يزال الدعم قويًّا، ويبدو أن قادة ألمانيا وفرنسا وإيطاليا – أكبر ثلاثة اقتصادات في القارة – معزولون عن الضغوطات الخارجية والداخلية للانهيار في المستقبل المنظور، إذ أجروا جميعًا انتخابات أخيرًا”.

إلى أي مدى سيستمر الدعم؟

وتحت عنوان “إذا كنت تريد السلام، فأنت بحاجة إلى دعم أوكرانيا”، تساءلت “نيويورك تايمز” حول المدى الذي سيستمر فيه هذا التصميم، خاصة مع الإدراك المضطرب بأن الحرب ستمتد خلال الشتاء، وعلى الأرجح بعده؛ ما يدفع الأوروبيين إلى عالم جديد من التهديدات الأمنية وعدم اليقين الاقتصادي.

وقالت الصحيفة إن العديد من الأوروبيين، في المقابل، يستعدون لمواجهة التحدي، حيث يشعر الكثيرون بالقلق أيضًا من أن أهداف روسيا ستتوسع؛ ما يجعل الحرب أقرب إلى أعتابهم.

وذكرت أنه على سبيل المثال، هناك قلق كبير في فرنسا بين الناس من أنه إذا لم يستطع القادة إيقاف بوتين، فستصل الحرب بعد ذلك إلى بولندا أو دول البلطيق.

وأضافت أنه على الرغم من أن فرنسا شهدت إضرابات واسعة النطاق في الأسابيع الأخيرة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة التي تفاقمت بسبب الحرب، يبدو أن العديد من الفرنسيين على استعداد لدفع ثمن عزمهم، إذ ساعد على ذلك أن الحكومة، مثل الحكومة الألمانية، قد أنفقت مبالغ ضخمة لتخفيف بعض آثار التضخم وارتفاع أسعار الطاقة.

ووفقًا للصحيفة، خلص استطلاع جديد للرأي أجرته منصة “يوبينيونز” الأوروبية، أن 57% من الأوروبيين، بانخفاض من 60% في الصيف و64% في مارس/ آذار، ما زالوا يؤيدون إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، لكن لا تزال هناك مؤشرات على أن العزم الأوروبي يمكن أن يلين تحت وطأة الخسائر الاقتصادية والمخاوف من حرب أوسع أو استخدام أسلحة نووية.

وفي ألمانيا، على سبيل المثال، كانت “الدعوات من أجل السلام” سمة بارزة للاحتجاجات التي نظمها اليمين المتطرف بشأن ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم في البلاد، حيث يعتقد 60% من الناس أن هناك حاجة لمزيد من المبادرات الدبلوماسية.

كما إن هناك عناصر في الحزب الاشتراكي الديمقراطي للمستشار الألماني أولاف شولتس، تظهر أيضا علامات على الانجذاب مرة أخرى نحو التقارب مع روسيا.

وأشارت “نيويورك تايمز” إلى أن هذا الشعور يغلي في جميع أنحاء أوروبا، رغم أنه في الوقت الحالي هبط إلى أحزاب المعارضة.

وفي هذا الصدد، نقلت الصحيفة الأمريكية عن جورج كاتروغالوس، وزير الخارجية اليوناني السابق والذي ينتمي لحزب “سيريزا” المعارض، قوله “يوجد الآن معسكران في أوروبا، معسكر العدل ومعسكر السلام”.

وأضاف “يقول معسكر العدالة إنه مهما يكن، يجب معاقبة روسيا ولا يمكننا إنهاء الحرب، على الأقل حتى يتم هزيمة روسيا بالكامل، لا أعتقد أن هذا ممكن لقوة نووية، لذلك أنا أؤيد الفكرة الأخرى من معسكر السلام”.

قلق أوروبي من عودة الجمهوريين

وفيما يتعلق بالجانب الأكثر قلقًا عند الأوروبيين، تخشى الحكومات الغربية من قيام “كونغرس جمهوري” بإنهاء الدعم الأمريكي الحاسم لأوكرانيا؛ ما يعرقل جهود أكبر دولة مانحة في العالم بواقع تخطى الـ60 مليار دولار منذ بدء الحرب.

وذكرت صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية، أن الأوروبيين محقون في شعورهم بعدم الارتياح بشأن تجاه التجارة والسياسة الاقتصادية الخارجية للولايات المتحدة، إذ دعمت الأخيرة جهود تسليح كييف، ودعم حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفرض عقوبات وعزل روسيا، ولكنَّ هناك قلقًا متزايدًا من أن هذا قد لا يستمر أيضًا.

وقالت الصحيفة إن التحذيرات الأخيرة التي أطلقها زعيم الأقلية الجمهورية الحالية بمجلس النواب الأمريكي، كيفن مكارثي، والتي تفيد بأن حزبه لن يكتب “شيكًا على بياض” لدعم أوكرانيا، قد أثارت مخاوف حقيقية من أن كييف قد تقع ضحية للاستقطاب المتزايد في الولايات المتحدة.

كما أشارت الصحيفة إلى أن فوز الجمهوريين يعني المزيد من القيود على المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، والمزيد من التوترات التجارية بين واشنطن وأوروبا، والمزيد من الضغط على طموحات المناخ العالمي.

ومع ذلك، قالت الصحيفة إن إعلان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، المحتمل عن خوضه سباق الرئاسة في 2024 قد يترك بايدن قريبًا تحت ضغط سياسي متزايد للتركيز على القضايا المحلية؛ ما يؤثر أيضًا على دعم أوكرانيا، إذ تثير مجموعة من الجمهوريين المقربين من ترامب غضب الجماهير بشأن حجم المساعدات لكييف.

وأوضحت الصحيفة “ستكون الآثار المترتبة على الكونغرس ،الذي يسيطر عليه الجمهوريون، عميقة؛ ما يمنحهم مزيدًا من القدرة على عرقلة جدول الأعمال التشريعي لبايدن، وتقييد إنفاقه، وبدء جلسات استماع وتحقيقات في إجراءات وأنظمة إدارته”.