بقلم ماريانا شارونتاكي - خبيرة في السياسة الدولية بجامعة لينكولن
من البحث إلى النظرية: نحو إطار شامل في العلاقات الدولية
في مفترق حرج لكل من السياسة العالمية والإقليمية، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الحقائق الميدانية – أي التطورات السياسية الملموسة – قد سبقت حجج الباحثين التقليدية والمواقف المفاهيمية التي طُرحت خلال العقد الماضي، مما جعل العديد منها تدريجياً غير ملائم. ظهور التطورات الداخلية بشكل سريع وتحولها إلى أحداث إقليمية ذات آثار بعيدة المدى على النظام الدولي يقلل من مساحة الغموض.
ذلك لأن واقع هذه الأحداث، المدفوع بالديناميات الواقعية والمتجاوز للمنطق التقليدي، فرض نفسه على النظرية. وبدرجة كبيرة، لم تعد هذه الظواهر تندرج ضمن دراسات إقليمية فرعية فحسب، بل أصبحت مكونات أساسية للعلم ككل. ومع ذلك، هذا لا يعني أن النظرية يجب أن تتوقف عن كونها عامة أو قابلة للتعميم، إذ يتطلب أي فهم شامل لظاهرة معينة إطاراً تحليلياً متكاملاً، نظراً لأن «النظرية تشكل مجموعة من المبادئ التوجيهية التي يجب أن يستند إليها أي تحليل مستقل».
في سياق العلاقات الدولية، بدأ هذا التحول أصلاً من قبل الدول نفسها، التي رفعت من شأن الفاعلين غير الدوليين، معترفةً بهم، بشكل ما، كلاعبين مهمين بنفس درجة الفاعلين الدوليين، إلى الحد الذي أصبح فيه هؤلاء الفاعلون غير الدوليين قادرين على فرض الاعتراف بهم على المسرح الدولي كجهات فاعلة شرعية.
أمثلة بارزة للفاعلين غير الدوليين
هناك مثالان متطرفان ولكنهما توضيحيان، غير تقليديين وذو دلالة تاريخية: الأول، صعود مجموعة متطرفة دينية إلى السلطة، تلقت قبولاً داخلياً جزئياً مع دعم إقليمي ودولي كبير. تعتبر هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني مثالاً على فاعل غير دولي أصبح لاعباً محورياً في المشهد السياسي السوري، متحدياً النماذج التقليدية القائمة على الدولة.
الثاني، القضية الفلسطينية المستمرة منذ أكثر من قرن، وجهودها المستمرة لتحقيق الدولة، تبرز أيضاً التعقيدات الديناميكية للفاعلين غير الدوليين في العلاقات الدولية. كلا المثالين يوضحان التأثير المتزايد للفاعلين غير الدوليين في إعادة تشكيل الأوامر السياسية الإقليمية والعالمية.
تصنيف الفاعلين غير الدوليين
ظهور تصنيف جديد، الذي يسبق التطورات الأخيرة في سوريا وينبع طبيعياً من الاعتراف بأن الديناميات الإقليمية والعلاقات الدولية تشكل حقلاً موحداً، يسلط الضوء على ضرورة التمييز بين أنواع مختلفة من الفاعلين غير الدوليين. أصبح واضحاً وجود خط فاص بين الجماعات المتطرفة – بغض النظر عن توجهها العرقي أو الديني – و«الدول المرتقبة» (states-to-be)، التي غالباً ما تمثل نسخاً أكثر رسوخاً من المجموعات العرقية.
تتميز الجماعات المتطرفة أساساً بالتطرف الراديكالي في الخطاب والممارسة، وهو اختيار استراتيجي تشير الدراسات الحديثة إلى أنه يوفر بعض الفوائد لهذه الجماعات. بالمقابل، تسعى «الدول المرتقبة» ليس بالضرورة إلى الاستقلال التام، بل إلى الاعتراف والتعايش كجهات متساوية ضمن النظام الدولي، ما يجعلها بعد الدول الفاعلة، أهم فئة من الفاعلين غير الدوليين في علم العلاقات الدولية.
حالة فلسطين كمثال على الدول المرتقبة
تُظهر طبيعة هذه الدول المرتقبة، كما في حالة فلسطين، «كيانات ذات سمات دولة وقدرة على تعديل الوضع الراهن، أي قيادة أو تشكيل عملية التنمية من أجل الحفاظ على قاعدة سلطتها وحكمها الذاتي». وبالرغم من عدم حصولها على اعتراف دولي كامل، تعمل فلسطين كحالة خاصة لفاعل غير دولي يشارك بنشاط في السياسة الخارجية، بما في ذلك المبادرات الدبلوماسية تجاه الأمم المتحدة والمؤسسات العالمية الأخرى، فضلاً عن المؤسسات الأكاديمية الفلسطينية التي تساهم في البحث وصياغة السياسة الخارجية.
استمرار مشاركة الكيانات غير الدولية في عمليات تقرير المصير أدى إلى تحول في دورها، مما جعلها جوهرية لعلم العلاقات الدولية نفسه. هذه المؤسسية التدريجية لسلوك السياسة الخارجية من قبل الفاعلين غير الدوليين تشير إلى تحول في مكانتهم: إذ يسعون الآن للعب أدوار متميزة داخل النظام الدولي، ما يمكن تفسيره على أنه «انتصار» للفاعل غير الدولي داخل منظومة العلاقات الدولية. وقد أدى ذلك إلى الاعتراف الواسع بالفاعلين غير الدوليين كصانعي سياسات، ليس فقط بسبب مشاركتهم النشطة على المستويين الإقليمي والعالمي، بل أيضاً لمساهمتهم الضرورية في استمرارية السياسة الإقليمية، وكشرط لاستمرارهم وتطورهم. وتُعد القضية الفلسطينية مثالاً بارزاً على ذلك.
أهمية فهم طبيعة الفاعلين غير الدوليين
تتضح أهمية طبيعة الفاعلين غير الدوليين عند مقارنتها بأساليب عملهم، التي قد تختلف أو تتشابه عبر الفئات. وعلى الرغم من أن أساليب العمل توفر وسيلة واضحة لفهم طرق عمل الفاعلين غير الدوليين، إلا أنها لا يمكن أن تكون معياراً نهائياً للتمييز بينهم. ومن هنا، يصبح من الضروري التعرف على طبيعتهم الخاصة وتتبع مساراتهم لفهم اختلافاتهم الجوهرية، حيث إن التركيز على طبيعتهم الجوهرية أساسي لفهم السمات المميزة لسلوكهم السياسي.
الاستنتاج النظري
السؤال الأساسي في العلاقات الدولية لم يعد ما يجب ملاحظته، بل كيف يمكن للنظرية أن تتناول هذه الظواهر وتدمجها ضمن إطار تحليلي شامل قادر على استيعاب المسارات النظرية الناشئة عن سياقات مثل الشرق الأوسط، الذي يشهد حالة مستمرة من الانتقال وإعادة التشكيل منذ عام 1916 – عملية عضوية وسياسية منظمة بقدر ما هي جغرافية.
المعهد العراقي للحوار الراعي اللوجستي لمعرض بغداد الدولي للكتاب يفتتح جناحه الخاص في المعرض
Official agreement between Iraqi Institute for Dialogue and the Iraqi Media Network to sponsor The Seventh Annual International Conference of “Baghdad Dialogue” 2025
استكتاب خاص بمؤتمر حوار بغداد الدولي السابع لكتابة أوراق بحثية
دعوة استكتاب في العدد (79) من مجلة "حوار الفكر"
إشادات بحوار بغداد الدولي: تعزيز دور العراق المحوري ونقطة التقاء للرؤى
رئيس الوزراء: طريق التنمية سيجعل العراق قوة اقليمية سياسة واقتصادية
ندوة في المعهد العراقي للحوار (اليابان وفلسطين.. لغز الثقافة والانتصار للمظلومية)
تعليقات الزوار