00:00:00
توقيت بغداد
2025يونيو16
الاثنين
31 °C
بغداد، 31°
الرئيسية أخبار نشاطات منتدى بغداد الدولي للطاقة إتصل بنا

بنجامين ليموين - باحث في العلوم السياسية والاقتصاد الاجتماعي - ترجمة المعهد العراقي للحوار

الديون: أداة لسحق الديمقراطية

فرض الاتحاد الأوروبي مجدداً قيوداً صارمة على عجز ميزانيات الدول الأعضاء — لكنه استثنى الإنفاق العسكري. وبعد سنوات من الادعاء بأن سياسة التقشف قد انتهت، نرى الآن استخدامها بشكل انتقائي لتقييد الخيارات الديمقراطية.

يحذر عالم الاجتماع الفرنسي بنجامين ليموين من أن "نظام الدين" قد عاد. ففي عام 2024، أعادت المفوضية الأوروبية رسمياً فرض قواعد العجز المالي على دول الاتحاد الأوروبي، رغم أنه يتم التفاوض على استثناءات مهمة لتمويل الزيادة الكبيرة في الإنفاق العسكري.

على جانبي الأطلسي، تؤدي القوة السياسية المتنامية لليمين الليبرتاري المتطرف إلى تخفيضات صارمة في الإنفاق وإعفاءات ضريبية — مما يهدد بحدوث اضطرابات كبيرة في مالية الدولة وأنظمة الرفاه الاجتماعي. ويرى ليموين أن ما يُعاد إحياؤه هو استخدام الدين كـ"تكنولوجيا" سياسية لتأديب المجتمع، مدفونة في ثنايا "ثورة صامتة" في السياسات النقدية والمالية خلال جائحة كورونا سمحت بالإنفاق بالعجز.

العودة إلى الانضباط المالي

يوضح ليموين أنه منذ الثمانينيات، كانت السوق المالية للدين تُعتبر الضامن النهائي للانضباط الاجتماعي، حيث يُفترض أن تُعلم السياسات النقدية الحكومات التصرف كـ"أب صارم"، عبر التأثير على تكلفة الاقتراض. لكن هذه العقيدة انهارت مؤقتاً خلال أزمة كوفيد-19، حين بدأ البنك المركزي الأوروبي بشراء سندات الدول لدعمها، ما شكل قطيعة ضمنية مع النظام النيوليبرالي الذي تأسس في التسعينيات.

لكن منذ أزمة التضخم الأخيرة، عادت السياسة النقدية إلى مهمتها الأساسية: محاربة التضخم والحفاظ على قيمة الدين كأصل مالي آمن. وصدرت بروتوكولات جديدة من البنك المركزي الأوروبي تربط تدخله بتقييمات المفوضية الأوروبية لأوضاع الدول المالية، ما يعني أن مشتريات الدين أصبحت مشروطة بتحقيق "سياسات اقتصادية كلية سليمة ومستدامة"، وفقًا للرؤية النيوليبرالية.

اختلال الأولويات: الأمن قبل الخدمات

يرى ليموين أن الإعفاءات المقدمة للإنفاق الدفاعي، خاصة في حالة ألمانيا، تُظهر بوضوح أن نظام الدين يُستخدم لترسيخ توازن معين بين وظائف الدولة، حيث يتم استثناء "اليد اليمنى" (الجيش والشرطة) من القيود المالية، في حين تُخضع "اليد اليسرى" (الصحة، التعليم، الخدمات الاجتماعية) للتقشف.

ويُعاد طرح فكرة قديمة مفادها أن الدولة يمكن أن تمول دفاعها عبر تعبئة مدخرات الشعب مباشرة، من دون المرور عبر الأسواق المالية. لكن هذه التعبئة لا تهدف إلى الشمول الاجتماعي بقدر ما تهدف إلى خلق إجماع شعبي زائف حول أولويات النظام المالي-العسكري الجديد.

الدين كأداة سياسية

بحسب ليموين، فإن الدين السيادي ليس أداة مالية محايدة، بل هو موقع صراع طبقي دائم. فبينما يمثل الدين وسيلة لجمع الأموال من السوق، فهو في الوقت نفسه أصل مالي مربح للفئات الثرية، ويُفترض أن يُحافظ على "أمانه" من خلال السياسات التقشفية التي تضمن للمستثمرين استقرار العوائد.

ويشير إلى أن تدخلات البنوك المركزية لدعم الأسواق تُستخدم كأدوات مالية لحماية استثمارات النخبة، لا لتحقيق أهداف اجتماعية أو بيئية. فعندما يتدخل البنك المركزي، لا يكون الهدف دعم دولة الرفاه، بل الحفاظ على الأصول المالية كـ"ضمانات" للأسواق.

قوة قانون نيويورك والهيمنة الغربية

في كتابه الأخير، يناقش ليموين القوة القانونية التي تمنحها قوانين ولاية نيويورك لـ"صناديق النسور" لملاحقة الدول الفقيرة قضائياً في حال تعثرت في السداد. هذا يُجسد تراجع السيادة الوطنية لصالح منطق الأسواق والقانون الأمريكي، وهو تحوّل بدأ خلال الحرب الباردة لمواجهة حركات التأميم في دول الجنوب.

وقد أدى هذا إلى تحول "دبلوماسية المدافع الحربية" إلى "دبلوماسية المحاكم"، حيث أصبحت المحاكم الأمريكية مكاناً لتسوية النزاعات المالية، وهو ما يهدد على المدى الطويل مكانة الدولار كمركز مالي آمن عالمياً.

هل تهتز الهيمنة الغربية؟

يوضح ليموين أن دول الجنوب العالمي حاولت منذ وقت طويل إيجاد بدائل جماعية للهيمنة المالية الأمريكية، وأن صعود الصين ساهم في إحياء آليات مثل "نادي باريس" لإعادة هيكلة الديون، لكن هذه الآليات ما زالت خاضعة لتأثير مصالح القطاع المالي الوطني.

رؤية ليموان السياسية

ينتقد ليموين الفكرة التي طرحها عالم الاجتماع الألماني وولفغانغ شتريك بأن الدين يؤخر فقط الصراعات الاجتماعية، ويؤكد أن النظام المالي لا يجمّد التناقضات الطبقية بل يُعيد إنتاجها باستمرار. إذ أن كل إصدار جديد للدين يأتي مشروطًا بتنازلات اجتماعية لضمان جاذبيته في السوق.

ويشير إلى أن النظام يتكيف دائمًا مع الأزمات، ليس عبر الانهيار، بل عبر فرض مزيد من الانضباط الاجتماعي، كما هو واضح في انزياح الخطاب السياسي الفرنسي نحو الهجرة والأمن وتجاهل القضايا الاقتصادية.

ماذا عن فرنسا اليوم؟

في موازنة 2025، اعتمدت الحكومة الفرنسية زيادات ضريبية مؤقتة لتقليص العجز، لكن التخفيضات طالت مجالات مثل التعليم والثقافة والبحث العلمي، بينما لم تُمس الشرطة والنظام القضائي. هذه المفاضلات تُظهر مرة أخرى انحيازات "نظام الدين".

هل تخسر اليسار معركة التقشف؟

ينتقد ليموين تيار "الطمأنة" داخل اليسار، الذي يحاول تهدئة المخاوف حول الدين العام بدلاً من الطعن في الإطار الكامل الذي يجعل من الدين وسيلة لتأبيد سلطة الأسواق على الخيارات الديمقراطية. ويؤكد أن الدين ليس مجرد رقم، بل أداة سياسية تنحاز دائمًا لمن يملك.

 

بنجامين ليموين - باحث في العلوم السياسية والاقتصاد الاجتماعي في المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS). يعمل في جامعة باريس دوفين (IRISSO) منذ عام 2013

تعليقات الزوار