00:00:00
توقيت بغداد
2025نوفمبر08
السبت
31 °C
بغداد، 31°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

بقلم: محمد علي دستمالي - خبير في الشؤون السياسية التركية والكردية

سمرقند تفضح هشاشة التحالف التركي

الحدث الذي وقع في قمة سمرقند كان مهماً ومليئاً بالدروس من جميع النواحي. فقد شهدنا بوضوح كيف أن ثلاثة أعضاء مهمين في منظمة الدول التركية، وهي كازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان، أداروا ظهورهم لتركيا بسهولة مقابل الحصول على بعض المنافع المادية وتعزيز علاقاتهم السياسية والمالية مع الاتحاد الأوروبي.

وفي 4 أبريل 2025، عُقدت أول قمة على الإطلاق بين قادة الاتحاد الأوروبي ودول آسيا الوسطى الخمس (كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان) في سمرقند، أوزبكستان.

هذا الحدث يذكرنا مرة أخرى بالحقيقة الكبرى التي مفادها أن عناصر قد تبدو غير مهمة كالفحم والصلب والمصالح المشتركة في مجالات العبور والنقل يمكن أن تؤسس لتحالف متين وطويل الأمد، في حين أن العوامل التي تبدو أكثر أهمية مثل المشتركات العرقية أو الدينية أو الروابط الثقافية لا تملك القدرة على بناء تحالفات حقيقية.

العزلة التركية في "العالم التركي"

إن الانتقال من عرض تحالف ووحدة كبرى إلى العزلة لم يكن من السيناريوهات المتوقعة لتركيا، لكن يمكن استخلاص دروس كثيرة من هذه الحقيقة الواقعية. فالدول، على عكس المتصوفة والشعراء، لا تنمو روحياً وفكرياً في خلواتها! وحده المفكر الصوفي التركي الشجاع، إبراهيم كالين، تجرأ على وصف "العزلة" بأنها هدية ثمينة لبلاده. لكنه الآن، كرئيس لجهاز الاستخبارات التركية (MIT)، يركض خلف الحلفاء في سوريا وليبيا وأماكن أخرى. أما في السابق، عندما كان مستشاراً في مكتب رئاسة الوزراء، استخدم مصطلح "العزلة الثمينة" (değerli yalnızlık) عقب فشل مشروع إسقاط نظام الأسد وابتعاد أوروبا وأميركا عن تركيا.

الآن، وبعد سنوات، نجد تركيا تعاني مرة أخرى من عزلة كبيرة ظهرت في قمة سمرقند، عندما التقت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بقادة الدول الناطقة بالتركية، ما أثار دهشة وغضب أنقرة. وسأل العديد من المحللين: هل لا يزال بإمكان أردوغان الاعتماد على هذه الدول الناطقة بالتركية كأشقاء وحلفاء؟ كيف ولماذا تخلت كازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان عن تركيا وبدأت بتنظيم علاقاتها وفق ألحان الاتحاد الأوروبي؟ ألم يكن من المفترض أن تشكل هذه الدول نواة لـ"العالم التركي" وربما جيشاً موحداً كما كان يخطط أردوغان؟

في قمة سمرقند، وبحضور رئيسة المفوضية الأوروبية، شككت هذه الدول الثلاث بسياسات أنقرة الداعمة لاستقلال القبارصة الأتراك، وأعلنت نيتها إقامة علاقات رسمية مع جمهورية قبرص المعترف بها دولياً، رافضين الاعتراف بـ"جمهورية شمال قبرص التركية". كما أكدوا دعمهم لسياسات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في شرق المتوسط، معتبرين أن الجزيرة يجب أن تكون تحت حكم دولة واحدة. هذا الموقف أظهر أن انضمام شمال قبرص كمراقب في منظمة الدول التركية كان مفروضاً من تركيا، وأن باقي الأعضاء قبلوه على مضض.

الجدير بالذكر أن أقرب حلفاء تركيا، مثل أذربيجان، دعموا أنقرة في هذا الملف، لكنهم أيضاً لم يعترفوا رسمياً بجمهورية شمال قبرص. أما دول مثل قطر وباكستان وبنغلادش، فقد رفضت المقترح التركي قائلة: "الحساب حساب، والأخ أخ".

عزلة داخلية وخارجية

لكن، هل تركيا معزولة خارجياً فقط؟ الجواب: لا. السبب الجوهري للعزلة التركية يجب أن يُبحث داخلياً. لفهم خلفية وأبعاد هذا الحدث سياسياً واقتصادياً وخطابياً، لا بد من العودة إلى تاريخ حزب العدالة والتنمية. علينا أن نسأل: كيف وصلت تركيا تحت حكم أردوغان إلى هذه النقطة؟

في الماضي، كان أردوغان منزعجاً من زيارات الزعيم القبرصي التركي الراحل رؤوف دنكطاش إلى أنقرة وإسطنبول، وكان يعامله ببرود. أما اليوم، فيعد خلفه إرسين تاتار ببناء قصر رئاسي في قبرص التركية ويأمر صهره سلجوق بيرقدار، صانع الطائرات المسيّرة، بإقامة أكبر معرض جوي في الجزيرة، بدلاً من تركيا، في رسالة تحدٍ للغرب.

أردوغان مختلف في الشوط الثاني

إن العلاقة بين التغيرات الداخلية والتحولات في السياسة الخارجية التركية واضحة. فخلال السنوات الأولى لحكم حزب العدالة والتنمية، سلكت تركيا طريق الإصلاح والانفتاح، مستفيدة من الظروف الاقتصادية التي مهّدت لها الطريق. واستقطب الحزب شخصيات تكنوقراطية مؤهلة، مثل عبدالله غل وعلي باباجان، وسعى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مقدماً نفسه كحزب يحارب الفساد ويدعم الحكم الرشيد.

لكن هذا المسار كان بعيداً كل البعد عن نهج نجم الدين أربكان، المعادي للغرب والمؤيد للتقارب مع إيران وباكستان، والداعي إلى إلغاء الربا والتعاون مع دول "D8".

أردوغان، وبعد أن قال إنه "خلع القميص الضيق" لأربكان، دعم مشروع "الشرق الأوسط الكبير" الأميركي، وأعلن استعداده للتعاون في تنفيذه. وهكذا تقدمت تركيا خطوات كبيرة في طريق الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حتى أن وزارة متخصصة تأسست لهذا الغرض.

في هذه المرحلة، لم يكن أردوغان يحتكر السلطة، بل كانت هناك آليات ديمقراطية داخل حزبه تكبح جماحه، وكانت البيروقراطية تعمل بفعالية، وكانت حكومة العدالة والتنمية تتجنب التورط في الفساد، وتتمتع بدعم واسع من حركة غولن، ذات النفوذ المحلي والدولي الكبير.

التحول الكبير والانقلاب السياسي

لكن حدثان غيّرا كل شيء:

الربيع العربي، الذي أعاد إحياء الطموحات العثمانية لدى أردوغان، ورغبته في لعب دور قائد إقليمي في المنطقة، في ظل شعوره بالتهميش من قبل الناتو وأميركا.

الصراع مع حركة غولن، بعد اكتشاف تسجيلات تنصت في مكتب أردوغان ومكان نومه، ما أدى إلى صدام مباشر بين الطرفين، تمثل في تسريبات عن مفاوضات بين المخابرات التركية وحزب العمال الكردستاني، ثم فضائح فساد كبرى، وأخيراً محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016.

بعد هذا التحول، فقدت تركيا دعم الغرب، وخسرت شريكها الداخلي الأقوى (حركة غولن)، وفشلت مفاوضاتها مع الأكراد، واضطرت للتحالف مع القوميين المتشددين بقيادة دولت بهجلي، مما أدى إلى تعزيز السلطوية، والتخلي عن الشفافية والكفاءة، والارتماء في أحضان الشعبوية، ومحاباة الطُرق الصوفية، وتفضيل القرابة على الكفاءة في التعيينات.

كل هذه التغيرات جعلت السياسة الخارجية التركية أكثر عدائية وتوتراً، حيث تم التخلي عن الليبرالية والسوق الحرة، والتقارب مع روسيا والصين، والاستثمار المفرط في الصناعات الدفاعية، وقمع المعارضة، وإهمال حقوق المرأة، والانسحاب من اتفاقية إسطنبول، والاقتراب من منظمات مثل شانغهاي وبريكس.

وباختصار، فإن عزلة تركيا في قمة سمرقند لم تكن سوى نتيجة منطقية لسلسلة طويلة من التغيرات الداخلية والخارجية التي حولت تركيا من دولة إصلاحية واعدة إلى دولة متقلبة ومحبطة تبحث عن مكانها في عالم لم يعد يثق بها كما من قبل.

تعليقات الزوار