00:00:00
توقيت بغداد
2025ديسمبر15
الاثنين
11 °C
بغداد، 11°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

ترجمة: المعهد العراقي للحوار - الفاضل إبراهيم كاتب ومحلل في الشؤون السودانية

الستار الأخير على "محور المقاومة"؟

تبدو قبضة طهران على لبنان آخذة في التراخي، وقد تجلى هذا التحول بوضوح خلال الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى بيروت.

فعلى الرغم من تأكيده العلني على علاقات "دولة بدولة" ومبدأ "عدم التدخل" في لقاءاته مع الرئيس جوزيف عون، ورئيس الوزراء نواف سلام، ووزير الخارجية يوسف رجي، ورئيس البرلمان نبيه بري، إلا أن خطاب عراقجي يعكس محاولة إيران التكيف مع واقع تراجع نفوذها، وتراجع قوة حزب الله بعد حربه المدمّرة مع إسرائيل في خريف العام الماضي.

ومن اللافت أن خطابه العام خلا من أي إشارة مباشرة لحزب الله، على عكس ما كان سائداً في خطابات سابقة كانت تشدد على مركزيته في "محور المقاومة". كما أبدى استعداد طهران لمشاركة شركاتها في إعادة إعمار لبنان، ووافق، بشكل لافت، على مطلب بيروت بأن تمر جميع المساعدات عبر قنوات الدولة الرسمية، ما يعكس اعترافاً إيرانياً ضمنياً بتعاظم حضور الدولة اللبنانية.

ورغم ذلك، خصّ عراقجي حزب الله بلقاء غير معلن مع أمينه العام الجديد، نعيم قاسم، وزار ضريح سلفه الراحل حسن نصر الله، حيث عاد إلى لهجة المواجهة، قائلاً: "أنا على يقين بأن النصر النهائي سيكون من نصيب شعب لبنان والمقاومة، وهزيمة الكيان الصهيوني أمر حتمي".

هذا النهج المزدوج — التودد للمؤسسات اللبنانية الرسمية والمجتمع الدولي من جهة، والتأكيد على الالتزام العقائدي بمحور المقاومة من جهة أخرى — لا يشير إلى قطيعة بقدر ما يكشف عن إعادة تموضع استراتيجية عميقة.

تراجع النفوذ: من الحرب إلى الحدود المغلقة

السبب الجوهري لهذا التحول هو الحرب الشرسة والمستمرة بين حزب الله وإسرائيل، التي اندلعت عقب هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر 2023، وسرعان ما اتسعت لتشمل مجموعات حليفة لحماس في المنطقة. وقد تكبّد حزب الله خسائر فادحة، بما في ذلك تدمير معظم ترسانته العسكرية ومقتل نصر الله ونائبه هاشم صفي الدين في غارات إسرائيلية.

وكانت ضربة قاسية بشكل خاص تلك التي جاءت في سبتمبر 2024 عبر سلسلة من الهجمات الإلكترونية باستخدام أجهزة استدعاء مفخخة، ما شلّ منظومة الاتصالات لدى الحزب، وكشف عن قدرات استخباراتية إسرائيلية متقدمة.

كما فقد حزب الله طريق إمداده الرئيسي — الممر البري عبر سوريا — بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، حيث أقدمت الحكومة السورية الجديدة، بدعم سعودي، على ترسيم الحدود والتعاون الأمني مع لبنان، في خطوة تستهدف وقف التهريب غير المشروع ومواجهة نفوذ الحزب.

وأغلقت بيروت أيضاً مطار رفيق الحريري الدولي أمام الرحلات الإيرانية منذ فبراير، بعد تهديدات إسرائيلية باستهداف أي طائرات إيرانية يُشتبه بأنها تنقل سلاحاً أو أموالاً للحزب.

حزب الله في مأزق داخلي

في الداخل اللبناني، يواجه حزب الله أزمة مالية خانقة، حيث أفادت تقارير بتأخر تعويض المتضررين من الحرب في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، وهي قاعدة دعمه الشعبية الأساسية. لطالما كانت قدرة الحزب على تقديم الخدمات والتعويضات عاملاً حاسماً في الحفاظ على ولاء قاعدته، والآن بدأ هذا الدور يتآكل.

ومع تراجع الدعم الإيراني، تدرك طهران أن تكرار نموذج إعادة إعمار 2006 — حين ضخت أموالها عبر الحزب متجاوزة مؤسسات الدولة — لم يعد قابلاً للتنفيذ، لا مالياً ولا سياسياً.

مشهد سياسي لبناني جديد

الحكومة اللبنانية الجديدة بقيادة الرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام تتبنى موقفاً حازماً يعلي من شأن السيادة الوطنية، ويطالب بـ"احتكار السلاح بيد الدولة". وقال سلام في مقابلة مع "سكاي نيوز عربية": "عصر تصدير الثورة الإيرانية قد انتهى".

في تطور غير مسبوق، يتعاون الجيش اللبناني بشكل غير مباشر مع إسرائيل — عبر وساطة أميركية — بهدف الكشف عن مخازن السلاح التابعة لحزب الله في الجنوب. وبدأت الدول المانحة بربط مساعدات إعادة الإعمار بدور أكبر للجيش وتقليص نفوذ الحزب.

إيران في مأزق استراتيجي

المحادثات النووية الجارية بين إيران وإدارة ترامب، إضافة إلى العقوبات الأميركية الخانقة، أجبرت طهران على التوجه نحو الدبلوماسية على حساب العمل بالوكالة. فاقتصادها يعاني من تضخم مفرط وتراجع في القدرة الشرائية، وانخفضت عائدات النفط بسبب القيود على أساطيل النقل السرية التي كانت تستخدمها سابقاً.

ومع الكلفة الباهظة لدعم حزب الله، سياسياً ومالياً، بات النهج القديم غير مقبول حتى لدى الشارع الإيراني المرهق اقتصادياً.

حزب الله بين التحدي والتكيّف

رغم هذه الضغوط، لا يزال حزب الله يزاوج بين التحدي العقائدي والانخراط السياسي. فقد صرّح نعيم قاسم، قائلاً: "لتتوقف إسرائيل عن عدوانها وتطلق الأسرى، عندها يمكننا الحديث". أي أن نزع سلاح الحزب لن يكون مطروحاً إلا بعد انسحاب إسرائيلي كامل من الجنوب — ما يخلق معادلة مغلقة بين الانسحاب والتسوية.

في الوقت نفسه، يمارس الحزب براغماتية سياسية، كما ظهر في مشاركته في الحكومة الجديدة وتصويته للرئيس عون بعد اعتراض أولي، في محاولة لتفادي مزيد من العزلة والغضب الشعبي في ظل الحاجة الماسة إلى إعادة الإعمار.

الخلاصة: نهاية مرحلة

التحولات في لبنان تعكس ضعفاً متزايداً في المحور الإيراني التقليدي، حيث لم تعد طهران قادرة على دعم وكلائها كما في السابق، لا عبر السلاح ولا عبر المال. وفقدت أدواتها السرية القديمة فعاليتها، من الممرات البرية إلى التمويل غير الرسمي، وسط ضغط إقليمي ودولي غير مسبوق.

وهكذا، يبدو أن العلاقة بين إيران و"جوهرة محور المقاومة" تمر بمرحلة إعادة تعريف جذرية، إذ تقر طهران — بوضوح أكثر من أي وقت مضى — بأن حتى الثوابت الثورية يجب أن تخضع أحياناً لحسابات البقاء في زمن الأزمات.

تعليقات الزوار