المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

ما هي خيارات الصين للسيطرة على تايوان دون حرب؟

تعددت الإستراتيجيات المحتملة التي يمكن للصين اتباعها للسيطرة على تايوان دون الدخول في حرب مباشرة معها، منها ما يُعرف بالعزل الإلزامي، وهو الطريق الذي سيجعل من الصعب على الولايات المتحدة مواجهته، وفق تقرير أمريكي نشرته “سي إن إن”.

وحذّرت مؤسسة بحثية بارزة من أن الجيش الصيني قد يعزل تايوان، ويشل اقتصادها، ويجعل الجزيرة تستسلم لإرادة الحزب الشيوعي الحاكم في بكين دون إطلاق رصاصة واحدة.

ويقول التقرير، إن المخاوف تزايدت في السنوات الأخيرة من أن يفي الحزب الشيوعي بوعده بالسيطرة على تايوان، بالقوة إذا لزم الأمر، بسبب تصرفات الرئيس الصيني شي جين بينغ تجاه الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي.

وفي مثل هذا السيناريو، ركز المحللون والإستراتيجيون العسكريون لمدة طويلة على خيارين رئيسيين متاحين للصين، هما الحرب الشاملة، أو الحصار العسكري.

العزل الإلزامي

ولكن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) في واشنطن، يحذر من أن هناك طريقًا ثالثًا، وهو الطريق الذي سيجعل من الصعب على الولايات المتحدة وغيرها من الديمقراطيات ذات التفكير المماثل مواجهته، وهو العزل الإلزامي.

وذكر تقرير صدر حديثًا عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية أنه ومن خلال استخدام تكتيكات “المنطقة الرمادية”، وهي إجراءات أقل بقليل مما يمكن وصفه أعمال حرب، يمكن لخفر السواحل الصيني وما يسمى بالميليشيا البحرية ومختلف وكالات الشرطة والسلامة البحرية البدء في فرض حجر صحي كامل أو جزئي على تايوان، وربما قطع الوصول إلى موانئها، ووقف الإمدادات الحيوية مثل الطاقة من الوصول إلى سكان الجزيرة البالغ عددهم 23 مليون نسمة.

ووفق المصدر، فقد ظهرت تكتيكات المنطقة الرمادية المتصاعدة للصين بشكل صارخ هذا الأسبوع، عندما اشتبكت سفن خفر السواحل الصينية مع قوارب البحرية الفلبينية في بحر الصين الجنوبي.

خيارات بكين

ولكن تقرير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، يقول إن بكين لديها خيارات قوية لا تمكّنها فقط إبقاء جيش التحرير الشعبي الصيني خارج القتال، بل تمكّنها في الواقع من وضع ديمقراطية الجزيرة أو مؤيديها مثل الولايات المتحدة في دور البادئين بالصراع العسكري للحفاظ على الحكم الذاتي لتايوان.

ويشير التقرير إلى أن خفر السواحل الصيني -مثل معظم خفر السواحل حول العالم- يعد وكالة لإنفاذ القانون. وهذا يعني أنه يستطيع إيقاف وتنظيم الشحن حول الجزيرة فيما يسمى بالعزل الإلزامي، وهو يختلف عن الحصار.

ويقول التقرير، إن “العزل الإلزامي هو عملية يقودها إنفاذ القانون للسيطرة على الحركة البحرية أو الجوية داخل منطقة معينة، في حين أن الحصار هو في المقام الأول ذو طبيعة عسكرية”، ويعد القانون الدولي الحصار عملًا من أعمال الحرب.

ويذهب التقرير إلى أن “العزل الإلزامي الذي يقوده خفر السواحل الصيني ليس إعلان حرب ضد تايوان”، ومن شأنه أن يضع الولايات المتحدة في موقف صعب.

وواشنطن ملزمة قانونًا -بموجب قانون العلاقات مع تايوان- بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها، كذلك تزوّدها بأسلحة دفاعية.

ولكن إذا تدخلت السفن أو الطائرات العسكرية الأمريكية فيما تقول الصين إنها عملية لإنفاذ القانون، فقد يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها تبدأ الأعمال العدائية العسكرية.

خنق تايوان

ويشير مؤلفو التقرير إلى أن إجراءات العزل الإلزامي التي قد تتخذها بكين يمكن أن تكون محدودة للغاية، ومع هذا سيكون لها التأثيرعلى خنق تايوان اقتصاديًا، فقد ترى بعض من الشركات أنها ستدخل في مواجهة محتملة مع السلطات الصينية، إذ تُصادر أصولها، وقد تتوقف طوعًا عن تقديم خدماتها في الجزيرة.

وجاء في التقرير أن “الاستعداد الصيني الواضح لتفتيش ومصادرة عدد قليل من السفن التجارية فقط يمكن أن يكون له التأثير الرادع الكبير لينجم عنه ثني الآخرين عن ارتكاب انتهاكات مماثلة”.

ويشير التقرير إلى أن إجراءات البحث أو المصادرة المحدودة لها التأثير الشديد على الرحلات الجوية إلى تايوان، إذ يمكن بسهولة توسيع رقعة العزل الإلزامي ليشمل الأجواء.

وذكر التقرير أن الطائرات الصينية ستحتاج إلى توجيه تحذير لعدد قليل فقط من الرحلات الجوية، ليكون لها بذلك التأثير الخانق على حركة المرور كاملة.

ويشير إلى أن العزل الإلزامي، وليس الحصار، لن يتطلب من الصين إغلاق أو تقييد الوصول إلى مضيق تايوان، وهذا يعني أن واشنطن وحلفاءها قد يخسرون أحد أكبر مطالباتهم بالتدخل بموجب القانون الدولي للحفاظ على حرية الملاحة في ممر مائي دولي.

ويقول التقرير: “إذا صُوِّر العزل الإلزامي على أنه عملية لإنفاذ القانون، فيمكن للصين أن تعلن بسهولة نهاية العملية، وتدّعي أنها حققت أهدافها”.

وبموجب مزاعمها بأن تايوان أرض صينية، قد تطلب بكين تقديم إقرارات جمركية قبل أن تتمكن السفن من الرسو في تايوان، وبالنسبة لأولئك الذين لا يمتثلون، يمكن أن يكون لآليات التنفيذ تأثير سلبي على عمليات الشحن جميعها.

وقال التقرير: “سيُسمح لسفن إنفاذ القانون الصينية من الصعود على متن السفن وإجراء عمليات تفتيش في الموقع، واستجواب الموظفين، واتخاذ إجراءات أخرى ضد السفن غير الممتثلة”.

وتسمح هذه الفكرة بنطاق محدود من العمليات للصين، على سبيل المثال، يمكن أن تستهدف فقط ميناء كاوشيونغ، وهو الميناء الأكثر ازدحامًا في الجزيرة، والمسؤول عن 57٪ من واردات تايوان البحرية ومعظم وارداتها من الطاقة، وفقًا للدراسة.

محاذير العزل الإلزامي

ووجد المحللون الخارجيون الذين راجعوا التقرير أن ما ورد فيه يعد معقولًا، ولكن كانت لديهم أيضًا شكوك مهمة حول الكيفية التي يمكن أن تسير بها الأمور، وذكر البعض كيف أن الاقتصاد لا يلعب بالضرورة لصالح بكين.

وقال كارل شوستر، مدير العمليات السابق في مركز الاستخبارات المشتركة التابع للقيادة الأمريكية في المحيط الهادئ، إن “الحفاظ على العزل الإلزامي سيكون مكلفًا ويستغرق وقتًا طويلاً”.

ويؤكد شوستر أن “تايبيه لن تستسلم في أقل من 60 يومًا”، متسائلًا: “هل تستطيع بكين الحفاظ على جهودها ومواجهة رد الفعل الدولي المحتمل لفترة طويلة؟”.

كذلك تايوان والصين متشابكتان اقتصاديًا بشكل عميق، وفي العام الماضي، ذهب 35% من صادرات الجزيرة إلى البر الرئيسي الصيني، وكان معظمها عبارة عن شرائح إلكترونية وخلايا شمسية ومكونات إلكترونية.

وشكلت الواردات من البر الرئيسي 20% من إجمالي واردات الجزيرة في العام نفسه، وبين عامي 1991 و2022، استثمرت الشركات التايوانية ما مجموعه 203 مليارات دولار في البر الرئيسي، ما خلق ملايين فرص العمل في الصين.

علاوة على ذلك، يمكن للعزل الإلزامي أن يدفع السكان إلى الالتفاف حول الحكومة، بدلاً من الانتفاضة ضدها، كذلك يرى سيدهارث كوشال، زميل أبحاث أول في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن.

ويقول: “تُظهر الأدلة التاريخية أنه حتى عمليات الحصار الشديدة لها قيمة قسرية محدودة، وقد يؤدي العزل الإلزامي المحدود إلى التسبب في زيادة التأييد الشعبي للقيادة السياسية”.

ويحذر كوشال من أن العزل الإلزامي قد يدفع أيضًا حكومة تايوان إلى إعلان الاستقلال، وهو أمر قالت بكين مرارًا وتكرارًا إنه من الراجح أن يؤدي إلى صراع مسلح.

ويقول: “سيترك هذا (للحزب الشيوعي) خيارين، إما التصعيد أو انتكاسة كبيرة”.

اترك تعليقا