00:00:00
توقيت بغداد
2025ديسمبر15
الاثنين
10 °C
بغداد، 10°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

ترجمة: المعهد العراقي للحوار

التراجع الأمريكي السريع كمصدر قلق في بكين – قراءة في التحولات الجيوسياسية

تتصاعد في الأوساط السياسية والفكرية الأمريكية والأوروبية مؤشرات القلق من خسارة الولايات المتحدة موقعها المتقدم في السباق الجيوسياسي والاقتصادي أمام الصين. غير أن المثير للانتباه، وفق رؤية البروفيسور هيمنت أَدلاكها، هو أن الصين نفسها قلقة من أن التراجع الأمريكي يحدث بوتيرة أسرع مما توقعت، وهو ما قد يفرض تحديات على بكين في إدارة هذا التحول الاستراتيجي.

هذا التقرير يقدم قراءة معمقة في أبعاد هذا القلق الصيني، وأسبابه، وتداعياته على موازين القوى الدولية، مع ربطه بسياق تاريخي وتحليل الاستجابات المتبادلة بين واشنطن وبكين.

السياق الراهن – قرارات واشنطن كفرص لبكين

في أبريل الماضي، أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في واشنطن توصية لقادة أفريقيا بتعزيز التعاون مع دول البريكس، بعد فرض إدارة ترامب رسوماً جمركية تتجاوز 50% على 53 دولة أفريقية، من بينها دول فقيرة مثل ليسوتو.

هذه الإجراءات أضعفت الروابط الاقتصادية الأمريكية في القارة، وفتحت المجال أمام الصين لتعزيز نفوذها التجاري والسياسي، ربما بمستوى لم تكن تتوقعه بكين نفسها.

المثال اللافت هو ليسوتو، التي انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق عام 2019، حيث بلغت صادراتها إلى أمريكا عام 2024 نحو 237 مليون دولار، مقابل 30 مليون دولار فقط إلى الصين، ما يترك هامشاً واسعاً لبكين للتوسع.

من “فقدان الصين” إلى “الخسارة أمام الصين”

تاريخياً، عاشت واشنطن صدمة استراتيجية عام 1949 بإعلان ماو تسي تونغ قيام الحكم الشيوعي، وهو ما عُرف لاحقاً بـ "فقدان الصين".

اليوم، يشعر الساسة الأمريكيون بصدمة موازية، لكن هذه المرة من خسارة السباق لصالح الصين الشيوعية، لا مجرد خسارة الصين نفسها.

المفكر الأمريكي رايان هاس، المدير السابق لشؤون الصين في مجلس الأمن القومي، يرى أن واشنطن تحتاج لاستراتيجية شاملة لآسيا، بدلاً من استراتيجية مركزة فقط على الصين، لأن المنافسة مع بكين تمس عمق التوازن الآسيوي.

التحول في الخطاب الصيني

قبل أكثر من عقد، كان الاقتصاديون الغربيون – مثل أرفيند سوبرامانيان – أول من تحدث عن تراجع أمريكا، بينما كان الخطاب الصيني رسمياً حذراً.

اليوم، تتبنى وكالة شينخوا وصحيفة الشعب خطاباً أكثر جرأة، يصف الولايات المتحدة بأنها "دولة أقل إلهاماً" مقابل "صين أكثر جاذبية".

بكين تروج لإنجازاتها التجارية، حيث بلغت تجارتها الخارجية في النصف الأول من 2025 21.79 تريليون يوان، مدفوعة بصادرات السيارات الكهربائية والبطاريات وخلايا الطاقة الشمسية، كـ"بطاقة تعريف جديدة" لقوتها الاقتصادية.

القلق الصيني من التراجع الأمريكي السريع

رغم أن التراجع الأمريكي يفترض أن يمنح الصين أفضلية، إلا أن السرعة المفرطة في هذا التراجع تقلق بكين، لأنها قد تخلق فراغات استراتيجية غير مستقرة في النظام الدولي، وتدفع إلى ردود فعل أمريكية حادة أو غير متوقعة.

الخطاب الرسمي الصيني ثابت في التأكيد على حتمية الانحدار الأمريكي، ويقدّم نموذج الحزب الشيوعي كـ"نظام ملتزم بخدمة الشعب لا المصالح الخاصة"، في مقابل ما تصفه بـ "خلل" النظام الأمريكي.

التداعيات الاستراتيجية

الصين قد تجد نفسها مضطرة لتحمل أعباء إدارة نظام دولي يتغير بسرعة أكبر من قدرتها على التأقلم.

احتمال زيادة التوترات مع واشنطن في مناطق النفوذ المتنازع عليها (آسيا، أفريقيا، أميركا اللاتينية).

الحاجة لتطوير آليات لاحتواء الفوضى المحتملة في الأسواق أو التحالفات العالمية.

وعلى الولايات المتحدة: قد تتجه إلى سياسات أكثر هجومية لمحاولة وقف التراجع، مما يزيد احتمالية الاحتكاك المباشر مع الصين.

إعادة النظر في شبكات التحالفات، خاصة في آسيا وأفريقيا.

على النظام الدولي:

زيادة فرص تشكل محور صيني–روسي–بريكس قادر على ملء الفراغ الذي تخلفه واشنطن.

احتمالات إعادة صياغة القواعد التجارية والمؤسسات المالية الدولية لصالح القوى الصاعدة.

الخلاصة

يمثل التراجع الأمريكي السريع فرصة استراتيجية للصين، لكنه أيضاً مصدر قلق بالغ، إذ يفرض عليها تحدي إدارة انتقال القوة في بيئة دولية غير مستقرة. بالنسبة لمراكز الدراسات وصانعي السياسات، فإن فهم هذه المعادلة ضروري لتقدير اتجاهات الصراع الأمريكي–الصيني في العقد المقبل.

 

تعليقات الزوار