00:00:00
توقيت بغداد
2025ديسمبر15
الاثنين
10 °C
بغداد، 10°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

ترجمة: المعهد العراقي للحوار - بقلم بيتر رودجرز - مهتم بشكل خاص بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة

"الإرهاب" حسب الحاجة: العدالة في ميزان السياسة الأمريكية

في صورة وزّعها الديوان الملكي السعودي، يظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو يصافح أحمد الشرع، الزعيم الحالي لسوريا، في العاصمة الرياض يوم 14 أيار 2025، وإلى جانبهما ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. مشهدٌ كهذا، حتى وقت قريب، كان سيبدو ضرباً من الخيال.

فأحمد الشرع، المعروف سابقًا باسم أبو محمد الجولاني، كان على قائمة أخطر المطلوبين للولايات المتحدة، مع مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله. أما اليوم، فهو يقف جنبًا إلى جنب مع ترامب لمناقشة مستقبل سوريا. هذه المصافحة، إلى جانب قرار ترامب برفع العقوبات عن دمشق، تطرح سؤالًا وجوديًا:

هل كانت "الحرب على الإرهاب" الأمريكية حرباً مبدئية فعلاً؟ أم مجرد أداة لخدمة مصالح سياسية متغيرة؟

لقاء مُحيّر

جولة ترامب في الشرق الأوسط، التي حظيت بتغطية إعلامية مكثفة، بلغت ذروتها بلقائه مع الشـرع، الذي كان يقود تنظيم جبهة النصرة — الفرع السوري لتنظيم القاعدة المصنّف إرهابياً من قبل واشنطن منذ عام 2013. بعد اللقاء، أعلن ترامب نيّته تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة ورفع العقوبات، واصفاً ذلك بأنه "فرصة لبداية جديدة".

البيت الأبيض دافع عن القرار واصفاً إياه بـ"الواقعي"، مستشهداً بدور الشـرع في إسقاط نظام الأسد، ومحاولاته إظهار الاعتدال عبر قيادة هيئة تحرير الشام التي أعادت تشكيل نفسها للابتعاد عن جذورها القاعدية. لكن صورة ترامب وهو يصافح رجلاً كان حتى وقت قريب على رأس قائمة الإرهاب الأمريكية، أثارت قلقاً واسعاً.

مفارقة سليماني: العدالة الانتقائية

لفهم أبعاد هذا التحول، يسترجع التقرير حادثة اغتيال قاسم سليماني عام 2020، قائد "قوة القدس" التابعة للحرس الثوري الإيراني، الذي قُتل بضربة أمريكية في بغداد. رغم دور سليماني المحوري في قتال تنظيم داعش في العراق وسوريا، بررت إدارة ترامب اغتياله بدعوى تهديده للمصالح الأمريكية ودعمه لجماعات كحزب الله.

المفارقة الصارخة: من قاتل تنظيم داعش قُتل، أما من قاد فرعاً من القاعدة فقد أصبح شريكاً سياسياً. هذا التناقض يكشف أن السياسة الأمريكية في مكافحة الإرهاب ليست مسألة مبدأ، بل أداة تخدم المصالح الإستراتيجية. فاغتيال سليماني أضعف النفوذ الإيراني — خصم واشنطن الرئيسي — في حين أن منح الشرع شرعية جديدة يخدم هدفاً أمريكياً آخر: استقرار سوريا ما بعد الأسد دون تدخل عسكري مباشر.

تاريخ التحالفات "المريحة"

لقاء ترامب مع الشـرع ليس استثناءً بل امتداد لنهج أمريكي طويل. ففي الحرب الباردة، دعمت واشنطن المجاهدين الأفغان ضد الاتحاد السوفيتي — بعضهم أصبح لاحقاً قادة في تنظيم القاعدة. وفي الثمانينات، وقفت مع صدام حسين ضد إيران، رغم تورطه في جرائم إبادة، لأن العراق كان توازناً مفيداً ضد طهران.

واليوم، يستكمل ترامب هذا النهج. ففي زيارته للرياض، وقع صفقة تسليح بقيمة 142 مليار دولار، وأكد على أهمية مواجهة إيران، بينما ينفتح على شركاء سابقين في الإرهاب مثل الشـرع. رفع العقوبات والحديث عن "التطبيع" يعكسان تحولاً براغماتياً يُفضل الاستقرار والفرص الاقتصادية على التصنيفات القديمة.

سقوط القناع عن "الحرب على الإرهاب"

منذ هجمات 11 أيلول، تم تصوير الحرب على الإرهاب كمعركة أخلاقية ضد التطرف، لكن مصافحة الشـرع تكشف حقيقتها كأداة سياسية قابلة لإعادة التشكيل. رسالة ترامب واضحة: الولايات المتحدة مستعدة لتجاهل ماضي خصومها إذا خدم ذلك مصالحها. هذا قد يشجع فصائل أخرى على السعي لنيل الشرعية عبر "تغييرات تجميلية".

في المقابل، كان قتل سليماني رسالة من نوع آخر: من يعارض مصالح واشنطن — حتى لو قاتل الإرهاب — لا حصانة له.

سياسة المصلحة أولاً

صورة ترامب وهو يصافح الشـرع ليست مجرد لحظة دبلوماسية، بل نافذة على الازدواجية في سياسات أميركا الأمنية. حين يُستقبل قائد سابق لتنظيم متطرف كشريك، بينما يُستهدف جنرال قاتل الإرهاب، فالمغزى واضح: الإرهاب مجرد توصيف مرن يخضع لمصالح واشنطن، لا لقيم ثابتة.

ومع دخول الشرق الأوسط مرحلة جديدة، يتساءل كثيرون:

هل الحرب الأمريكية على الإرهاب حقاً من أجل الأمن العالمي؟ أم أنها مجرد خطوة أخرى في لعبة شطرنج جيوسياسية للسيطرة الإقليمية والدولية؟

تعليقات الزوار