00:00:00
توقيت بغداد
2025يوليو13
الأحد
35 °C
بغداد، 35°
الرئيسية أخبار نشاطات إتصل بنا

د. جمال الزيداوي

موقف القانون الدولي من عمليات اغتيال العلماء الإيرانيين من قبل الكيان الإسرائيلي

كفلت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان حق الإنسان في التعلم والمشاركة في التقدم العلمي؛ إذ يَنْصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة السابعة والعشرين على ان : “لكلِّ شخص الحق في المشاركة الحرّة في حياة المجتمع الثقافية، وفي الاستمتاع بالفنون، والإسهام في التقدُّم العلمي، وفي الفوائد التي تنجم عنه”.

كما أكدت بعض الصكوك الدولية الاخرى على ضرورة حماية العلماء والعاملين في البحث العلمي؛ومنها توصية اليونسكو الخاصة بالعلم والمشتغلين بالبحث العلمي لعام 2017 على أهمية توفير الحماية اللازمة للباحثين والعاملين في مجالات البحث العلمي والتكنولوجيا، وضمان الظروف المناسبة لعملهم، بما يشمل الحفاظ على صحتهم وسلامتهم

وفي هذا السياق، يُعدّ ما شهده العالم في الثالث عشر من حزيران الجاري، من قيام الكيان الإسرائيلي باغتيال مجموعة من العلماء الإيرانيين العاملين في مجال المفاعلات النووية، انتهاكًا صارخًا لأحكام القانون الدولي، وجريمة دولية تستوجب المساءلة الكاملة للكيان الإسرائيلي. ويمكن لنا ان نحدد الأطر القانونية لهذه الجريمة من خلال النقاط التالية:

1- انتهاك مبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية:

يُعدّ مبدأ حظر استخدام القوة من المبادئ القانونية والأخلاقية الأساسية التي تهدف إلى الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وهو من أسس النظام الدولي الحديث الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية وتأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945. وقد نصّ ميثاق الأمم المتحدة في المادة الثانية منه على: “يمتنع جميع أعضاء الهيئة في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة، أو على أي وجه لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة”.

وبالتالي، فإنّ استخدام الكيان الإسرائيلي للقوة المسلحة لاغتيال علماء إيرانيين، بذريعة تهديد البرنامج النووي الإيراني، هو تبرير غير مقبول قانونًا، لا سيما وأنه لم يصدر عن أي جهة دولية مختصة ما يشير إلى عدم سلمية البرنامج النووي الإيراني.

2- انتهاك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966:

تنص الفقرة الأولى من المادة السادسة من العهد على أن “الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمي هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفًا”.

وعليه، لا يجوز لأي جهة انتهاك هذا الحق إلا ضمن الشروط القانونية المحددة التي تقرّها القوانين الدولية والوطنية، مع ضرورة ضمان المحاكمة العادلة. وأي فعل يخالف هذه القواعد يُعدّ انتهاكًا جسيمًا يرتّب المسؤولية الكاملة، بغض النظر عن الجهة الفاعلة.

3- الاغتيال كقتل خارج نطاق القانون:

يمكن تصنيف عملية الاغتيال ضمن “عمليات القتل خارج نطاق القانون”، والتي عرّفها المقرر الخاص التابع للأمم المتحدة المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفية، فيليب ألستون، بأنها “القتل العمد باستخدام القوة المميتة، الذي ينفذه فاعل قانوني دولي – سواء دولة أو وكيل لها – خارج إطار القضاء، ودون أن يكون الشخص المستهدف تحت السيطرة المادية للمعتدي”.

وبالتالي، فإنّ اغتيال العلماء الإيرانيين يندرج ضمن هذا التصنيف المحظور دولياً.

4- خرق أحكام القانون الدولي الإنساني:

ينص القانون الدولي الإنساني على حماية المدنيين، وخاصة أولئك الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية. وبما أن عمليات الاغتيال التي نُفذت في 13/6/2025 لم تقع ضمن سياق نزاع مسلح مباشر بين إيران والكيان الإسرائيلي، فإنّ العلماء المستهدفين يُعدّون من الأشخاص المدنيين الذين تحميهم اتفاقيات جنيف والقواعد العرفية الاخرى للقانون الدولي الإنساني.

ولا يمكن عد العلماء النوويين مقاتلين أو أهدافًا عسكرية مشروعة، لا سيما أن الاستخدامات السلمية للطاقة النووية تشمل توليد الكهرباء وتطبيقات مدنية أخرى، وهي غير حصرية بالاستخدامات العسكرية.

5- مسؤولية مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية:

الجهة الرئيسة التي يقع على عاتقها النظر في مثل هذه الجرائم هي مجلس الأمن، بوصفه الهيئة المسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين، ويملك صلاحية اتخاذ إجراءات ضد الدول المعتدية. كما أن المحكمة الجنائية الدولية يمكن أن تفرض ولايتها في حال قبولها لاختصاص النظر في مثل هذه الجرائم.

إلا أنّ النظام الدولي، وبخاصة آلية الأمن الجماعي التي يقودها مجلس الأمن، فشل في العديد من المناسبات في محاسبة الكيان الإسرائيلي على انتهاكاته، ولا سيما الجرائم المرتكبة والمحازر التي نفذها بحق المدنيين،ومن النساء والأطفال في قطاع غزة. وعليه، من الصعب تصوّر وجود محاسبة فعلية لهذا الكيان الذي ينتهج سياسات قائمة على زعزعة الاستقرار ونشر الفوضى في المنطقة دون أي اعتبار للقانون الدولي .

وهو الامر الذي يثير تساؤلات جوهرية حول مدى  فاعلية النظام الدولي في فرض مبادئ العدالة والمساءلة، خاصة عندما يتعلق الأمر بانتهاكات تمارسها دول تتمتع بدعم سياسي دولي واسع النطاق.

تعليقات الزوار