00:00:00
توقيت بغداد
2025يونيو16
الاثنين
31 °C
بغداد، 31°
الرئيسية أخبار نشاطات منتدى بغداد الدولي للطاقة إتصل بنا

ترجمة: المعهد العراقي للحوار

ثلاثي الرعب: هل يعود سباق التسلح النووي؟

بينما لا تزال إدارة الأزمات النووية بين القوى النووية الثلاث الكبرى – الولايات المتحدة وروسيا والصين – ممكنة، فإن كبح سباق تسلح جديد بات أكثر تعقيداً في ظل التحولات الجارية في موازين الردع الاستراتيجي.

فصعود الصين كقوة نووية استراتيجية يمثل تحدياً غير مسبوق لنظام ضبط التسلح العالمي، ويعيد طرح الأسئلة حول مستقبل الاتفاقات الثنائية، وحدود الردع التقليدي، ودور أنظمة الدفاع الصاروخي في مرحلة ما بعد معاهدة "نيو ستارت".

أولاً: مصير معاهدة "نيو ستارت" في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا

تمثل معاهدة "نيو ستارت"، الموقعة عام 2010 والممددة حتى فبراير 2026، آخر معقل قانوني لضبط التسلح بين واشنطن وموسكو، إذ تحد من عدد الرؤوس النووية التشغيلية إلى 1550 لكل طرف، موزعة على صواريخ باليستية عابرة للقارات وصواريخ بحرية وقاذفات استراتيجية.

لكن انسحاب روسيا من آليات التحقق التابعة للمعاهدة، احتجاجاً على الدعم الأمريكي لأوكرانيا، أدخل الاتفاق في حالة شلل، رغم إعلان موسكو نيتها الالتزام بالحدود الرقمية للمعاهدة مؤقتاً.

وفي الوقت ذاته، يستمر الطرفان في تحديث "ثالوثهما النووي": واشنطن تطور أنظمة الإطلاق، الرؤوس النووية، البنية التحتية النووية، وكذلك نظام القيادة والسيطرة النووي (NC3) المدعوم بأصول فضائية متطورة.

أما روسيا، فتمضي قدماً في نشر صواريخ باليستية جديدة، وصواريخ فرط صوتية، فضلاً عن مشاريع أكثر راديكالية مثل طوربيد "بوسيدون" النووي وصاروخ "بوريفيستنيك" النووي العامل بالطاقة النووية.

غياب التفتيش الميداني منذ سنوات وتدهور العلاقات السياسية يجعل من احتمال تمديد "نيو ستارت" أو التوصل لاتفاق بديل أمراً مشكوكاً فيه، مما يفتح الباب أمام سباق تسلح غير خاضع للرقابة.

ثانياً: المخزون النووي الصيني – هل إلى توازن ثلاثي؟

يرى مسؤولون أمريكيون أن الصين تتجه نحو توسعة سريعة لقدراتها النووية سعياً لمعادلة القوة مع الولايات المتحدة وروسيا. وتشير تقديرات البنتاغون إلى أن بكين ستملك أكثر من 1000 رأس نووي بحلول 2030، جزء كبير منها سيكون جاهزاً للاستخدام الفوري، في إطار خطة لإتمام تحديث جيش التحرير الشعبي بحلول 2035، على طريق تحقيق هدف شي جين بينغ ببناء "جيش من الطراز العالمي" بحلول 2049.

وما يزيد المخاوف الأمريكية هو غياب الشفافية في العقيدة النووية الصينية. فهل تسعى الصين إلى "ردع كافٍ" عبر قدرة انتقامية ثانية فقط، أم أنها تتجه إلى منظومة ردع متعددة الخيارات، تشمل أهدافاً سياسية واقتصادية وتقنية وثقافية؟

السيناريو المرجح، حسب خبراء، أن الصين تتعامل مع الردع النووي كأداة تأمينية ضد الهزيمة في أي نزاع تقليدي، خصوصاً حول تايوان، دون نية لاستخدام السلاح النووي إلا كخيار أخير.

لكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: هل ستقبل الصين بتطبيق آليات تحقق شفافة إذا اقتربت ترسانتها من نظيرتيها الأمريكية والروسية؟ الانتقال من "الغموض البناء" إلى الشفافية يتطلب وقتاً، لكنه بات ضرورياً لتفادي سباق تسلح ثلاثي غير منضبط.

ثالثاً: الدفاع الصاروخي – الوهم المستمر

منذ الحرب الباردة، راودت صناع القرار الأمريكيين والروس فكرة إنشاء مظلة صاروخية قادرة على تحييد خطر الضربة النووية المعادية. لكن الواقع التكنولوجي – حتى اليوم – أثبت أن هذه الطموحات تبقى أقرب إلى الخيال منها إلى التنفيذ العملي.

رغم انسحاب إدارة جورج بوش الابن من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية عام 2002، فإن أنظمة مثل "الدفاع الأرضي في منتصف المسار" (GMD) لا تزال محدودة في فعاليتها، وتعتمد على 44 صاروخاً اعتراضيًا فقط.

إلا أن إدارة ترامب – في ولايتها الثانية – أعادت إحياء هذا الحلم عبر مشروع "القبة الذهبية" لأمريكا، مستلهمةً من "مبادرة الدفاع الاستراتيجي" لريغان في الثمانينيات. ويستند هذا الطرح إلى نشر أنظمة اعتراض في الفضاء، تعتمد على الذكاء الاصطناعي والطاقة الموجهة، والتدخل "قبل الإطلاق" لتعطيل الصواريخ في طورها الابتدائي.

ورغم الطابع الثوري للمشروع، إلا أن كلفته المرتفعة، وتحدياته التقنية، وردود فعل الخصوم المحتملة – مثل تطوير تقنيات تجاوز، هجمات إلكترونية، أو هجمات منسقة بطائرات مسيّرة – تجعل منه رهانا محفوفاً بالمخاطر أكثر من كونه رادعاً فعلياً.

هل من نهاية لسباق التسلح النووي؟

تطرح العودة إلى سباق تسلح نووي ثلاثي تحديات غير مسبوقة على منظومة الأمن العالمي. فرغم أن إدارة الأزمات النووية لا تزال ممكنة، إلا أن الاستقرار الاستراتيجي بعيد المنال، خاصة في ظل تعقيد التوازنات بين ثلاث قوى نووية كبرى، وميل كل طرف إلى تطوير تقنيات غير تقليدية مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية والأسلحة تحت المائية الذاتية.

ضبط التسلح لم يعد مجرد اتفاق ثنائي، بل تحول إلى معادلة ثلاثية تتطلب تفكيراً جديداً، واتفاقات شاملة، وإرادة سياسية عالمية لإعادة ضبط المؤشر قبل أن يفوت الأوان.

 

عن المؤلفين

ستيفن سيمبالا: أستاذ متميز في العلوم السياسية بجامعة ولاية بنسلفانيا، متخصص في قضايا الأمن الدولي.

لورانس كورب: ضابط بحري متقاعد، شغل مناصب أمن قومي في عدد من مراكز الأبحاث، وعمل سابقاً في البنتاغون خلال إدارة ريغان.

 

تعليقات الزوار