00:00:00
توقيت بغداد
2025يوليو13
الأحد
36 °C
بغداد، 36°
الرئيسية أخبار نشاطات إتصل بنا

جوناثان فنتون-هارفي ـ ترجمة المعهد العراقي للحوار

الحرب الإسرائيلية على إيران: طوق نجاة سياسي لنتنياهو؟

قبل يومٍ واحد فقط من بدء الضربات الجوية الإسرائيلية على إيران، نجا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بصعوبة من تصويت في الكنيست كان من شأنه أن يطيح بحكومته، وذلك في ظل محاكمته بتهم الرشوة والاحتيال. ومع تراجع شعبيته بسبب قضايا الفساد، والأزمة الاقتصادية، وفشله في استرجاع الرهائن من غزة، جاءت الحرب كفرصة لم يكن ليحلم بها: فرصة لترميم سلطته المنهارة.

وفي غضون أيام، أفادت التقارير أن الضربات الإسرائيلية أضعفت البنية التحتية النووية والعسكرية الإيرانية، وقتلت مئات المدنيين، بمن فيهم شخصيات بارزة في المؤسسة العسكرية الإيرانية. وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، كتب على منصة X أن "مدنيي طهران سيدفعون الثمن"، ما كشف عن نية تدميرية واضحة. ومع بدء الرد الإيراني بصواريخ على المدن والبنية التحتية في إسرائيل، تلاشت فرص استئناف المسار الدبلوماسي بشأن البرنامج النووي الإيراني.

حتى وإن تحقق وقفٌ لإطلاق النار، فإن التوتر بين تل أبيب وطهران بلغ مستويات شبه نهائية لا رجعة فيها، ما دامت الحكومتان الحاليتان على رأس السلطة. إسرائيل تبرّر عدوانها بأنه يهدف إلى منع إيران من امتلاك السلاح النووي، وهي حجة طالما كررتها رغم غياب أدلة حاسمة على اقتراب طهران من إنتاج قنبلة. الواقع يشير إلى أن دوافع الحرب مرتبطة أكثر ببقاء نتنياهو السياسي من كونها دفاعاً عن أمن إسرائيل.

استخدام الحرب لحشد الداخل

كما هو الحال في حربه المستمرة على غزة، يوظف نتنياهو الحرب على إيران لتعزيز التأييد الداخلي، من خلال تصوير العدو الخارجي كتهديد وجودي. هذا النمط تكرر في لبنان أيضاً، حيث أدّت الهجمات الإسرائيلية إلى إضعاف حزب الله، الحليف الرئيسي لطهران، وتزامن ذلك مع صعود في شعبية حزب "الليكود" الذي يتزعمه نتنياهو. ومع تآكل المكاسب السياسية من الحروب في غزة ولبنان، تحوّلت إيران إلى جبهة جديدة في معركة البقاء السياسي.

حكومة هشة ومجتمع منقسم

في ظل الانقسامات العميقة داخل المجتمع الإسرائيلي بين التيارات العلمانية والدينية، وبين القوميين والتكنوقراط، شكّلت الحروب أداة لتوحيد الصفوف خلف "العدو المشترك". لكن حكومة نتنياهو نفسها هشّة، وتعاني من تصدعات بين مكوناتها.

ومع تصاعد العزلة الدولية بسبب الجرائم في غزة، والتي دفعت المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو ومسؤولين آخرين، جاءت الحرب مع إيران كوسيلة لإعادة توجيه الأنظار. وقد أظهر ذلك بوضوح انحياز الدول الغربية، إذ أعلنت مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي تأييدهما لإسرائيل، وتعهدت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا بضمان أمنها.

رغم تصاعد الانتقادات الغربية في الرأي العام وداخل المؤسسات، إلا أن صادرات الأسلحة إلى إسرائيل مستمرة، بل مرشّحة للزيادة. كما أن التركيز الإعلامي والسياسي على إيران ساهم في التغطية على الجرائم الإسرائيلية في غزة، حيث ما تزال الغارات والحصار يفتكان بالمدنيين.

لعبة ترامب المزدوجة

على الرغم من ذلك، أظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوادر تناقض: إذ سعى لعقد هدنة مع الحوثيين في اليمن، وأبدى انفتاحاً على استئناف المحادثات النووية مع إيران — وهو موقف قد لا يروق لحكومة نتنياهو. ويبدو أن ترامب ممزّق بين إرضاء قاعدة مؤيدة لإسرائيل، وأخرى قومية تنتمي إلى تيار "أميركا أولاً"، ما دفعه سابقاً إلى تفضيل المصالح الأميركية الاقتصادية على الاعتراضات الإسرائيلية.

لكن في حال اندلاع تصعيد أكبر، فإن نتنياهو يعوّل على أن ترامب سيقف إلى جانب إسرائيل. وقد يُفهم من دعوة ترامب للإيرانيين إلى مغادرة طهران قبل الضربات الأميركية، بأنه يميل لمجاراة تل أبيب، مع إبقاء باب الدبلوماسية موارباً.

استنزاف إسرائيل... واستمرار نتنياهو

من جهة أخرى، سمحت الحرب لنتنياهو بتثبيت سلطته داخلياً، بعد انسحاب بعض الأصوات المعتدلة من الائتلاف الحكومي، ما أتاح له التحالف مع شخصيات متطرفة مثل بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، ويسرائيل كاتس. لكن هذه التشكيلة اليمينية المتشددة تعمّق عزلة إسرائيل الدولية، وتزيد من كلفة الحرب اقتصادياً.

خسرت إسرائيل نحو 10% من ناتجها المحلي الإجمالي بسبب العدوان على غزة، وفرّت الاستثمارات الأجنبية، ما يهدد بأزمة مالية في المستقبل القريب.


خلاصة: حرب بقاء شخصي

من منظور تاريخي، غالباً ما تلجأ الأنظمة المحاصرة داخلياً إلى التصعيد الخارجي. ونتنياهو، الذي يشعر بأن شرعيته تتآكل مع اتساع التدقيق الدولي، قد يقود إسرائيل نحو مزيد من التورط. وإذا لم تُمارس عليه ضغوط دولية حقيقية لوقف العمليات، فلن يكون لديه دافع لإنهاء الحرب — لأن نهايتها تعني احتمال محاكمته أو خسارته في الانتخابات المقررة عام 2026.

وبالتالي، ما لم تدفع القوى الكبرى، وعلى رأسها ترامب، نحو وقف التصعيد ومحاسبة المسؤولين، فإن المنطقة ستتجه إلى مزيد من الفوضى. وقد لا تنجو إسرائيل نفسها من تداعيات تلك المغامرة طويلة الأمد.

تعليقات الزوار