المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

تشاثام هاوس: مقترحات المعاهدات الروسية تعود إلى ما بعد الحرب الباردة

في أي مفاوضات ثنائية، قد يطرح أحد الأطراف مسودة معاهدة للتفاوض حول نص معيّن، وفي المفاوضات المتعددة الأطراف، قد يطلق كبير المفاوضين أو مجموعة من الدول الموثوق بها محاولة لصياغة نص يحظى بإجماع مختلف الجهات، وفي الحالتَين، تسهم هذه المرحلة من المفاوضات في التركيز على المسائل المهمة ونقل المداولات إلى المرحلة اللاحقة، لكن غالباً ما تتغير مسودة المعاهدة بطريقة جذرية في نهاية هذه العملية.لكنّ طرح مسودة معاهدة في ظل غياب المفاوضات يعني الإعلان عن رؤية معينة، أو مجموعة من المبادئ، أو بنود معاهدة محتملة، أو ربما قائمة أمنيات، ولا تؤثر هذه الصيغة على الوقائع المتفق عليها التي تشكّل أساس أي تفاوض حقيقي.

لكن يبدو أن المعاهدتَين اللتين اقترحتهما #روسيا في 17 ديسمبر (معاهدة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الضمانات الأمنية، واتفاق بشأن تدابير ضمان أمن الاتحاد الروسي والدول الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي) لا تتبعان أي نمط مألوف.يحمل محتوى المسودتَين طابعاً غريباً كونه يعود إلى حقبة نهاية الحرب الباردة وبداية فترة التسعينيات ومنتصفها، فلطالما كان الحنين الشائب إلى الحرب الباردة موقفاً بارزاً في السنوات الأخيرة، ومع ذلك تبقى الدعوة إلى تقييد استعمال معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى غريبة.

لا يُعتبر محتوى المقترحات جديداً أو مفاجئاً بأي شكل، فمن الواضح أنها تهدف مجدداً إلى تقييد حلف الناتو، وتحرير روسيا، وتجريد الولايات المتحدة والناتو من الوسائل التي تسمح لهما بمساعدة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها ضد الجيش الروسي والعدائية السياسية الروسية.

على صعيد آخر، تُشدد المقترحات على الأسلحة النووية وتطالب بإعادة القدرات العسكرية في دول الناتو الجديدة إلى ما كانت عليه في عام 1997، ولا يتوقع أحد في روسيا أن يوافق الناتو أو الولايات المتحدة على هذه المطالب، حتى لو حصلت مفاوضات مطوّلة وعميقة، لأن روسيا اعتادت بين الثمانينيات والتسعينيات على التخلي عن مجموعة كاملة من هذه المعاهدات المُصمّمة لترسيخ السلام الدولي والأمن وتخفيض مخاطر المواجهة العسكرية.لا بد من التساؤل أيضاً عن السبب الذي يدفع روسيا إلى طرح مقترحات سبق أن وافقت عليها بموجب “وثيقة فيينا” لكنها عادت وتخلّت عنها، ربما تحاول روسيا إعادة التفاوض حول هذه الاتفاقيات لتحسين الشروط التي تصبّ في مصلحتها وتقليص البنود التي تفيد حلف الناتو، لكن لن يوافق الأميركيون وأعضاء الناتو على هذه النقاط بكل سذاجة.

تتمتع الولايات المتحدة وأبرز الدول الأوروبية بخبرة واسعة في التفاوض مع روسيا، وقد كشفت التطورات في العقود القليلة الماضية أن أحداً لا يستطيع تصديق المقترحات الروسية بشكلها الظاهري لأنها تخدم مصالح موسكو دوماً، لكنه نهج طبيعي في أي مفاوضات ويُفترض أن يأخذه الجميع بالاعتبار منذ البداية.سبق أن جرى التفاوض حول مقترحات عدة خلال التسعينيات وبعد عام 2000، لكن تستحق عناصر معينة من المسودة الإشادة كتلك المرتبطة بتجديد الخطوط الساخنة، وتبادل التقييمات المتعلقة بالتهديدات المعاصرة والتحديات الأمنية بانتظام، وقد تكون هذه الخطوة مفيدة لاستكمال الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا.

كذلك، يجب أن يتجدد تبادل المعلومات حول التدريبات العسكرية والمناورات والأحكام الأساسية في العقائد العسكرية بالطريقة المتفق عليها خلال الثمانينيات والتسعينيات، وفي الوقت نفسه سيكون تجديد الآليات الخاصة بالمشاورات الثنائية العاجلة أو متعددة الأطراف، على غرار مجلس الناتو وروسيا، ومنع الحوادث في المياه الدولية من أهم نقاط النقاش.

رغم التشكيك بالهدف الكامن وراء هذه المطالب وطريقة طرحها، سيكون رفض اقتراح التفاوض خطاً، ومن الأفضل أن تتحاور الأطراف المعنية وتراقب أي محاولات خداع عن قرب، وسيكون هذا الحوار ضرورياً أيضاً لتحسين الوضع الأمني مع روسيا أو حتى منع أي صراع وشيك في أوكرانيا.

اترك تعليقا