أثر عدم الاستقرار السياسي على التنمية في العراق

م. د. راوية عادل – دكتوراه علوم سياسية – تدريسية في جامعة بغداد – كلية الهندسة

ذاع مفهوم التنمية كمصطلح اقتصادي في العقود الأخيرة حيث كان ينظر لها على أنها مرادفة لنمو الناتج القومي الإجمالي، لكن بعد مرور حقبة ينظر لها على أنها مرافدة لنمو الناتج القومي الإجمالي، لكن بعد مرور حقبة من الزمن أثبتت تجربة البلدان التي سعت نحو تحقيق التنمية أن التنمية ليست ظاهرة اقتصادية صرفة بحسب؛ بل هي ظاهرة لها أبعاد أخرى كالبعد السياسي والثقافي والاجتماعي.

ولذا يمكن القول أن التنمية تهدف إلى إحداث تغييرات هيكلية في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تسود المجتمع؛ وعليه ظهرت مجموعة من المفاهيم للتنمية أبرزها الآتي:

التنمية: هي (عبارة عن النمو علاوة على التغير، التغير لا يقتصر على البُعد الاقتصادي والكمي فحسب؛ إنما يمتدُ ليشمل الأبعاد السياسية والاجتماعية والثقافية والنوعية أيضاً).

أما إعلان الحق في التنمية الصادر عن الأمم المتحدة فقد عرف التنمية على أنها (عملية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية تهدف إلى تحقيق التحسن المتواصل لرفاهية كل السكان وكل الأفراد والتي يمكن عن طريقها تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية).

عدم الاستقرار:

يرى (جونسون – Johnson) “أن عدم الاستقرار السياسي يحصل عندما تكون المؤسسات السياسية في مجتمع معين غير فاعلة في تلبية مطالب الجماهير أو الاستجابة لا مالهم مما يفضي إلى حالة من النفور السياسي بدرجات مختلفة من الشدة”، وتبعاً لذلك يعرف جونسون عدم الإستقرار السياسي بأنه “حالة من النزاع بين الحكومات والجماعات التي تُمثل قوى إجتماعية منافسة لها، وغالباً ما يكون التعبير عن هذا النزع من خلال أعمال العنف العلنية كدلالة على التطرف السياسي من أجل زعزعة الوضع القائم”.

وضمن السياق ذاته يعرف (كير – Curr) عدم الاستقرار السياسي هو “وضع مرادف للعنف السياسي، والنظام السياسي غير المستقر هو ذلك النظام الذي يفتقد السلم وطاعة القانون والذي تحدث فيه التغييرات السياسية والاجتماعية وتتم عملية إتخاذ القرارات ليس وفقاً لإجراءات مؤسسية دستورية بل تبعاً لأعمال العنف الجماعي”، ويصف (Curr) عدم الاستقرار السياسي بأنه عنف موجه من قبل الأفراد بإتجاه النظام السياسي.

مظاهر عدم الاستقرار السياسي في العراق

بداية لابد من أن نشير إلى العوامل التي تسببت في ظاهرة عدم الاستقرار السياسي في العراق أبرزها:

  1. إشكالية الوحدة الوطنية (التنوع الديني والإثني).
  2. ضعف البناء الاجتماعي – السياسي وغياب النضج المؤسساتي.
  3. إشكالية تكون المؤسسات الأمنية.
  4. الأزمات الاقتصادية وتعثر التنمية.
  5. الوجود الأجنبي وإشكالية القبول والرفض.
  6. التدخل الخارجي (الإقليمي والدولي).

وبقدر تعلق الأمر بأثر عدم الاستقرار السياسي في دولة ما على عمليات التنمية فيه، فإن هذه العمليات التنموية تتلكأ في بلد ما بسبب وجود مجموعة من المعوقات السياسية، وهذه المعوقات قسمها الباحثون إلى قسمين هما:

  • المعروقات السياسية الخارجية: والتي تتمثل في كل من إحتلال الأراضي والحروب والأعمال العسكرية والنزاعات المسلحة الدولية والحصار الاقتصادي وما شابه ذلك.
  • المعقوقات السياسية الداخلية: والتي تتمثل في الفقر والفساد الإداري، وغياب الحريات، وغياب الديمقراطية، وتجاهل حقوق الأقليات وعدم الاعتراف بها، وغياب الأمن وما شابه ذلك.

ولو تأملنا وضع العراق الحالي لوجدنا أن العراق بلد تبقى سيادته منقوصة مهما سعى إلى تحقيق سيادته المطلقة، لأن البلد يقع تحت مجموعة كبيرة من الضغوط الدولية والإقليمية؛ وهذه الضغوط تُمارس بشكل أو بآخر على القوى السياسية المتنفذة في البلد بما يتلائم وتوجهات القوى الدولية والإقليمية ومصالحها الخاصة، ولذا فإن مشاريع التنمية وعلى كافة الصُعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مرتبطة إلى حد كبير بمدى رغبة هذه الأطراف بتحقيق هذه المشاريع هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن العراق بلد مثقل بالديون الخارجية وما يحصل عليه من إيرادات في الوقت الحاضر لا تغطي المشاريع المخطط لها لذلك فإن تغطية هذه المشاريع مالياً سيكون معتمد إعتماداً كبيراً على الأموال المخصصة من قبل الدول المنانحة لإعادة إعمار العراق، وهذه الدول لحد الآن وعلى الرغم من المؤتمرات العديدة التي عقدت في اليابان وبروكسل وغيرها لم تف بالتزاماتها حيال العراق وبذلك شكل هذا الأمر معوقاً نحو تحقيق التنمية في العراق.

أما المعوق السياسي الاستراتيجي الثاني لتحقيق التنمية فهو الأمن، والأخير يعدّ حاجة أساسية مهمة في تحقيق حاجات الفرد والمجتمع وسلامتهم، ومردّ ذلك لأنه يمثل الوعاء الذي يحوي جميع الحاجات الأخرى، ومفردة الأمن لغوياً تعني نقيض الخوف وهو الاطمئنان، كما أن الأمن يعبر عن الموقف المترتب على حالة معينة ناتجة عن غياب الخطر، والأمن هنا لا نقصد به عدم تعرض الشخص أو الفرد إلى أضرار جسدية جراء اعتداء معين فحسب؛ بل نقصد به إضافة إلى ما تقدم عدم تعرض الفرد إلى أي عمل من الممكن أن يعرض حياته إلى الخطر، مثال ذلك تأمين وصول الغذاء والماء والخدمات الأخرى الضرورية لبقاء الإنسان على قيد الحياة.

لو قسمنا ما تعنيه هذه المفردة على وضع العراق الحالي لوجدنا أن الأمن في العراق وبأشكاله كافة يعاني من حالة تذبذب مستمرة، وهذا التذبذب المستمر في الحالة الأمنية انعكس سلباً على تحقيق التنمية في العراق.

أما المعقوق الثالث للتنمية في العراق فهو الفساد الإداري والمالي، وهذه الظاهرة هي ليست في العراق فحسب؛ وإنما في كثير من المجتمعات وعلى اختلاف درجة نموها وتقدمها الحضاري والاجتماعي والاقتصادي، فظاهرة الفساد الإداري والمالي نابعة من ضعف القوانين والتشريعات الرادعة، وغياب الرقابة والمساءلة الناتجة ع ن الإرباك وعدم الاستقرار الذي تعاني منه المؤسسات السياسية الموجودة في البلد، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تأجيج الصراعات بين الفئات الاجتماعية المختلفة، ويحد من عملية الحراك السياسي، ويحول دون بلوغ عملية التنمية التي تتوخاها الدولة؛ لأن يعمل على هدر وتبذير الأموال العامة والطاقات والكفاءات البشرية.

في حين أن المعوق السياسي الرابع  لتحقيق التنمية يتمثل في المحاصصة الحزبية في تقسيم المناصب العليا في البلد، مما يجعل الأحزاب السياسية العراقية تسيطر على المواقع الهامة في البلد وهذه الأحزاب غايتها الأساس المصلحة الحزبية والفئوية والشخصية وليس تحقيق مشاريع تنموية استراتيجية للبلد.

والمعوق السياسي الخامس يتمثل في غياب دولة المؤسسات، أي الدولة التي لا تهتم بالأشخاص بقدر اهتمامها بالمؤسسة نفسها، فما نشهده في الأغلب بالعراق هو شخصنة للسلطة وليس بمأسساة لها؛ مما يؤدي بدوره إلى إخفاق عمليات التنمية المهمة في العراق.

وغيرها الكثير من المعوقات التي تجعل من ظاهرة عدم الاستقرار السياسي هي الظاهرة الأبرز على المشهد العراقي؛ ومن ثم فإن عدم الاستقرار السياسي هو معوق كبير للعمليات التنموية في العراق، في حين أن الاستقرار السياسي يدفع بالتنمية لتحقيق أهدافها كافة.

ومن أجل تحقيق تنمية متكاملة في البلد وبكافة جوانبها ينبغي الاهتمام بالأمور الآتية:

  • السعي الجاد من قبل قوى الأمن للسيطرة على الوضع الأمني وإنهاء حالة التذبذل التي يعانيها.
  • إبعاد المحاصصة الحزبية والمنسوبية عن المناصب المهمة المتعلقة بالتنمية.
  • العمل وبكل إخلاص على تسوية الخلافات الداخلية بالشكل الذي يحقق المصلحة العامة.
  • حيث وسائل الإعلام على تبني برامج من شأنها التأكيد على ضرورة إكمال العمليات التنموية في العراق.
  • تشجيع القطاع الاص على تبني الكثير من مشاريع التنمية في البلاد.
  • الضغط على الدول المانحة وبالوسائل كافة على الإيقاء بالتزاماتها حيال العراق.
  • ترسيخ قيم المحبة والتسامح والاخوة بين أبناء الشعب من أجل القضاء على التفرقة والخلافات البينية.