00:00:00
توقيت بغداد
2025مايو23
الجمعة
34 °C
بغداد، 34°
الرئيسية أخبار نشاطات منتدى بغداد الدولي للطاقة إتصل بنا

آسا برويس-بورجِس - ترجمة المعهد العراقي للحوار

من العراق إلى سوريا: وصايا الانتقال الصعب

إن الإطاحة المفاجئة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024 وضعت سوريا في لحظة مفصلية. ويبدو أن هناك أصداءً لتحولات زلزالية مماثلة اجتاحت العراق في أعقاب الغزو الأميركي عام 2003. وحتى اليوم، لا يزال العراق يعاني من عدم الاستقرار السياسي المزمن، والانقسامات الطائفية، وإرث طويل من العنف والتهجير.

اليوم، يعيش الملايين من النازحين في كلا البلدين، وتكافح السلطات في بغداد ودمشق للسيطرة على الجماعات المسلحة القوية وسط توترات إقليمية مستمرة. وبينما تبدأ سوريا مسارًا غير واضح نحو انتقال سياسي وإعادة الاندماج إقليميًا ودوليًا، تفرض أوجه الشبه والاختلاف مع التجربة العراقية نفسها على النقاشين البحثي والسياسي.

ولمناقشة ما يمكن أن تتعلمه سوريا من تجربة العراق، أجرت الباحثة في العلوم السياسية آسا برويس-بورغيس مقابلة مع البروفيسور جوزيف ساسون، أستاذ التاريخ في جامعة جورجتاون، وهو عراقي المولد وأحد أبرز المتخصصين في إرث البعث العراقي.

مقارنة الأسس:

في رأي البروفيسور ساسون، من المهم الإشارة إلى أن إسقاط نظام البعث في العراق تم على يد قوات أجنبية بقيادة الولايات المتحدة، بينما سقط نظام الأسد على يد فصيل سوري داخلي، هو هيئة تحرير الشام.

وقال: "هناك فرق جوهري بين الغزو من قبل قوة أجنبية، كما حدث في العراق، وبين قيام سوريين، وبجنود سوريين، بإسقاط النظام".

وشدد ساسون أيضًا على أن التغيير السياسي في بغداد مكّن نخباً سياسية لم تكن تمتلك فهماً عميقاً للديناميكيات الداخلية في العراق.

وأضاف: "المنفيون العراقيون كانوا يوجهون المشهد السياسي بالتعاون مع الأميركيين، وصناع القرار في واشنطن اعتمدوا عليهم كخبراء محليين—رغم أن بعضهم لم يزر العراق منذ عشرة أو عشرين أو حتى ثلاثين عامًا".

أما في سوريا، فالرئيس الحالي أحمد الشرع وهيئة تحرير الشام، التي قادها حتى حلّها في كانون الثاني/يناير 2024، فقد راكموا خبرة في الحكم من خلال إدارتهم كيانًا شبه دولتي في شمال سوريا منذ عام 2017.

وسلط ساسون الضوء على نقطة أخرى للمقارنة، قائلاً إن "إزالة البعث من مؤسسات الدولة أمر لم يتطرق إليه الشرع حتى الآن، وقد كانت كارثة في العراق". وأضاف: "البعثيون لم يكونوا مثل النازيين في ألمانيا. حسب الإحصاءات لعام 2002 في العراق، فإن النشطين الفعليين في حزب البعث لم تتجاوز نسبتهم 5 إلى 8 بالمئة".

أولوية رفع العقوبات:

فيما يخص التحديات الحالية أمام الإدارة السورية الجديدة، أشار ساسون إلى أن أولوية الشرع الأولى يجب أن تكون رفع العقوبات الغربية وإنعاش الاقتصاد.

وقال: "الشرع يحتاج إلى شيء واحد: المال. المال لتوفير فرص العمل. المال لتحقيق شعور بالاستقرار. المال ليشعر الناس بأن هناك تقدّمًا"، وأكد أن "جميع جهود الشرع الدبلوماسية تبدو مركزة على رفع العقوبات".

وأوضح أن العراق بعد الغزو الأميركي لم يكن يعاني فعليًا من عقوبات، بل "غُمرت البلاد بالأصول العراقية المجمدة، بالإضافة إلى المساعدات الأميركية والمدخلات الاقتصادية من قوى إقليمية أخرى".

ورأى أن السعي الجاد نحو رفع العقوبات "قد يجلب دعمًا داخليًا واسعًا للسلطات الجديدة في سوريا، وهو ما لم تنجح الحكومة العراقية في تحقيقه".

كما شدد على أن تخفيف العقوبات ضروري لتنفيذ أي إجراءات تتعلق بالعدالة الانتقالية، والتي ترتبط بتحسن الوضع المعيشي للسوريين، إلى جانب أداء حكومي فعّال وتوفير الأمن.

ومع ذلك، أقرّ بأن تحقيق تحسن مادي كبير أمر صعب، خاصة وأن أكثر من 90% من السكان يعيشون في الفقر، والناتج المحلي للفرد يعادل نحو 15% مما كان عليه قبل الحرب.

وعن إمكانية تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا، قال ساسون: "لا أعتقد أن هذا ممكن الآن. في العراق، فشلت العدالة الانتقالية، ولا يزال الغضب قائماً حتى اليوم. لا أرى أن سوريا قادرة على التعامل مع هذا الملف في هذه المرحلة".

وأضاف أن هذا الفشل يعكس نمطاً أوسع من إخفاق العدالة الانتقالية في دول الربيع العربي، مشيراً إلى أن تنفيذها يتطلب نظاماً قوياً وإشراك الفئات الوسطى من المجتمع.

وفيما تستعد دول أوروبية وخليجية لتقديم مساعدات لسوريا، حذر ساسون من أن التمويل الخارجي لا يمكن أن يكون حلاً سحرياً.

وقال: "العراق غُمر بالأموال بعد 2003. في الواقع، كانت كثرة المال مشكلة بحد ذاتها. اعتقد الجميع أن المال سيحل كل شيء"، مشيراً إلى أن هذا النموذج أدى إلى تفشي الفساد واعتماد مفرط على عائدات النفط في الاقتصاد العراقي.

التحديات الأمنية:

إذا أراد الشرع تجنب مصير العراق، فإن على إدارته أن تسارع إلى احتكار السلاح. فمنذ 2003، عانى العراق من صراعات طائفية، وصعود تنظيم داعش، وهيمنة الجماعات المسلحة على جزء كبير من العملية السياسية، مما أضعف سلطة الحكومة المركزية.

وقال ساسون: "إذا أرادت سوريا تفادي التجربة العراقية، فعليها احتواء الجماعات المسلحة منذ البداية".

وأضاف أن قاعدة الدعم العسكري للرئيس الشرع صغيرة نسبيًا، مما يثير القلق: "إذا صحّت التقارير التي تفيد بأنه يسيطر فقط على 25 ألف إلى 30 ألف عنصر عسكري، فهذا عدد قليل جداً. الأكراد يمتلكون عدداً أكبر من المقاتلين، كما أنهم أفضل تدريباً وتجهيزاً. وينطبق الأمر ذاته على الفصائل المدعومة من تركيا".

القضية الكردية:

تشكل علاقة واشنطن مع الأكراد أحد أوجه التشابه بين التجربتين العراقية والسورية. وقال ساسون: "الأكراد في العراق قبل الغزو الأميركي كانوا مؤيدين لأميركا وداعمين للإطاحة بصدام. والأكراد في سوريا كانوا أيضاً معارضين للأسد".

وكما في العراق، فإن سقوط حزب البعث في سوريا يفتح أمام الأكراد فرصاً وتحديات. وقد أظهر الشرع مهارة دبلوماسية من خلال التوصل إلى اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (SDF) وإخماد الدعوات للفدرالية، لكن هذا التفاهم لا يزال هشاً.

وعبّر ساسون عن تشككه قائلاً: "الفدرالية لم تنجح في العراق. أغلبية غير الأكراد يرون أن كردستان جزء لا يتجزأ من العراق، وأن العراق يجب أن يكون لكل العراقيين"، مضيفاً أن "الفدرالية لا تنجح إلا عندما تكون الدولة المركزية قوية، وليس في أوقات الضعف".

الديناميكيات الإقليمية:

إضافة إلى التعقيدات الداخلية، تبرز الأبعاد الإقليمية. وقال ساسون بصراحة: "هناك فرق آخر بين سوريا والعراق. صدام حسين كان مسيطراً بالكامل، أما الأسد فلم يكن كذلك. لقد فاز بالحرب الأهلية ليس بفضل قواته، بل بفضل حزب الله اللبناني والدعم الإيراني، لا أكثر".

وأوضح أن إيران رحبت بإسقاط صدام باعتباره خصماً بعثياً، وأنه من غير الواضح كيف سيتعامل حلفاؤها مع النظام السوري الجديد.

وأشار أيضًا إلى المسألة المعقدة المتعلقة بروسيا: "سوريا مدينة لروسيا بالكثير. لا يزال لديهم قاعدة عسكرية ضخمة. سوريا اشترت أسلحة من روسيا، وجهزت جيش النظام السابق، وربما ساعدتهم في تطوير صناعات ثقيلة".

وأضاف: "هناك عامل لم يكن موجودًا في العراق، وهو تركيا. فلتركيا اليوم وجود عسكري مباشر في سوريا، بينما استغرق الأمر أكثر من عقد ليحدث ذلك في العراق".

وترى أنقرة أن قوات سوريا الديمقراطية امتداد لحزب العمال الكردستاني (PKK)، المصنف كمنظمة إرهابية في تركيا، وقد خاضت ضده صراعات في سوريا والعراق. وفي ختام المقابلة، أشار ساسون إلى تحدٍ كبير يواجه الشرع: الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان. وقال: "هذا الملف لن يُمكن تجاهله إلى الأبد. بمرور الوقت، سيصبح قضية مركزية لا مفر من معالجتها".

ورغم كل هذه التحديات، عبّر ساسون عن بعض التفاؤل الحذر: "إذا تمكن الشرع من رفع العقوبات، فسيحصل على ورقة تفاوض قوية مع روسيا، كما يمكنه أن يقول لشعبه: لسنا دولة إسلامية منغلقة... لقد حققت رفع العقوبات لأنني قدمت لهم صورة بلد منفتح".

لكنه حذر في الوقت ذاته: "إذا مرّت ستة أشهر ولم يتمكن من رفع العقوبات، فإن حلفاءه الأكثر تطرفًا سيقولون إنه لم ينجز شيئًا—وأن الوقت قد حان لنُظهر حقيقتنا".

 

آسا بروس-بورجِس: هو باحث وكاتب ومحلل للمخاطر الجيوسياسية يقيم في لندن. يركز عمله على تقاطع قضايا الطاقة وتغير المناخ والسياسة القوة في العراق وشبه الجزيرة العربية.

تعليقات الزوار