00:00:00
توقيت بغداد
2025ديسمبر15
الاثنين
10 °C
بغداد، 10°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

بقلم: هاديا العلاّو الدين

هل لا تزال الهند ذات صلة باستراتيجية الولايات المتحدة في آسيا والمحيط الهادئ؟

"لا يهمني ما تفعله الهند مع روسيا. يمكنهما أن تغرقا معًا باقتصاداتهما الميتة، لا يعنيني ذلك." هكذا كتب الرئيس الأميركي على منصة Truth Social، بعد يوم واحد فقط من إعلانه فرض تعرفة جمركية بنسبة 25% على الواردات الهندية، تبدأ من 1 أغسطس. وقد صرح ترامب أن الهند تعتمد دومًا على روسيا كمصدر للسلاح والوقود، واصفًا ذلك بأنه "قرار سيء".

ما الذي أدى إلى غضب الولايات المتحدة من الهند؟

في الآونة الأخيرة، بدأت الهند في اختبار تشكيلات جديدة من "مثلثات القوة". فقد ناقشت موسكو وبكين إمكانية إحياء صيغة "RIC" (روسيا-الهند-الصين) القديمة، وهو ما أثار انزعاج الهند التي ردت بحذر.

وفي يوليو 2025، اتخذت نيودلهي خطوة علنية تعكس استعدادها لإعادة تشغيل صيغة RIC، حيث وصفتها وزارة الشؤون الخارجية الهندية بأنها "مجموعة تشاورية". وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد شدد في مايو على رغبة موسكو في استئناف عمل هذه المجموعة الثلاثية في أقرب وقت ممكن، مشيرًا إلى أنها كانت تعقد اجتماعات مرتين أو ثلاثًا سنويًا منذ عام 2002. وقد أيدت الصين أيضًا هذا الاتجاه، ووصفت وزارة خارجيتها التعاون بين الدول الثلاث بأنه يصب في مصلحة استقرار المنطقة.

الدوافع الهندية للانفتاح على هذه المبادرة تبدو واضحة في ضوء استياء الغرب من ازدواجية المعايير التي يُتهم بها الموقف الهندي، خاصة فيما يتعلق بالعقوبات الضمنية التي فُرضت على نيودلهي بسبب شرائها للنفط الروسي. وتستطيع الهند استغلال هذا الوضع لفتح طرق تجارية غير غربية من خلال تعزيز التعاون مع روسيا والصين. لكن في الوقت نفسه، تتصرف نيودلهي بحذر حتى لا تثير غضب حلفائها الأميركيين.

وقد وصف متحدث باسم الهند صيغة RIC بأنها مجرد منصة نقاش ثلاثية لمناقشة القضايا العالمية، ولم تذكر وسائل الإعلام أي موعد لاجتماع مرتقب. ووفقًا للمحللين، فإن إحياء صيغة RIC بشكل كامل قد يؤدي إلى إدخال تأثير أوروآسيوي قادر على تحدي الهيمنة الغربية.

العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين الهند وروسيا

شهدت العلاقات الاقتصادية بين الهند وروسيا نموًا ملحوظاً، في وقت تشهد فيه علاقات الهند مع الغرب بعض التوتر. فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الهند وروسيا نحو 68.7 مليار دولار في العام المالي 2024-2025. وتهيمن الواردات الهندية على هذا التبادل، حيث استوردت الهند بضائع من روسيا بقيمة 63.8 مليار دولار، مقابل صادرات لم تتجاوز 4.9 مليار دولار.

ويُشكّل النفط والمنتجات السلعية الجزء الأكبر من فاتورة الواردات الهندية من روسيا، خاصة المنتجات البترولية والأسمدة والوقود. وقد أصبحت الهند أكبر مشترٍ للنفط الروسي في العالم. وقد حذرت جهات في حلف الناتو الهند من احتمال تعرضها لـ عقوبات ثانوية بنسبة 100% إذا واصلت شراء النفط الروسي بكميات ضخمة.

وعلى الرغم من أن روسيا لا تزال المصدر الرئيسي للأسلحة للهند، إلا أن هذا الدور بدأ يتراجع تدريجياً. فروسيا لا تزال تزوّد الهند بقطع الغيار لبعض صفقات الأسلحة التي تعود للعهد السوفيتي، لكنها تواجه تأخيرات، مثلما حدث في تسليم منظومة الدفاع الجوي S-400، التي تأخر تسليمها ثلاث سنوات عن الموعد الأصلي. في المقابل، بدأت الهند منذ سنوات بتنويع مصادر تسليحها، من خلال شراء مقاتلات رافال الفرنسية وصواريخ إسرائيلية وغيرها من المعدات الغربية.

هل ستصبح الهند جزءاً من محور جديد؟

الهند تلعب لعبة توازن دقيقة، كما يتجلى في انضمامها إلى مجموعة QUAD (الرباعية) التي تضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا. ومنذ عام 2017، كثفت الدول الأربع من تنسيقها في سبيل ضمان "منطقة حرة ومفتوحة في المحيطين الهندي والهادئ". لكن الهند لا ترغب في أن تتحول هذه المجموعة إلى تحالف عسكري رسمي، وهو ما أدى إلى تأخير جهود QUAD الأمنية. وقد دفع ذلك وزير الخارجية الروسي إلى التعليق علناً، متهماً واشنطن وطوكيو وكانبيرا بمحاولة "عسكرة الرباعية".

تصعيد أمريكي في الخطاب ضد الهند وحلفائها

في الوقت نفسه، تبنت واشنطن نبرة أكثر تحفظاً في تعاملها مع الهند. فقد وجه السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام تهديداً صريحاً إلى دول مجموعة بريكس، قائلاً: "سنفرض عليكم الرسوم الجمركية بكل قوتنا ونسحق اقتصادكم"، متهماً هذه الدول بتوفير الوقود لمجهود بوتين الحربي.

ويأتي هذا التهديد بالتزامن مع مشروع قانون "معاقبة روسيا" الذي أقره الكونغرس الأمريكي بدعم من البيت الأبيض، ويدعو إلى تشديد العقوبات الثانوية. وكان وزير الخارجية الأميركي السابق، أنتوني بلينكن، قد عبّر عن صدمة الولايات المتحدة من رفض الهند إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا. ولم توقع الهند على العقوبات الغربية، مما دفع واشنطن لاتهامها بـ التنصل من المسؤولية.

وقد رد وزير الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار قائلاً: "على أوروبا أن تتخلص من العقلية التي ترى أن مشكلاتها هي مشكلات العالم، لكن مشكلات العالم ليست مشكلاتها."

ووفقاً لتحليل لمركز RAND، فإن الدعم الأمريكي للهند، رغم كونه ثنائي الحزب، يبقى هشاً بسبب التصادم في القيم السياسية بين الطرفين.

عند مفترق استراتيجي

وصلت الهند إلى مفترق طرق استراتيجي. حيويتها كدولة ديمقراطية بدأت تثير مخاوف في الغرب. فهي ما تزال تحافظ على علاقاتها القديمة مع روسيا، في الوقت الذي تدّعي فيه تنسيقاً مع الولايات المتحدة بشأن الصين.

تشارك الهند في منتديات مثل QUAD، لكنها ترفض الانخراط العسكري المباشر. كل هذا يجعل من موقفها غامضاً وغير محسوم. فهي ليست عضواً كاملاً في المحور المعادي للغرب، لكنها أيضاً لا تُعد حليفًا موثوقًا بالكامل للولايات المتحدة.

تعليقات الزوار