00:00:00
توقيت بغداد
2025ديسمبر15
الاثنين
10 °C
بغداد، 10°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

ميناء الفاو وطريق التنمية: العراق يعيد رسم خرائط التجارة الدولية

في لحظة فاصلة من تاريخ العراق الاقتصادي الحديث، يبرز مشروع "طريق التنمية" بالتكامل مع "ميناء الفاو الكبير" بوصفه تحوّلاً استراتيجياً يعيد رسم موقع العراق على خارطة التجارة العالمية، ويمنحه للمرة الأولى منذ عقود دوراً محورياً في الربط بين أسواق الخليج وآسيا وأوروبا.

من ميناء الفاو إلى قلب أوروبا

يشكل ميناء الفاو – الذي تجاوزت نسبة الإنجاز فيه 90% حتى منتصف عام 2025 – نقطة الانطلاق لممر بري وسكة حديد بطول يتجاوز 1200 كيلومتر تمتد من البصرة جنوباً حتى الحدود التركية شمالاً.

ويُتوقع أن يخفض هذا الممر زمن الشحن من آسيا إلى أوروبا من 33 يومًا إلى نحو 15 يوماً، مما يقلل التكاليف اللوجستية بنسبة تصل إلى 40%، بحسب التقديرات الأولية.

كما يتضمن المشروع قناة ملاحية بطول 22 كيلومتراً، ونفقاً بحرياً يُعد الأطول في الشرق الأوسط، وتُقدر طاقته التشغيلية الأولية بـ3.5 ملايين حاوية، مع خطط توسعة تدريجية للوصول إلى 25 مليون حاوية سنوياً.

اتفاق إقليمي نوعي: من النوايا إلى الشراكة

في أبريل 2024، وقّعت كل من العراق وتركيا وقطر والإمارات اتفاقاً رباعيّاً لتأمين التنفيذ والتمويل المشترك لطريق التنمية، ما شكل نقلة نوعية من الاستثمار التقليدي في النفط والعقار إلى التركيز على البنية التحتية العابرة للحدود.

يمثل هذا التحول اعترافاً متزايداً بأن أمن الإمدادات وسلاسل التوريد لم يعدا مضمونَين في ظل التهديدات المتزايدة التي تواجه الممرات البحرية، خصوصاً في البحر الأحمر والخليج. وهكذا، بات العراق يُنظر إليه كممر بديل وآمن يمكنه تخفيف التوترات الجيوسياسية عن الدول الخليجية وتعزيز تفاعلها مع السوق الأوروبية.

الأثر الاقتصادي المتوقّع

يشير تحليل أولي إلى أن المشروع قد يُنتج:

أكثر من 4 مليارات دولار سنوياً من العوائد غير النفطية بحلول 2040.

ما يزيد عن 100 ألف فرصة عمل في قطاعات النقل واللوجستيات والصناعة والتخزين.

زيادة تراكمية في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة 15–18% خلال العقد المقبل.

أبعاد إقليمية واستراتيجية

يُعد المشروع جسراً اقتصادياً بين الخليج وتركيا وأوروبا، ويُتوقع أن:

يمنح دول الخليج منفذاً برياً آمناً لتصدير الطاقة والصناعات غير النفطية.

يُعزّز من أمن تركيا الاقتصادي كممر نقل رئيسي إلى أوروبا.

يفتح آفاقاً واسعة أمام الاستثمار الخليجي في المناطق الاقتصادية الحرة والقطاعات اللوجستية العراقية.

يُوفر لأوروبا خيارًا استراتيجيًا في ظل هشاشة الطرق البحرية التقليدية.

تحديات حقيقية وفرص تاريخية

ورغم الإمكانات الواعدة، لا يخلو المشروع من تحديات، أبرزها:

الوضع الأمني في بعض المناطق العراقية.

المخاطر السياسية الإقليمية التي قد تؤثر على استقرار المشروع واستدامة تمويله.

الحاجة إلى إصلاحات مؤسسية وإدارية لضمان جذب الاستثمار وحماية البيئة الاستثمارية.

لكن الأهم، كما يرى خبراء مركز الدراسات، أن الإرادة السياسية العراقية الحالية، المدعومة برؤية خليجية واضحة، تمثل فرصة تاريخية لتحويل العراق من بلد ريعي معتمد على النفط إلى دولة عبور محورية في التجارة الدولية.

العراق الجديد على خارطة الاقتصاد العالمي

نجاح المشروع لا يُقاس فقط بسرعة الإنجاز أو عدد الحاويات، بل بقدرته على إعادة تموضع العراق في المعادلة الجيو-اقتصادية للمنطقة والعالم. فالعراق لم يعد مجرد "مخزن للنفط" أو ساحة للصراعات، بل بات، وللمرة الأولى، منصة لتكامل المصالح بين آسيا وأوروبا عبر الخليج وتركيا.

إن مشروع ميناء الفاو وطريق التنمية هو أكثر من مجرد بنية تحتية: إنه فرصة استراتيجية لإعادة تعريف العراق كفاعل اقتصادي إقليمي ودولي، ولتحقيق تحوّل نوعي من الاعتماد على الريع إلى اقتصاد متنوع ومستدام.

تعليقات الزوار