00:00:00
توقيت بغداد
2025ديسمبر15
الاثنين
11 °C
بغداد، 11°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

لقاء السوداني والشرع: تقارب استراتيجي أم مغامرة سياسية؟

في تطوّر دبلوماسي غير مسبوق، جمَع لقاءٌ محكم الترتيب في العاصمة القطرية الدوحة بين الرئيس السوري أحمد الشرع ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وذلك في أول لقاء يجمع قيادتي البلدين منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 من كانون الأول 2024.

اللقاء الذي تم برعاية أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يحمل دلالات سياسية وإستراتيجية عميقة، ليس فقط على صعيد العلاقات الثنائية، بل على امتداد المشهد الإقليمي بعد مرحلة ما بعد الأسد.

السياق الإقليمي المتغير

رغم أن الرئيس السوري الجديد قد زار عدة عواصم خليجية منذ توليه المنصب مطلع هذا العام، فإن اجتماعه بالسوداني يُعد أول لقاء له مع قيادة عراقية، وأول لقاء رفيع مع حليف رئيسي لإيران في المنطقة. ويشكل هذا اللقاء بداية لمحاولات دمشق استعادة علاقاتها مع الأطراف الإقليمية التي كانت سابقًا ضمن دوائر نفوذها.

وفق مصادر سياسية مطلعة، تركزت المباحثات بين الطرفين على قضايا الأمن الإقليمي، وضبط الحدود، ومكافحة الإرهاب، وهي ملفات استراتيجية تمثل هواجس مشتركة، خصوصاً في المناطق الحدودية بين البلدين.

كما أشارت المصادر ذاتها إلى التوصل إلى اتفاق مبدئي لإعادة فتح المعابر الحدودية الرسمية، ما قد يُعيد تنشيط التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين البلدين. ولم يتسنّ التحقق المستقل من هذه المعلومات.

دعوة إلى قمة بغداد

ومن بين مخرجات اللقاء، وجّه السوداني دعوة رسمية للشرع لحضور القمة العربية المرتقبة التي ستُعقد في بغداد الشهر المقبل. وإن قُبلت الدعوة، فستكون هذه أول مشاركة سورية في قمة عربية منذ سقوط الأسد أواخر العام الماضي، علمًا أن الشرع سبق وأن شارك في مارس الماضي بقمة عربية طارئة في السعودية خُصصت لمناقشة القضية الفلسطينية.

اللافت أن استضافة قطر لهذا اللقاء، رغم كونها من أبرز منتقدي نظام الأسد سابقاً، تشير إلى تحول واضح في سياستها الخارجية، من المواجهة إلى لعب دور الوسيط. وهو ما يعكس صعود الدور القطري كقوة دبلوماسية فاعلة في بيئة عربية تتسم بالتشظي.

تحديات داخلية وحساسيات تاريخية

بالنسبة لبغداد، فإن الانفتاح على إدارة الشرع يمثل محاولة للتأثير في مسار عودة سوريا إلى الحاضنة العربية، دون التفريط في مصالح العراق الأمنية. غير أن المسألة معقدة داخلياً، إذ يواجه السوداني اعتراضات واضحة من أطراف شيعية بارزة، بسبب ماضي الشرع ودوره في جماعات سلفية متطرفة.

فالشرع يُعرف بارتباطه السابق بتنظيم القاعدة في العراق خلال العقد الأول من الألفية، حيث اتُّهم بالمشاركة في عمليات ضد القوات العراقية والمدنيين الشيعة، ومنها التفجير الشهير لضريح العسكريين في سامراء عام 2006، الذي فجّر موجة عنف طائفي مدمرة. كما أسس لاحقاً "جبهة النصرة" في سوريا بعد احداث عام 2011، ورفض الانضمام لتنظيم الدولة (داعش) لاحقاً، قبل أن يقود تأسيس "هيئة تحرير الشام" عام 2017.

ورغم أن الشرع قطع رسميًا علاقاته مع القاعدة، إلا أن ذاكرة القوى العراقية لا سيما الشيعية لا تزال مشحونة، وهو ما برز في تصريحات نيابية رافضة لاحتمال حضوره قمة بغداد، أبرزها تصريح للنائب فالح الخزعلي من تحالف الفتح، الذي وصف الشرع بـ"الإرهابي"، في إشارة إلى اسمه الحركي السابق "أبو محمد الجولاني".

قطر وسياسة "التهدئة الصامتة"

تلعب قطر دوراً متصاعداً في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة في المنطقة. ورغم علاقتها المتوترة سابقاً مع نظام الأسد، فإن استضافتها لهذا اللقاء تُعبّر عن توجه جديد في سياستها يقوم على "التهدئة الصامتة" والانخراط في ملفات حساسة، من دون ضجيج إعلامي، ولكن بأثر سياسي ملموس.

بين الرمزية والحسابات الواقعية

رغم الرمزية العالية لهذا اللقاء، فإن انعكاساته العملية ستظل مرهونة بمواقف الأطراف الإقليمية والمحلية، لا سيما القوى الشيعية العراقية ذات النفوذ الكبير في القرار السياسي العراقي. وبين حسابات السوداني الانتخابية، واعتراضات الفصائل المسلحة، وتوازناته مع إيران والخليج، يبقى المسار مفتوحاً لاحتمالات متعددة، تبدأ من إعادة الانخراط، ولا تنتهي عند حدود الصدام المكتوم.

لكن المؤكد أن لقاء الدوحة قد فتح صفحة جديدة في العلاقات العراقية-السورية، عنوانها الأبرز: البراغماتية بدل القطيعة، والانخراط المحسوب بدل العزلة.

تعليقات الزوار