المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

أي من الحزبين يهيمن على ريادة الاختراع في الولايات المتحدة؟

من منا يهتم بالانتماء السياسي لطبيب مسالك بولية يقصده؟ ومن يعير بالاً لحقيقة أن المخترعين يرجح أن يكونوا من الحزب الجمهوري دوناً عن الحزب الديمقراطي؟

ليس كل شيء مسيّساً، لكن لكل شيء جانب سياسي، وتأتي المهن من بين ذلك. بالتالي، من شأن معرفة الانتماءات السياسية التي تهيمن على قطاعات محددة أن تساعدك على تدبر توقعاتك، ليس في الحياة اليومية فحسب، بل في محاولة فهم اتجاهات الاقتصاد الأوسع.

تُظهر مثلاً التبرعات لصالح الحملات الانتخابية أن أصحاب بعض المهن يميلون إلى اليمين، فيما تميل قطاعات أخرى من المهن إلى اليسار. وقد بيّنت نتائج بحوث صدرت حديثاً أن الانتماء الحزبي مهم لدى المخترعين أيضاً، أولاً في دفعهم ليصبحوا مخترعين في الأساس، ثمّ في اختيارهم للمجال الذي يسعون للاختراع فيه.

علاقة سببية بالاتجاهين

تظهر البيانات أن العاملين في النفط ومهندسي البترول يتبرعون في الأغلب لصالح مرشحين جمهوريين. في المقابل، يدعم خبراء البيئة وأمناء المكتبات وسقاة الحانات الديمقراطيين. يبدو توجه قطاع الوقود الأحفوري منطقياً في ظل الجدل الذي تثيره قضية التغير المناخي. ولكن ما تفسير ميل سائقي الشاحنات والمزارعين وأخصائيي المسالك البولية إلى الجمهوريين، مقابل ميل أطباء الأطفال وسقاة الحانات مثلاً إلى الديمقراطيين.

لا شك في أن لهذه العلاقة السببية اتجاهين. مثلاً، سقاة الحانات غالباً ما يكونون أصغر سناً، وأكثر انفتاحاً بقدر ما، وهي سمات تقترن بتأييد الديمقراطيين. لذا ليس بالضروري أن تكون هذه الوظيفة هي ما تدفع المرء ليكون ديمقراطياً، أو أن تأييدك للديمقراطيين هو ما يدفعك كي تعمل ساقياً.

في بعض الحالات الأخرى، قد تؤثّر المهنة التي يمارسها المرء على أهوائه السياسية. مثلاً، يستاء أصحاب المؤسسات الصغيرة من الضرائب نظراً لافتقارهم في الأغلب إلى التدفقات النقدية أو هوامش الربح التي تتمتع بها الشركات الكبرى، بالتالي يميل أصحاب تلك المؤسسات ووكلاء التأمين إلى الجمهوريين، وهذا الجزء من العلاقة قد يكون سببياً.

في المقابل، يميل الأكاديميون نحو الحزب الديمقراطي، وربما يعود ذلك بجزء منه إلى الاعتقاد بأن الديمقراطيين يدعمون العلم والبحث الأكاديمي أكثر. زد على ذلك أن الأكاديميين يعملون ضمن بيئة لا تخضع كثيراً للقيود التجارية التقليدية، مثل المحاسبة والربح والخسارة.

تسييس الاختراع

تبيّن أن الانتماء الحزبي مهم في أوساط المخترعين أيضاً. فقد أظهرت دراسة نُشرت الشهر الماضي أن عدد المخترعين من الجمهوريين كان أكبر عموماً في في 2020، فقد شكلوا 37% من قاعدة بيانات تضم أكثر من 250 ألف مخترع أميركي، فيما شكل الديمقراطيون 34%، والمستقلون 30%. لعل ذلك يرجع بجزء منه إلى رغبة كثير من المخترعين في أن يصبحوا أصحاب مؤسسات صغيرة.

مع ذلك، تعاظم عدد المخترعين من ذوي الميل الديمقراطي منذ 2019، ما قد يُعزى إلى أن الاستقطاب التعليمي يعني أن أصحاب الشهادات الأعلى باتوا يميلون أكثر نحو الحزب الديمقراطي. ويظهر هذا التحوّل بشكل أوضح في الولايات الديمقراطية، مثل واشنطن.

كما تقترن الآراء السياسية للمخترعين مع طبيعة اختراعاتهم أيضاً. فغالباً ما يطوّر الجمهوريون أسلحة مبتكرة، وهي تُصنّف في براءات الاختراع تحت خانة “الأسلحة التفجيرية”، فيما يميل الديمقراطيون للاستحصال على براءات اختراع في مجال التغير المناخي. تبرز هذه التأثيرات الحزبية أكثر عند العمل ضمن فريق لإنجاز الاختراعات، وهو ما اكتسب أهمية أكبر في الفترة الماضية. بالتالي، قد تصبح الاختراعات مسيّسة أكثر.

الديمقراطيون يقودون الابتكارات الحديثة

كيف يمكن لمؤيدي الأحزاب المختلفة أن ينظروا إلى هذه النتائج؟ حسناً، يمكن للمحافظين القلقين من الهيمنة الليبرالية على المجال الأكاديمي أن يواسوا أنفسهم بأنهم ما يزالون يحظون بسطوة في أحد المجالات، ويطرحون أفكاراً جديدة يمكن أن تحصل على براءات اختراع. كما أن الحضور الجمهوري القوي يؤثّر على نوع الابتكارات التي تتحول إلى منتجات، لذا لا يمانع البعض التخلي عن وجود أكبر في الوسط الأكاديمي مقابل دور أعظم في الاختراع.

في الوقت عينه، يرى كثيرون أن براءات الاختراع ربما تكون مقياساً مضللاً لتقييم الابتكار، فقد قلّ اعتماد عديد من القطاعات الحديثة في الاقتصاد الأميركي على براءات الاختراع من أجل حماية أفكارها الجديدة وما تحققه من تقدّم. برغم أن شركات التقنية قد تستحصل على براءات اختراع، فإن ميزتها التنافسية الفعلية تكمن في اتساع استخدام منتجاتها وضمّ أصحاب المواهب إلى كوادرها وقدرتها على صيانة برمجياتها ومراجعتها، و غير ذلك من عوامل.

يميل الموظفون في شركات التقنية الكبرى في الأغلب إلى اليسار وإلى تأييد الديمقراطيين، كما هو متوقع في أوساط أشخاص من أصحاب الشهادات العليا والدخل المرتفع في ولايات مثل كاليفورنيا وواشنطن. ربما ما يحصل هو أن الديمقراطيين يقودون القطاعات الأحدث والأكثر ابتكاراً، تاركين القطاعات الأقدم الأكثر اعتماداً على براءات الاختراع للجمهوريين. وإذا ما صحّ، ذلك، فيعني أن التفوق الأيديولوجي للديمقراطيين أعظم ممّا يبدو.

ثمة طريقة أخرى للنظر إلى الأمور. في اقتصاد المستقبل، هل تفضّل تطوير الجيل التالي من الأسلحة أو من الذكاء الاصطناعي؟ أنا أعرف أي المجالين أُفضل، وربما علينا أن نسأل الذكاء الاصطناعي عن إجابته.

اترك تعليقا