المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

الصراع الجيواقتصادي الصيني – الأميركي، المحددات والمآلات

دامت هيمنة أميركا الاقتصادية عقودا، واستطاعت بعد نهاية الحرب العالمية، تشكيل هندسة النظام الاقتصادي العالمي، وتوجيه مؤسساته. لكن اليوم برز جليا أن هذه الهيمنة على المحك وأن الصين لها طموح حقيقي وفعلي، ليس فقط لتقاسم الاقتصاد العالمي مع أميركا، بل لإزاحتها من دائرة الهيمنة.

لذا فإن الصراع الجيواقتصادي، هو صراع لتحقيق القوة بآليات وخطط اقتصادية؛ وبالتالي جعل الجيواقتصادية في خدمة السياسات الخارجية. ويتخوف كل من الباحثين ورجال الاعمال والاقتصاديين، من دينامية هذا الصراع الراهن. وهناك توجس من أن يتحول ذلك الى حرب باردة جديدة، بل الى حرب معلنة تطحن الجميع وتؤدي الى كارثة عالمية. كما هناك تخوف غربي من مسارات الاقتصاد العالمي في حالة تفوق الصين، وكل هذا يطرح استشكالا حول طبيعة هذا التنافس الشرس وآلياته ومجالاته ومن الرابح والخاسر ومآلات العلاقات الاقتصادية الدولية.

القوة الاقتصادية الثانية في العالم

المفكر غراهام اليسون Graham Allisson، من جامعة هارفرد، في كتابه حتمية الحرب Destined for War، أشار الى مقولة نابليون دعوا الصين نائمة، فعندما تستيقظ سوف تهز العالم، ويظهر أن الصين ليست اليوم فقط مستيقظة وإنما هي تتمدد في العالم وأصبحت تشكل القوة الاقتصادية الثانية في العالم وعما قريب في حدود 2030 – 2040، ستكون هي الأولى، كما أشارت الى ذلك عدة دراسات وبحوث وتقارير ومن ذلك التحذير الوارد في تقرير الاتجاهات الكبرى لسنة 2030 وتقرير 2040، Global Trends 2030.

هذا النمو المتسارع للصين يشكل بداية تحول كبير في العلاقات الدولية، ولذا ذهب اليسون الى التنبيه فبينما تمثل الصين الصاعدة بقوة تحديا للهيمنة الامريكية السائدة، تواجه الدولتان معا مخاطر الوقوع في مصيدة قاتلة، كان أول من أشار إليها وعرفها المؤرخ اليوناني القديم ثيوسيد يديز Thucydides. قال يديز في كتابته عن الحرب التي خربت المدينتين- الدولتين City-States الأقوى والاشهر في العالم الاغريقي القديم قبل الفي وخمسمائة عام لقد كان صعود أثينا والخوف الذي بثه ذلك في أسبرطة هو ما جعل الحرب بنهما حتميا ؛ فهل الصراع الجيواقتصادي بين الصين وأميركا كفيل بزعزعة استقرار العالم وعدم الانفلات من حتمية الحرب؟

ارتكاز على الاقتصاد لتحقيق المكاسب الجيوسياسية

إن الجيواقتصادية حسب الخبير الامريكي ادوارد تواك E. Luthuak ومن خلال مقاله من الجيوسياسية الى الجيواقتصادية وكذلك كتابه الحلم الأمريكي في خطر The Endangered Americain Dream، ومختلف أبحاثه، هي الارتكاز على الاقتصاد لتحقيق المكاسب الجيوسياسية واكتساب القوة للنفاذ الى مختلف الأسواق العالمية وبالتالي تحقيق الأمن الاقتصادي ورفاهية المجتمع الأمريكي.

بالتالي فالجيواقتصادية هي الاعتماد على الاتفاقيات التجارية والابتكار التكنولوجي والصناعة التي هي أساس التنافسية في عالم متميز بشراسة الصراع. ويذهب كذلك الخبير الفرنسي باسكال لوغو Pascal. Lorot، الى كون الجيواقتصادية تهتم بدراسة وتحليل مختلف الاستراتيجيات المعتمدة في المواجهة الاقتصادية بين القوى المتصارعة على المجال الاقتصادي والمواردالطبيعية. ولهذا تلجأ الدولة القوية ومنها أميركا والصين الى دعم الشركات والبحث عن تحاافات تجارية وأسواق جديدة وممارسة الذكاء الاقتصادي، بل التجسس الاقتصادي كذلك.

والجيواقتصادية باعتبارها سياسة عمومية تضعها الدولة، هي البحث عن التفوق والتميز وتجنب المخاطر الاقتصادية واستعمال الاقتصاد كسلاح في السياسة الخارجية؛ مثل تقديم المساعدات الاقتصادية واللجوء الى العقوبات الاقتصادية والتنافس لجذب رؤوس الأموال واستقطاب العقول واستمالتها وغير ذلك. وإن الجيواقتصادية هي ممارسة الحرب بشكل آخر، كما أشار الى ذلك بعض الباحثين ممن تبعوا الممارسة الجيواقتصادية الامريكية، بحيث نجد روبرت بلاكويل Blackwill R. وجنيفر هاريس Jennifer M. Harris. في كتابهما المعنون، الحرب بوسائل أخرى: الجيواقتصادية وفن إدارة الدولة War by Other Means: Geoeconomics and Statecraft، يطالبان بالاهتمام بالقوة الاقتصادية والتي هي كفيلة بتحقيق مكاسب لأميركا، أكثر من القوة العسكرية التي ساهمت الى حد كبير في تدني صورة أميركا في عدد من مناطق العالم. ويشير الكاتبان الى خطط الصين وكذلك موسكو في توظيف الجيواقتصادية لتحقيق مكاسب جيوسياسية. فالصين مثلا اعتمدت أسلوب الاغواء الاقتصادي حيث منحت التايوان عدة فرص تجارية من أجل الوصول الى تفاهم سياسي، كما تستعمل أسلوب العقوبة نفسه لانتزاع مكاسب اقتصادية.

تطور التنافس الأمريكي-الصيني

لا ينازع أحد في كون التنافس الأمريكي-الصيني يعود الى عقود، لكن كما أشارت مجلة ّدبلوماسية Diplomatie الفرنسية في عدد خاص حول الصين في يوليوز 2021، فإن سنة 2018 تحول التنافس الى صدام حقيقي وحرب تجارية خطيرة. وهكذا يتم التأريخ للحرب التجارية الامريكية-الصينية، ابتداء من 22 يناير 2018، حيث أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، عن تعريفات جمركية، تطبق لمدة أربعة سنوات، وتتعلق بآلات الغسيل والالواح الشمسية الصينية، كما وقع ترامب مرسوما يقتضي بفرض ضرائب على الصلب المستورد حوالي 25% والالمنيوم 10%، بدعوى حماية الامن الوطني، وتم اعفاء بعض الدول الاوروبية وكندا والمكسيك. وفي 23 مارس، أعلنت بكين عن لائحة تتضمن 128 منتوج أمريكي، تشملها عملية فرض ضرائب، في حالة فشل المفاوضات بين البلدين. كما منعت في 16 ابريل 2018، الشركة الصينية ZTE، المتخصصة في مجال الاتصالات من استعمال بضائع أو خدمات أصلها أمريكي؛ ولمدة سبعة سنوات.

وفي 6 يوليو 2018، فرضت ضرائب 25% على حوالي 34 مليار دولار من الواردات الصينية، مما جعل الصين تلجأ الى منظمة التجارة الدولية. وبعد هدنة لمدة ثلاث أشهر، أعلنت الولايات المتحدة الامريكية تطبيق رفع الضرائب الى 25% على حوالي 200 مليار من الواردات الصينية. وفي 5غشت 2019، تركت الحكومة الصينية عملتها تنخفض مما شكل هزة في الأسواق المالية حيث وصلت قيمة الدولار الواحد الى 7 من اليوان Yuan.

وفي 13 ديسمبر 2019 تم الإعلان عن اتفاق مبدئي بين الصين وأميركا، ووقع في يناير 2020، والتزمت بموجبه الصين بشراء قيمة 200 مليار دولار من المنتوجات الامريكية لمدة سنتين وتخفيض التعريفة الجمركية؛ لكن في 22 يوليوز 2020، أعلنت واشنطن غلق قنصلية الصين في هوستن Houston على خلفية اتهام الصين بسرقة ملكية فكرية؛ وردت الصين عليها بغلق القنصلية الامريكية في مدينة ¨Chengdu¨. وفي 12 نوفمبر 2020، أصدرت الحكومة الامريكية لائحة تتضمن عقوبات لمجموعة من الشركات الصينية من ضمنها Huawei وXiaomi، كما عاقبت الصين، في 20 يناير 2021، حوالي 28 شخصية أمريكية في الإدارة الامريكية السابقة ومن ضمنهم مايك بومبيو.

وبالرغم من استمرار إدارة بايدن في اعتماد التعريفات الجمركية ضد الصين التي أطلقتها إدارة ترامب، فإن الخبراء يتوقعون الدخول الى مرحلة التخفيف من التوتر ونهج العقلانية والحكمة في إدارة هذه الحرب التجارية. ولذا فإن الاتصال الهاتفي الذي كان بين بايدن والرئيس الصيني شي جينبينغ، كان صريحا وعميقا، وشملت المحادثات قضايا ذات اهتمام مشترك، حسب شبكة التلفزيون الحكومية سي سي تي في. كما قال جينبينغ لبايدن حسب نفس المصدر، إن بلدينا والعالم بأسره سيعاني في حال حدوث مواجهة صينية-أمريكية، كما قال أيضا: ان مستقبل العالم ومصيره يعتمدان على قدرة الصين والولايات المتحدة الامريكية على إدارة علاقتهما بشكل صحيح. هذا هو سؤال القرن الذي يتعين على البلدين الإجابة عليه، وقد نشر موقع فرانس 24 بالعربية ترجمة لمقتضيات هذا الاتصال، وذلك في 10/09/2021.

ويبدو أن البيت الأبيض يريد تجنب أن يتحول الصراع الى حرب، وكما قال أحد المسؤولين الأمريكيين حسب نفس المصدر السابق نحن مع منافسة شرسة، لكننا لا نريد أن تتحول هذه المنافسة الى نزاع، ولذا فإنه بالإضافة الى مشكلة تايوان والنزاع الجيوسياسي في بحر الصين الجنوبي، فإن مجالات الصراع الجيواقتصادي، لازالت تتوسع ويمكن اختزال أهمها في المجال المالي والتجارة والطاقة والموارد الطبيعية والتكنولوجيا المتطورة.

وتعتبر الصين من أكبر المستثمرين في سندات الخزينة الامريكية، ورغم تفوق اليابان عليها في سنة 2019 بسبب الصراع التجاري الصيني الأمريكي، الا أن الصين تملك احتياطي نقدي ضخم يقدر بمايفوق تلاثة تريليون دولار؛ ويشكل الدولار حصة ضخمة من هذا المخزون. ويتوقع الخبراء أن تستمر الصين في هذا الاستثمار بعد انخفاض حدة التوتر في عهد بايدن؛ ويعتبرون تملك الصين لسندات الخزينة الامريكية بمثابة سلاح نووي في يدها، إذ في حالة طرحها لما تملك من سندات، أي 1.092 تريليون دولار، سيكون ذلك كارثة وسيعصف بالأسواق المالية.

وتلجأ الصين في صراعها الجيواقتصادي كذلك، الى آلية اقراض الدول النامية وخصوصا في ا فريقيا، وقد أشارت مجلة جان افريك Jeune Afrique في عددها 7 أكتوبر 2021 بأن الصين هي أكبر دولة تمنح قروض، حيث وصلت 843 مليار دولار، استفادت منها الدول الافريقية، بحوالي 287.4 مليار دولار، أي 25% من التمويل و5152 مشروع. واعتمدت المجلة الافريقية على تقرير Aid Data الذي يتضمن الكثير من المعطيات حول دبلوماسية الديون الصينية.

وقد قدمت حوالي 624.7 مليار دولار من القروض لعدد من دول العالم، وهي بذلك تأتي في المرتبة الثانية بعد الصين، وتحاول أميركا في عهد بايدن جذب المزيد من الدول الافريقية لمعسكرها الاقتصادي، وأشارت صحيفة لو بوينت ¨Le POINT ¨ الفرنسية 8/11/2021 الى زيارة وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن الى السنغال قصد الاستثمار في غرب افريقيا في مجال التكنولوجيا والبنية التحتية والطاقة والنقل والخدمات المالية. وتريد الإدارة الامريكية بذلك منافسة الصين، والاستفادة من سياق تدني النفوذ الصيني في افريقيا، حيث اكدت دراسة من انجاز مؤسسة أفروباروميتر للأبحاث ¨Afrobarométre ، أن الصين تأتي بعد أميركا، على مستوى اعجاب الافارقة بنموذج التنمية، بنسبة 93% لأميركا مقابل 22% للصين.

وتشكل مبادرة ازدهار افريقيا Prosper Africa؛ استراتيجية أمريكية لدعم الشركات الاميركية في شمال افريقيا وإطلاق سلسلة من المشاريع وتحفيز للاستثمارات وبذلك تحاول أميركا تحسين وجودها في المنطقة الافريقية، وتعتزم الإدارة الأمريكية تنظيم لقاء بين بايدن ورؤساء افريقيا في سنة 2022؛ كما ستنظم ازدهار افريقيا، لقاء حول الابتكار في دكار سنة 2022.

وتتهم الصين في مجال التجارة بممارسة اغراق الأسواق بالمنتوجات الرخيصة، ولذا قامت الاتحاد الأوروبي بتعزيز منظومتها القانونية ضد اغراق الأسواق؛ وذكرت وزارة التجارة الصينية في 25 يونيو 2021، انها رفعت شكوى لدى منظمة التجارة الدولية حول إجراءات الإغراق والدعم الأسترالية ضد بعض الواردات الصينية. وتعتبر الصين أكبر مصدر في العالم بحوالي 13% من الصادرات العالمية، ولذلك يرى الخبراء بأنها بمثابة مصنع العالم، وستبقى عدة دول في حاجة اليها، حيث تقيم علاقات تجارية مع أكثر من 124 دولة.

وفي مجال الطاقة والمعادن والاراضي النادرة والنفط والغاز، فإن الصين تتنافس مع أميركا في عدة دول للتحكم في هذه الموارد. ويعتبر معدن الليثيوم الذي يستعمل في بطاريات السيارات الكهربائية وله تطبيقات أخرى، مجال الصراع الجديد بين الشركات الصينية والأمريكية والاوروبية. وهكذا فإنه بالرغم من كون الصين تحتل المرتبة الرابعة عالميا من حيث احتياطات اللثيوم، فإنها في حاجة الى 70% من الليثيوم من الخارج.

لذا تحاول شركة غانغ فينغ ليثيوم وهي من أهم الشركات العالمية في انتاج الليثيوم، شراء حصة في Millennial Lithium الكندية، وجاء في موقع الشرق الاقتصادي أن شركة كاتل CATL العملاقة لتصنيع البطاريات انضمت الى السباق بعد بضعة أشهر، لتتفوق على غانغ فينغ في النهاية انتصرت شركة ثالثة هي ليثيوم أميركا ز رغم أن غانغ قينغ من الساهمين في ليثيوم أميركا ز. لم تتوان شركة غانغ تينغ في سبتمبر عن شراء شريكتها International lithium ، في مشروع ماريانا في الارجنتين، أحد أكبر الاحتياطات على مستوى العالم. في الشهر الماضي دفعت زييجين ماينينغ حوالي 757 مليون دولار نقدا لشركة Neo Lithium، وهي مجموعة كندية لها أيضا عمليات في الارجنتين.

وأشارت صحيفة فايننشال تايمز بأن كميات الليثيوم الموجودة في أفغانستان من شأنها أن تنافس مخزون دول مثلث الليثيوم الارجنتين، بوليفيا والشيلي. وإذا استطاعت الصين التحكم في مخزون الليثيوم في أفغانستان، فإنها ستحوز على ميزة إضافية في تنافسها مع أميركا والاتحاد الأوروبي كما أشار كذلك مركز بلومبيرغ لتمويل الطاقة الجديدة.

ولذا فإن الصراع الأمريكي-الصيني في مجال التكنولوجيا الدقيقة مرتبط بالاستحواذ على المعادن النادرة والاستراتيجية، فاللثيوم له استعمالات في الالات الذكية والبطاريات والهواتف والحواسيب، وتسعى أميركا الى منع الصين من ضم التايوان لأن هذه الأخيرة تحتكر صناعة أشباه الموصلات والتي تشكل أساس الصناعات الدقيقة.

وعموما فإن الصين تستعمل آليات وخطط متعددة، وكذلك أميركا. فهناك المساعدات الاقتصادية غير المشروطة والعقوبات الاقتصادية واغراق الأسواق والتجسس الاقتصادي وتقليد السلع والتنافس الشرس في الابتكار والابداع والبحث العلمي وجذب العلماء والصراع الجيوسياسي على التعليم العالي.

كما تسعى الصين الى منافسة أميركا في مجال القوة الناعمة والدبلوماسية الصحية، واكتساح وكالات الأمم المتحدة، حيث أصبحت هي المساهم الثاني منذ 2018 في ميزانية الأمم المتحدة، بعد أميركا، بحوالي 12.01%. ويشرف صينيون على أربع وكالات للأمم المتحدة، وهي منظمة الزراعة والتغذية والاتحاد الدولي للاتصالات ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية ومنظمة الطيران الدولي. كما لها أطر عليا مدراء تنفيذيون أو مدراء عامون مساعدون في عدة وكالات أخرى مثل اليونسكو والمنظمة العالمية للملكية الفكرية ومنظمة للملاحة الدولية ومنظمة التجارة الدولية ووكالة الطاقة الذرية والمنظمة الدولية للسياحة وصندوق النقد الدولي.

خاتمة

لا شك أن الصراع الجيواقتصادي الامريكي-الصيني له تأثير على مسار العلاقات الدولية وسيكون له تأثير كذلك في العقود المقبلة. فهناك تشكل واضح لمعسكرين، ليس بنفس ابعاد المعسكر الاشتراكي والرأسمالي القديم؛ ولكن هناك صراع جيواقتصادي محض أكثر منه أيديولوجي.

ولذا فإن الدول تتجاذب بين المعسكرين على حسب تقرير المصلحة الاقتصادية وكذلك الثقة. وبناء على تقرير صادر عن مركز دراسات الاسيان ASEAN Studies Centre؛ فقد عبرت دول أسيان عن ثقتها في القوى الدولية كالتالي:

  • نسبة الثقة في الصين 16.5% وأميركا 48.3% واليابان 67.1% والهند 19.8% والاتحاد الأوروبي 51.0%.
  • نسبة عدم الثقة في الصين 63.0% وأميركا 31.3% واليابان 16.5% والاتحاد الأوروبي 29.6% والهند 50.3%.

ويلاحظ بأن دول الخليج وبالرغم من محاولة أميركا للضغط عليها؛ فإنها تؤسس لعلاقات تجارية مهمة مع الصين، وبالتالي فإن مبادرة الحزام الاقتصادي وطريق الحرير البحري، تلتقي مع رؤية 2030 للسعودية؛ وستتفيد دول الخليج من هذا الوضع الجيواقتصادي الجديد، لأن هناك تجديد لجيوسياسية البحر وتوسيع نطاق الملاحة البحرية، ودول الخليج شريك أساس في هذه الاستراتيجية الصينية، ولكن من منظور يستند الى معادلة رابح – رابح، وبراديغم جديد للعلاقات الدولية يتأسس على الاحترام والمساواة والشراكة العادلة.

لقد ورد في افتتاحية المجلة الفرنسية Diplomatie في عددها الخاص بالصين يوليو 2021، انتقاد حاد لنظرية حتمية الحرب التي طرحها غراهام اليسون والذي يحابي مؤسسات الدفاع والاستخبارات، ويرى A. Baulzmann بأن أميركا ليست أثينا كما أن الصين ليست أسبرطة، وأن انقلاب الصراع الى حرب مدمرة غير وارد، لأن السياق معقد، كما لا يمكن اخراج روسيا وأوروبا من المعادلة. واعتقد بأن هذا الصراع الجيواقتصادي سيفضي بلاشك إلى إعادة تشكيل النظام الاقتصاد الدولي، والدول التي تتوفر على يقظةاستشرافية وذكاء اقتصادي ورؤية مستقبلية وقدرة على الإبحار في هذه الأزمنة ما بعد العادية، يمكن ان تجد لها موقعا في الوضع العالمي القادم.

المصدر : المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية

اترك تعليقا