المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

هل أفشلت حرب غزة خطط الممر الهندي لصالح “طريق التنمية”؟

تزايدت الأهمية الاستراتيجية لمشروع “طريق التنمية” العراقي مع تصاعد أزمة البحر الأحمر منذ شهور، وذلك بعدما تعرضت سفن التجارة الدولية لهجمات شنّها الحوثيون ردًّا على الحرب الصهيونية على قطاع غزة، والتي أدّت إلى عرقلة الملاحة البحرية عبر باب المندب والبحر الأحمر، الذي يمرّ عبره نحو 15% من التجارة الدولية.

ومع احتدام المنافسة بين مشاريع الممرات الإقليمية والدولية، تتجه الأنظار إلى طريق التنمية العراقي باعتباره البديل الأنسب للمشروع الهندو-أوروبي الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن في سبتمبر/ أيلول الماضي، خلال قمة مجموعة العشرين في العاصمة نيودلهي، لربط الهند بأوروبا عبر دول الخليج مرورًا بـ”الكيان الصهيوني”.

انعكاسات حرب غزة
ترجّح تقارير دولية أن تسهم الحرب الإسرائيلية على غزة في وصد الأبواب أمام خطط الربط بين الهند وأوروبا، وتمهيد مسار مشروع “طريق التنمية” بين العراق والقارة العجوز عبر تركيا.

وذكر تقرير نشرته صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” الصينية، في 9 مايو/ أيار الجاري، أن حرب غزة أوقفت خطط ربط الهند وأوروبا برًّا عبر الشرق الأوسط، لكن العمل سيبدأ قريبًا على ممر اتصال منافس يربط ساحل الخليج العربي في العراق بأوروبا عبر تركيا.

ومن المتوقع أن يبدأ العمل الرسمي على طريق التنمية العراقي الذي تبلغ تكلفته نحو 20 مليار دولار أمريكي بشكل جدّي في الأشهر المقبلة، بعد أن شهدت بغداد خلال زيارة الرئيس التركي أردوغان، في أبريل/ نيسان الماضي، توقيع العراق وتركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة اتفاقًا مبدئيًا حول المشروع.

وتعزو الصحيفة الصينية سبب الاهتمام التركي المتزايد بهذا المشروع، إلى الإحباط الذي تشعر به أنقرة بسبب محاولة تجاوزها، وعدم شمولها في الممر الهندي الذي تدعمه الولايات المتحدة بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا.

ونقلت الصحيفة عن المختص بشؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس في الولايات المتحدة، كريستيان كوتس أولريشسن، قوله إن “الحرب بين إسرائيل وغزة وضعت اتصال الجزء الشرقي من الممر في البحر الأبيض المتوسط ​​​​في مواجهة تساؤلات حادة، كما جعلت الحرب السفن التي تعبر البحر الأحمر عرضة لهجمات الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، ما أدى إلى تجدد الاهتمام بطرق برية بديلة مثل “طريق التنمية” في العراق”.

وفي المقابل يرى مدير المبادرة الكردية العالمية في الجامعة الأمريكية في واشنطن، يريفان سعيد، في حديثه للصحيفة الصينية، “أن مشروع “طريق التنمية” قد يواجه معارضة من إيران التي يمكن أن “تهمَّش اقتصاديًّا”، أو تنظر إلى الطريق باعتباره تهديدًا لنفوذها في العراق والمنطقة”.

وأشار إلى أن طهران قد تتكبّد خسائر كبيرة من مشروع “طريق التنمية” العراقي، خاصة إذا نجحت مشاريع تصدير الغاز إلى أوروبا، لأنها ستخسر أسواق الغاز في كل من العراق وتركيا.

“طريق التنمية” العراقي
ويعدّ “طريق التنمية”، والذي من المؤمل إنجاز مرحلته الأولى عام 2028، أحد أكبر المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية في العراق والمنطقة، كونه سيكون حلقة وصل مهمة بين الموانئ الصينية والأوروبية مرورًا بدول الخليج وتركيا.

وقال مدير عام الشركة العامة لسكك حديد العراق، يونس خالد، لوكالة الأنباء العراقية في مايو/ أيار 2023، إن “مشروع طريق التنمية استراتيجي ويمثل حلم العراق، وهو مكمل لمشروع ميناء الفاو الكبير، وسيكون الأكبر على مستوى العراق ويضمّ خط سكك حديد مزدوج، فضلًا عن طريق بري سيتم إنشاؤه بأحدث التقنيات”.

وأوضح المسؤول العراقي أن “المشروع سيبدأ بخدمة ميناء الفاو والموانئ العراقية الأخرى بطول 1200 كيلومتر، ويمتد من الفاو إلى الحدود العراقية التركية في منطقة فيشخابور، وسيضم خطوط سكك مزدوجة وقطاراته تعمل بالطاقة الكهربائية، وهو مصمَّم بأحدث التقنيات وتتوفر فيه كل وسائل الأمان ووسائل الاتصال الحديثة”.

هذا وسيكون المشروع على 3 مراحل بالتزامن مع اكتمال ميناء الفاو الكبير، تنتهي المرحلة الأولى عام 2028 باكتمال الخط السككي والطريق السريع الممتد باتجاه أوروبا عبر تركيا.

ومن المخطط أن يتم إنجاز المرحلة الثانية عام 2038 والثالثة عام 2050، وهاتان المرحلتان تتعلقان بمضاعفة الطاقة الاستيعابية لميناء الفاو، ومدّ خطوط نقل الطاقة وغير ذلك.

ويأمل العراق أن تصل طاقة المشروع في المرحلة الأولى إلى نقل 3.5 ملايين حاوية سنويًا و22 مليون طن بضائع، فضلًا عن خدمة قرابة الـ 15 مليون مسافر سنويًا، بإيرادات سنوية تبلغ 4 مليارات دولار من البضائع، وقرابة 850 مليون دولار من حركة المسافرين.

الممر الهندو-أوروبي
ينظر الكثيرون إلى مشروع الممر الهندي على أنه ردّ أمريكي على مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها الصين قبل 10 أعوام، لكنها واجهت عقبات كثيرة وتحديات أسهمت في تأخير إنجازها.

وبحسب بيان البيت الأبيض، فإن الممر الاقتصادي الجديد هدفه “ربط الهند بأوروبا، من خلال خط للسكك الحديد والموانئ القائمة في السعودية والإمارات والأردن وإسرائيل، وهو ما من شأنه أن يولِّد النمو الاقتصادي، ويحفز الاستثمارات الجديدة، وينشئ فرص عمل نوعية”.

ويطمح القائمون على إنجاز هذا الممر إلى ربط الدول الآسيوية والأوروبية بالمراكز التجارية، وتسهيل تطوير الطاقة النظيفة وتصديرها، إضافة إلى دعم التجارة والصناعة القائمة، وتعزيز الأمن الغذائي وسلاسل التوريد.

ورغم اتفاق مجموعات العمل للدول المشاركة في الممر الهندي على إطلاق خطة أكمل خلال 60 يومًا من إعلان المشروع، وتحديد جداول زمنية لتنفيذ الممر، إلا أن ذلك لم يحصل بسبب اندلاع الحرب في قطاع غزة.

ورغم عدم استفادة الولايات المتحدة ماديًّا من مشاركتها في هذا المشروع، لكنه يحظى باهتمام أمريكي كبير كونه يعزز المصالح الأمريكية في مواجهة الصين، وله دور مرتقب في تفعيل مشاريع التطبيع مع “إسرائيل” في الشرق الأوسط.

أهمية الممر العراقي
ويرى الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله، أن العالم يمرّ بمجموعة من التحولات الجيوسياسية على مستوى واسع، بعد اندلاع “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر الماضي.

ويبيّن ذكر الله في حديثه لـ”نون بوست” أن التأثيرات الكبيرة التي أحدثتها المجموعات المسلحة في المنطقة وخاصة اليمن، أدت إلى صعوبة المرور من المضائق التقليدية وقناة السويس، وبالتالي اضطرار نسبة كبيرة من التجارة العالمية إلى الرجوع للمسارات القديمة مثل طريق رأس الرجاء الصالح وغيره، ومن هنا فإن “طريق التنمية” العراقي كان أحد هذه الطرق البديلة، التي من الممكن اللجوء إليها بعد اندلاع هذه الأحداث وتأثيراتها.

ويشير إلى أن طريق التنمية أصبح أكثر جاذبية لأنه يقلل الكثير من الوقت مقارنة بالطرق والممرات التقليدية الأخرى، والتي تمّ الاعتماد عليها بعد “طوفان الأقصى”، خاصة أنه لم يكن أحد يعتقد أن يطول الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة كل هذه الفترة، كما لا توجد في الأفق علامات على قرب انتهاء المواجهات.

وينوّه الخبير الاقتصادي إلى أن الحديث يدور الآن ما بين الدوائر العالمية حول الطرق البديلة التي يمكن أن تعتمد عليها هذه الدول في إيصال التجارة بشكل آمن إلى المستوردين، لا سيما في ظل ارتفاع بعض أسعار السلع الأساسية ومنها القمح وغيرها، وبالتالي إن عدم وجود طرق مختصرة سيؤدي ولا شكّ إلى ارتفاع أسعار الشحن بشكل أو بآخر.

ويعتقد ذكر الله أن الدول بدأت تعي الدرس، كون الأحداث الحالية مرشحة للتفاقم، أو للتكرار مرة بعد أخرى، وبالتالي بات الجميع يبحث عن طرق بديلة آمنة ومختصرة يمكن الاعتماد عليها في الفترة القادمة.

يبقى، أن على العراق وتركيا تعزيز الجهود للترويج لهذا المشروع، وكذلك المبادرة إلى إنجاز هذه الخطط على أرض الواقع حتى تصبح مسارات عملية ملموسة، يمكن من خلالها بالفعل نقل جزء من التجارة العالمية إلى مثل هذه المسارات قبل اندلاع أي أزمة أخرى.

اترك تعليقا